Loading Offers..
100 100 100

تطور القلق .. لماذا نقلق وما الذي علينا عمله حيال ذلك؟

نواجه يوميًا العديد من المواقف التي تصيبنا بالقلق فينبغي أن نتعلم مواجهة القلق بطريقة صحيحة لا تؤثر علينا نفسيًا أو بدنيا

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

فلتتخيل للحظة أنك زرافة! حيث تعيش في مراعي السافانا الأفريقية ولديك رقبة بطول متر ونصف. وترى بين الحين والآخر مجموعة من البشر تتجول في رحلة بالأدغال وتقوم بالتقاط صور لك. لكن ما يفرقك عن البشر ليس فقط رقبتك وكاميراتهم؛ إنما يكمن الفرق الأكبر بينك وبينهم في أن كل قرار تتخذه أنت يقدم فائدة فوريه لحياتك. فعندما تكون جائعًا تأكل من إحدى الأشجار. وتختبئ تحت الأغصان عندما تهب العاصفة. وتهرب عندما ترى أسداً يلاحقك أنت وأصدقاءك. إن معظم خياراتك كزرافة في كل يوم – مثل قرارك بشأن ما تأكله أو مكان نومك وكيف تتجنب الحيوانات المفترسة - لها تأثير فوري على حياتك. فأنت تعيش فيما يسميه الباحثون بـ “بيئة العوائد الفورية”، وذلك لأن افعالك تعود لك بفوائد فورية. فحياتك موجهه بقوة الى اللحظة الحالية.

بيئة العوائد المتأخرة (المؤجلة) :

والآن لننتقل الى القسم الآخر، وتخيل بأنك أحد أولئك البشر الذين يقضون عطلتهم في رحلة الى الأدغال، فالبشر على العكس من الزرافة يعيشون فيما يسميه الباحثون بـ “ بيئة العوائد المتأخرة". إن معظم الخيارات التي تقوم باتخاذها اليوم لن تعود عليك بفائدة فورية. فإذا قمت بعمل جيد في العمل اليوم فستحصل على راتبك في غضون بضعة أسابيع، وإذا قمت بتوفير وادخار المال الآن، سيكون لديك ما يكفي عندما تتقاعد لاحقًا. لقد تم تصميم العديد من جوانب المجتمع الحديث بحيث يتم الاستفادة من العوائد في وقت لاحق مستقبلًا بدلًا من أن تكون فورية. وهذا ينطبق على مشاكلنا أيضا؛ فبينما تشعر الزرافة بالقلق من مشاكلها الحالية كتجنب الأسود والبحث عن مأوى في العاصفة، فإن العديد من المشاكل التي يقلق منها البشر تتعلق بالمستقبل. فعلى سبيل المثال، قد يجول بذهنك أثناء تجوالك بسيارتك الجيب في الأدغال “لقد كانت هذه الرحلة ممتعة، سيكون من الرائع لو عملت كحارس حديقة وتمكنت من رؤية الزرافات يوميًا. حقاً! ألم يحن الوقت لتغيير مهنتي؟ هل العمل الذي أقوم به حاليًا هو ما يفترض بي أن أقوم به؟ هل يجب علي أن أغير وظيفتي؟”. لسوء الحظ، فإن العيش في بيئة العوائد المتأخرة غالبًا ما يؤدي الى التوتر المزمن والقلق للبشر، وسبب هذا يكمن في أن دماغك لم يُهيأ بعد لحل مشاكل بيئة العوائد المتأخرة.

تطور الدماغ البشري :

لقد تطور الدماغ البشري إلى هيئته الحالية بينما كان البشر لا يزالون يعيشون في بيئة العوائد الفورية. يبلغ عمر أكبر بقايا البشر المعاصرين - والمعروفين باسم “هومو سيبينس”، وهي كلمة لاتينية تعني الرجل العاقل وتطلق على أوائل الصنف البشري، مئتا ألف سنة. وهم من أوائل البشر الذين ثبت أن لديهم دماغا متشابها نسبيًا مع دماغنا. وعلى وجه التحديد، فإن حجم القشرة المخية الحديثة اليوم - أحدث جزء من الدماغ وهو الجزء المسؤول عن أعلى الوظائف كاللغة ونحوها - تقريبًا بنفس الحجم كما كان قبل ٢٠٠ ألف سنة. وبالمقارنة مع عمر الدماغ، فإن المجتمع الحديث يعد جديدًا بشكل لا يصدق. فلم ينتقل مجتمعنا الا مؤخرًا - خلال الـ ٥٠٠ سنة السابقة ونحوها - الى بيئة العوائد المتأخرة. وقد ازدادت وتيرة التغيير بشكل كبير مقارنةً بعصور ما قبل التاريخ. ففي المئة سنة الأخيرة شهدنا ظهور السيارات والطائرات والتلفاز والحاسب الآلي والإنترنت وما الى ذلك. وكل ما يشكل حياتنا اليومية قد تم استحداثه في مدة قصيرة جدًا. إذا نظرنا للتطور، فإنه يمكن أن يحدث الكثير خلال ١٠٠ عام، ومع ذلك فإن ١٠٠ عام لا تعد شيئاً. فلقد أمضى الدماغ البشري الحديث مئات الآلاف من السنين ليتطور من نوع واحد وهو “العوائد الفورية”، وفي غمضة عين تغيرت البيئة بأكملها إلى “العوائد المتأخرة”. فلقد صمم دماغنا ليقدر قيمة العوائد الفورية.

تطور القلق :

إن عدم التوافق بين دماغنا القديم وبيئتنا الجديدة له تأثير كبير على مقدار التوتر المزمن والقلق الذي نعيشه اليوم. فمنذ آلاف السنين، كان التوتر والقلق يعدان من المشاعر المفيدة عندما كان الإنسان يعيش في بيئة العوائد الفورية؛ وذلك لأن هذه المشاعر ساعدت في اتخاذ إجراءات مناسبة في مواجهة المشاكل الفورية. فعلى سبيل المثال: يظهر أسد عبر السهول > وتشعر انت بالتوتر> فتقرر الهروب> وبالتالي انتهى توترك بانتهاء المشكلة. تهب العاصفة> تقلق بشأن العثور على مأوى> ومن ثم تجد المأوى > انتهى قلقك بانتهاء المشكلة. لم تشرب أي قطرة ماء اليوم > تشعر بالإجهاد والجفاف> تجد الماء > تم التخلص من سبب الإجهاد. هذه هي طريقة تطور دماغنا في استخدام التوتر والقلق، فالقلق كان شعورا يساعد في حماية البشر في بيئة العوائد الفورية، حيث تم إعداده لحل المشاكل الصعبة والقصيرة الأمد. لم يكن هناك شيء يسمى بالتوتر المزمن لأنه لم يكن هناك مشاكل مزمنة في بيئة العوائد الفورية. نادرًا ما تعاني الحيوانات البرية من التوتر المزمن، وكما قال البروفسور مارك ليري من جامعة ديوك: “قد يشعر الغزال بالذعر عند سماع ضوضاء عالية ويهرب سريعًا عبر الغابة ولكن يهدأ الغزال فورًا بمجرد زوال التهديد ومن ثم يبدأ في الرعي، فلا يستمر قلقه واستياؤه طويلًا كما هو حال العديد من الناس”. عندما تعيش في بيئة العوائد الفورية، فإن كل ما عليك أن تقلق بشأنه هو الضغوط الصعبة وسرعان ما يزول هذا القلق بمجرد أن ينتهي التهديد. لكن المشاكل التي نواجهها اليوم مختلفة. هل سيكون لدي ما يكفي من المال لتسديد فاتورة الشهر القادم؟ هل سأحصل على ترقية في العمل أو سأظل عالقا بعملي الحالي؟ هل سيكون بإمكاني إصلاح علاقتي المنقطعة؟ نادرًا ما يمكن حل المشكلات فوريًا في بيئة العوائد المتأخرة في وقتنا الحالي.

ما الذي علينا عمله حيال ذلك؟

إن أحد أكبر مصادر القلق في بيئة العوائد المتأخرة هو الشعور المستمر بالخوف وعدم اليقين. فليس هناك ضمان بحصولك على وظيفة عندما تدرس بجد وليس هناك تأكيد بأن الاستثمارات سترتفع بالمستقبل. إن العيش في بيئة العوائد المتأخرة يعني أنك محاط بالشك وعدم اليقين. اذن، ما الذي تستطيع عمله حيال ذلك؟ كيف يمكنك التطور والنجاح في بيئة العوائد المتأخرة والتي تسبب الكثير من القلق والتوتر؟ إن أول شيء يمكنك القيام به هو القياس، فعلى الرغم من أنه لا يمكنك أن تعرف على وجه التحديد مقدار المال الذي ستحصل عليه في التقاعد، الا أنه يمكنك التخلص من القلق من هذا الموضوع عن طريق قياس كمية المال الذي تدخره كل شهر. وعلى الرغم من عدم وجود ضمان لحصولك على وظيفة بعد التخرج إلا أنه يمكنك متابعة الشركات التي تواصلت معها للحصول على تدريب لديهم. إن عملية القياس تجعل الكمية المجهولة معروفة. فعندما تقوم بقياس شيء ما يتولد لديك فورًا الشعور باليقين والثقة بشأن هذا الوضع. بالطبع، لن يحل القياس مشاكلك بطريقة سحرية لكنه سيوضح لك الوضع ويخرجك من حالة القلق وعدم اليقين ويساعدك في السيطرة على ما يحدث. وعلاوة على ذلك، فإن الحصول على النتائج السريعة تعد أحد أهم الفروق بين بيئة العوائد الفورية وبيئة العوائد المتأخرة. فالحيوانات تأتيها نتائج وإشارات باستمرار حول الأشياء التي تسبب لها التوتر. ونتيجة لذلك فإنهم يعرفون ما إذا كان يتوجب عليهم القلق أم لا؟ فبدون قياس لن يكون لديك أي ملاحظات. إن كنت تبحث عن استراتيجيات قياس جيدة، فأقترح استخدام شيء بسيط كاستراتيجية “مشبك الأوراق” لتتبع الإجراءات اليومية المتكررة، واستراتيجية سينفيلد لتتبع السلوكيات طويلة الأمد.

حوّل قلقك :

الشيء الثاني الذي يمكنك فعله هو “تحويل قلقك” من المشكلة طويلة الأمد الى الروتين اليومي الذي سيحل هذه المشكلة. فبدلًا من القلق حول العيش طويلًا، ركز على التنزه بقدميك بشكل يومي، بمعنى آخر: المشي يومياً. وبدلًا من القلق فيما إذا كان طفلك سيحصل على منحة دراسية جامعية، ركز على كمية الوقت الذي يقضونه بالدراسة اليوم. وبدلًا من القلق بشأن فقدان الوزن الكافي قبل حفل الزفاف، ركزي على طهي عشاء صحي الليلة. إن الفكرة الأساسية التي تجعل هذه الاستراتيجية فعاله هي بالتأكد من أن روتينك اليومي سيعطيك نتيجة فورية (العوائد الفورية) وسيحل مشاكلك المستقبلية أيضًا (العوائد المتأخرة).

إليكم ثلاثة أمثله من حياتي:

الكتابة:
عندما أنشر مقالا يزداد إحساسي بأهمية ما أقوم به زيادة ملحوظة، فأعلم أنني إذا ما استمريت بالكتابة فإن عملي سيزدهر وسأقوم بنشر الكتب وبالتالي سيكون لدي المال الكافي لمواصلة حياتي. وبتركيز اهتمامي على الكتابة يوميا، أكون قد زدت من سعادتي (عائدة فورية)، بالإضافة إلى عملي على اكتساب دخل مستقبلي (عائدة متأخرة).
رفع الأثقال:
لقد شهدت نقلة كبيره في سعادتي عندما تعلمت حب ممارسة الرياضة. إن الذهاب الى صالة الألعاب الرياضية يبعث السرور إلى قلبي (عائدة فورية)، كما أنه يؤدي إلى صحة أفضل على المدى البعيد (عائدة متأخرة).
القراءة :
في العام الماضي، نشرت قائمتي بالقراءة وبدأت بقراءة ٢٠ صفحة يوميًا، والآن أشعر بالإنجاز كلما قمت بقراءة جزئيتي اليومية (عائدة فورية)، بالإضافة إلى أن ممارسة القراءة تساعد في تطويري لأكون شخصا مثيرا للاهتمام (عائدة متأخرة). لم يتطور دماغنا في بيئة العوائد المتأخرة ومع ذلك ها نحن الآن نعيش في بيئة العوائد المتأخرة. وما آمله هو أن تتمكنوا من تخفيف ذلك الشعور بعدم اليقين والتوتر المزمن المتأصل في المجتمع الحديث وذلك عن طريق  قياس الأشياء التي تهمكم وتحويل القلق الى ممارسات يومية تؤتي أُكلها على المدى الطويل.  

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..