Loading Offers..
100 100 100

تجنب مصائد الفكر: التحيز المعرفي تقييد للتفكير العقلاني

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

الحياة هي مجموعة من القرارات والاختيارات التي تدفعنا مع بداية كل يومٍ جديد لنتخذ العشرات إن لم نقل المئات من القرارات اليومية الصغيرة منها والكبيرة، الصائبة أو الخاطئة، فنجد أن منها ما هو في غاية الأهمية في حياتنا أو قد يؤثر في حياة غيرنا، هذه القرارات هي التي سترسم ملامح مستقبلنا ولو بدت لنا أنها قرارات روتينية تركنا للعقل تسييرها كعادات قد تكون سلبية أو إيجابية. وكثيرًا ما ننحاز انحيازات معرفية للاعقلانية فنتخذ بذلك قرارات غير سليمة ناجمة عن خضوعنا لمؤثرات نفسية داخلية أو بيئية خارجية تُشوّش على طريقة اتخاذنا لهاته القرارات بموضوعية وبحكم دقيق وتفسير منطقي، أي بعقلانية. الانحياز بشكلٍ عام يؤثر في صناعة القرار السليم العقلاني ويؤدي إلى التشويش على الانتباه والتفسير والوعي بتلك الموروثات التي تدفعنا للانحياز وتجعلنا نتسرّع بالحكم دون التدقيق في الأشياء، وهذا ما قد يدفعنا أحيانًا للحكم بشكلٍ خاطئ على الأشياء والأشخاص لعدة أسباب منها ما هو عاطفي وأخلاقي أو اجتماعي.

ما هو التحيّز المعرفي؟

التحيّزات المعرفية (وتسمى أيضًا التحيّزات النفسية) هي أشكال من التفكير الذي يحيد عن التفكير المنطقي أو العقلاني، ويميل إلى أن يُستخدم بشكل منهجي في مجموعة متنوعة من الحالات، وتتجلى هذه التحيزات في تلك الطرق السريعة والبديهية لإصدار أحكام أو قرارات بأقل مجهود دون الحاجة للتفكير التحليلي الذي يأخذ في الاعتبار جميع المعلومات ذات الصلة، وهذه الأحكام السريعة التي تعتبر في غالب الأحيان مفيدة تعتبر أساس الأحكام الخاطئة النموذجية. تم تقديم هذا المفهوم في أوائل السبعينيات من قِبَل عالم النفس دانيال كانيمان (جائزة نوبل في الاقتصاد في عام ٢٠٠٢) وأموس تفرسكي لشرح بعض الاتجاهات التي تأخذنا نحو القرارات غير العقلانية في المجال الاقتصادي، ومنذ ذلك الحين تم تحديد العديد من التحيزات التي تتدخل في عدد من المجالات من خلال البحث في علم النفس المعرفي والاجتماعي. يمكن تفسير بعض التحيزات من خلال الموارد المعرفية المحدودة عندما يكون أحد العوامل التالية غير كافي لإجراء التحليل اللازم للحكم العقلاني (كالوقت، المعلومات، الفائدة، القدرات المعرفية) وتمكّننا الاختصارات المعرفية (التي تُدعى الاستدلال heuristic) من إصدار أحكام سريعة، رغم أن هذه الأحكام السريعة قد تكون مفيدة في غالب الأحيان ولكنها أيضًا أساس للأحكام الخاطئة النموذجية.

ومن أنواع هذه التحيّزات:

١- تأثير الهالة

تأثير الهالة (أو تأثير السمعة أو تأثير العدوى) هو الميل إلى جعل بعض الخصائص أكثر إيجابية (أو العكس أكثر سلبية) لشخصٍ ما أو جماعةٍ ما، أو لعلامةٍ تجارية وما إلى ذلك، حتى وإن كنا لا نعرفهم ومن دون التحقق، وذلك باستخدام واحد من تلك الميزات التي حكمنا عليها واعتبرناها في السابق موجبة (أو عكس ذلك، سلبية). في مجتمع المظاهر، الصورة وظاهر الشخص أو المجموعة أو أي شيء تتأثر بالانطباع الذي أخذناه مسبقًا على بيئتها (على سبيل المثال العائلة أو المجموعة، والمؤسسة أو العِرق والبلد الذي ينتمي إليه) أو لأحد خصائصها، هذا هو التحيّز المعرفي الذي يُبنى على أساس تفسير انتقائي للمعلومات التي تتماشى مع اتجاه الانطباع الأول الذي شعرت به نحو البيئة أو خاصية من خصائصها والتي تساهم في تعزيز ذاك الانطباع. سُلّط الضوء على هذا التأثير في عام ١٩٢٠ من قبل عالم النفس الأمريكي إدوارد ثورندايك (١٨٧٤-١٩٤٩)، وفُسّر هذا التأثير في عام ١٩٤٦ من قبل عالم النفس الأمريكي من أصول بولندية سولمان آتش (١٩٠٧-١٩٩٦). ويمكن لهذا التأثير أن يلعب دورًا كبيرًا في ظهور العنصرية.
أمثلة لتأثير الهالة
  • أخذ انطباع سيئ عن شخصٍ ما دون محاولة التعرّف عليه، ببساطة بسبب انتمائه لمجموعة لا نقدّرها أو العكس، أو أخذ انطباع سيئ عن مجموعةٍ ما لسببٍ وحيد أننا لا نقدّر شخص ينتمي لها.
  • أن نحكم عليهم بأنهم أذكى من غيرهم، بناءً على مظهرهم الجسدي.
  • تفضيل منتج لكونه لعلامة تجارية معيّنة، حتى لو لم تجربه.
  • أثناء المداخلات والحديث الجماعي نلاحظ أن الشخص يتأثر بكلام المتحدّث السابق، وخاصةً إذا كان ذا شخصية قوية.
تأثير الهالة في مجال الاستبيانات:
في مجال الاستبيانات يتجلى تأثير الهالة من حقيقة أن الإجابات على الأسئلة يمكن أن تتأثر بالإجابة على سؤال مشابه وسابق، وذلك من أجل البحث عن التناسق، أو من التسلسل والتدرّج في طرح السؤال، وفي بعض الأحيان قد نتحدّث عن تأثير العدوى، ولتفاديه يحاول مصمّموا الاستبيان تقليله عن طريق خلط الأسئلة. على سبيل المثال، الشخص الذي أجاب أنه متديّن في السؤال الأول سوف يميل ليجيب في سؤال قريب للسؤال الأول على أنه يمارس شعائره الدينية بانتظام، حتى لو كان ذلك غير صحيح.
تأثير الهالة في مجال الإعلانات:
في مجال الإعلانات نجد أن خط المنتجات (Product Line) وهو مجموعة من المنتجات من نفس الفئة والتي تلبي نفس الحاجة أو الرغبة الذي تقدمه نفس الماركة أو الشركة المصنعة تحت علامة تجارية واحدة تُباع من قبل نفس الشركة، قد تستفيد من تأثير الحملة الإعلانية التي تقوم بترويج منتج وحيد من المزيج أي منتج ينتمي لخط من خطوط منتجات الشركة والذي يحمل نفس العلامة التجارية، فنحكم على المنتجات الأخرى لنفس العلامة انطلاقًا مما نمتلكه كحكمٍ مسبق على المنتج الأساسي من المزيج التي قامت الشركة بالتركيز عليه في حملاتها الإشهارية. وكما يمكن أن يُفيد تأثير الهالة أيضًا المنتجات المنافسة إذا كانت الحملة تهدف إلى الإعلان عن مفهوم جديد ومبتكر لمنتج أو خدمة جديدة تتوفر لدى شركة منافسة.
تأثير الهالة في المجال الأكاديمي:
في المجال الأكاديمي يحدث تأثير الهالة عندما نجد أن الانطباع الإيجابي أو السلبي الذي يأخذه المدرّس على تلاميذه متأثر بخصائص لا علاقة لها بالمجال الأكاديمي ولا تمسّه بشيء (التهجئة واللباس، إطار النظارات، تصفيفة الشعر، أصله وعِرقه...إلخ). عندما تكون العلامات التي أعطيت إلى الجوانب المختلفة لنفس العمل تتأثر فيما بينها، فإننا نتحدث عن تأثير العدوى.

٢- تأثير العدوى

يتطابق تأثير العدوى مع التلوث المتبادل بين المعايير، أي أن حكم المعلّم يمكن أن يتأثر وفقًا لملاحظاته الأولى، لذلك يجب أن تكون هناك عدة معايير في التقييم لتتأثر بهذا التأثير، فعندما يقوم المعلم بالتصحيح والتقييم وإعطاء النقاط تدريجيًا إلى جانب كل معيار من المعايير، يمكن أن يتأثر في بقية التصحيح؛ على سبيل المثال، إذا كانت الأخطاء الإملائية كثيرة فينظر المعلم على أن باقي المعايير لم تستوفِ المطلوب، وهذا ما قد ينتج عنه نظرة وانطباع سلبي، لكن عندما ينجح التلميذ بشكلٍ جيد في المعيار الأول، يمكن أن يتأثر حكم المعلم إيجابيًا في تتمّة التصحيح، ولن يبحث لتأكيد انطباعه الأول. كطريقةٍ لتجنب هذا النوع من التأثير الذي قد يخلق نوعًا من التمييز الى أكثر من ذلك إلى العنصرية، وُجب اتخاد معيار واحد لتقييم كل من أوراق الامتحان أو معيارًا وحيدًا لكل ورقة امتحان حتى يتجنب المعلم تأثير المعايير بعضها لبعض، وهذا ما قد ينتج عنه تأثير العدوى.  

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..