حياة مع الشاي

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

  الشاي واحد المشروبات يحمل روحا بداخله. فهو لا يمثل مشروبا ساخنا وحسب. فنحن لا ننسى طعم الشاي الذي شربناه في مناسبة سعيدة مثل زواج قريب، أو في مناسبة احتفال بإنجاز كبير كإنهاء رسالة دكتوراة، أو حتى في نزهة على الأقدام في صحراء ذهبية. الشاي يصحبنا في مناسبات ومواقف وأحداث كثيرة، واليوم سأحاول تسليط الضوء على بعض جوانبه وتأثيره في حياتنا. أين نشأ الشاي؟ يعتقد كثير من المؤرخين لتاريخ الشاي أن هذا الشراب الساحر أُكْتشِفَ قبل خمسة آلاف سنة. عندما كان الامبراطور الصيني "شين نانج" في أحد السهول وكان هناك قدر بجانبه يغلي بالماء، سقطت بضع ورقات من أوراق الشاي، وعندما أراد الجنود أن يزيلوا الأوراق أمرهم الامبراطور بأن يدعوها حتى يراقب ماذا سيحدث. وبالفعل ظهر تغير في اللون ثم احتساه الامبراطور، فوجد له مذاقا مختلفا ورائعا. ومن هنا بدأت قصة الإنسان والشاي. ولا نستغرب بعد هذا إذا علمنا أن أكثر مشروب بعد الماء هو الشاي. إن المشروبات لها بعد آخر غير البعد المادي وهو العاطفي، وبالمناسبة كلمة شاي باللغة الصيني تعني: إنسان يقف بين العشب والخشب. وهذا ما يحدث؛ فحياة الإنسان الفعلية ليست في العمل، وليس وقت الراحة والنوم، ولكن عندما ينهي عمله في منتصف النهار ثم تحمله خطاه إلى بيت الشاهي -المقهى- فيتجاذب أطراف الحديث مع الرفاق فيضحكون، ويتبادلون القصص، والحكايا والطرائف ومبادئ ومنطلقات الحياة، والتي ربما غيرت العالم -كما حدث مع الحزب الشيوعي- فالإنسان بين حيطان الخشب في المقهى وأعشاب الشاي. وأيضا كان الشاي مع الإنسان بين أخشاب السفينة وأعشاب الشاي ومنذ أن بدأ التجار رحلاتهم حيث نقلوا معها ثقافاتهم، ونمط عيشهم بل وحتى الدعوة إلى ما يؤمنون به. أما نحن العرب فقد عرفنا الشاي مع الإستعمار البريطاني لبعض الدول. فيقدّر بعض المؤرخين أنّ الشاي لم يُعرف في الوطن العربي حتى القرن العاشر للميلاد. حين ورد ذكره لدى البيروني في كتب رحلاته، "بأنّ الصينيين كانوا يشربون شراباً ذهبياً يسمى الشاي". ومن متبع القول أنّ العرب عرفوا الشاي على نحو رئيس منذ القرن التاسع عشر، وهي نفس فترة انتشاره أيضًا في الأناضول وتركيا. وفي مصر مثلا، دخل الشاي مع الاستعمار البريطاني عام 1882م، ولكنه كان في البداية مشروبًا نخبويًا مقصورًا على الأسر الأرستقراطية والخديوية، وكانوا يسمونه وقتها "الخروب". على الرغم من انتشار مشروب الشاي في جميع دول العالم إلا أن أوروبا كانت ترفض شرب الشاي بشدة حتى بلغ الأمر إلى تحريم الكنيسة لشرب الشاي، كما انتقده الأدباء والشعراء بكل عنف وشدة، باعتبار أن شرب الشاي يفسد أخلاق الرجال! ويقلل من إنتاجهم وعملهم. أما د.جونسون أديب انجلترا الشهير فقد كان يعشق شرب الشاي بل اعترف أن إبريق الشاي لديه لا يبرد أبداً، مما عدّه المجتمع الانجليزي متحرراً بشدة لإعلانه عن ذلك للجميع، كما انتقدوا وبشدة عدم حيائه عند تناوله الشاي علناً ولكن في نهاية المطاف رضخ الجميع للمشروب السحري. فلمشروب الشاي فوائد عديدة، وبعضهم يعزو أن الصحة التي يتمتع بها سكان شرق آسيا تعود إلى حبهم للشاي. وترجع فوائد الشاي لاحتوائه على مركبات “الفلافونويد” ومفعولها المضاد للتأكسد الذي يحمي الخلايا من التلف، كما يعتقد بأنها جيدة للقلب. ويقول مؤلف الدراسة “نيكولاس دنشين”:” إن كان عليك الاختيار بين القهوة والشاي ، فالأفضل اختيار الشاي”. وقد أجريت الدراسة على 131,401 شخص بين أعمار 18-95 مع مخاطر قليلة للإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، لمن كانوا يزورون مركز الطب الوقائي في باريس بين 2001-2008، فكانت هناك 95 حالة وفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية، و632 حالة وفاة لأسباب أخرى. يتمتع الشاي من بين المشروبات الأخرى بتنوع النكهات، وطرق الطبخ. فهناك أكثر من 1500 نوع من الشاي. وقد يضاف إلى الشاي ما يعطيك نكهة إضافية كالزهور أو النعناع. قال الشاعر: نعنع كؤوسك إن أردت سقاءنا.. لاخيرَ في شاي بلا نعناع. ولا يقتصر الأمر على نكهات الشاي، بل إن الشاي واحد من المشروبات التي يمكن أن تُشرب ساخنة أو باردة أو حتى مثلجة. وما دمنا في الحديث عن مقياس حرارة الشاي، فنقلا عن الكاتب أحمد العرفج يقول في مقال في صحيفة المدينة الأحد 05 / 08 / 2012 : (أمَّا عَن شُرب الشَّاي سَاخناً أو بَارداً، فَقد نَظم أحدُهم بيتاً يَقول فيهِ: وانفخ ببرطمك الكؤوس وقُل لها لا خيرَ في شَاي بهِ لسَعَاني ومَا أن كُتب هَذا البيت، حتَّى جَاء مَن يَردّ عَليه بقولهِ: الكأس لو لم تذق لسعاتها.. فاضرب بها عرضاً بدون تواني} وأختم بأن مما يجعل الشاي مميزا هو الحجم الواسع من الخيارات التي تناسب كل أمة وكل فرد.

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد