لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
اكتسابك للمناعة الفكرية والأخلاقية ضروري لك ولطفلك، كتلك التي تُنقل عبر الثدي لجسد الطفل .. إن الغاية من إعداد الطفل وتعزيز قدراته الفكرية والنقدية منذ سنواته الأولى، هو تمكينه من اكتساب آليات الفهم والاستيعاب التي ستساعده حتما في إدراك ذاته وإبرازها وكذا تطوير شخصيته و ضمان استقلاليتها وتوازنها، فمادام الإنسان معرضا للاختراق الفكري فلا بد له إذن من تقوية دفاعاته المناعية.
المناعة المكتسبة لدى الطفل
لطالما كان اكتساب المناعة الأولية بالنسبة للطفل أمرا طبيعيا عن طريق الرضاعة التي تساهم في بناء جهازه المناعي وتقويته، لِتُقَلّلَ بذلك من إصابته بالأمراض المعدية والفيروسات، حيث يحتوي حليب الأم على الأحماض الأمينية المضادة لمسببات الأمراض من قبيل البكتيريا والمواد السامة وكذا ارتفاع نسب البروتينات والدهون والسكر في الجسم. وبالتالي فإن عملية الرضاعة الطبيعية تعمل على تقوية الجهاز المناعي للرضيع حتى يصبح جاهزا وقادرا على القيام بدوره الحيوي الطبيعي المتمثل في حماية الجسم من الأمراض والأوبئة.
ولطالما كانت مسألة الرضاعة الطبيعية أمرا مهما بالنسبة للطفل، حيث تؤدي إلى نتائج مختلفة، كتحسين معدل ذكاء الطفل. وهذا ما سعى إليه الدكتور برناردو ليسا هورتا، من جامعة بيلوتاس الفيدرالية بالبرازيل، بتسليط الضوء على العلاقة المحتملة بين الرضاعة الطبيعية والذكاء المتفوق، وكذا تفاعل الطفل داخل المجتمع وكيفية مواجهته لتحديات الحياة. فمن الملاحظ أن الطفل الذي يكون غذاءه الأساسي حليب الأم أي عن طريق الرضاعة الطبيعية فإن جهازه المناعي يتفاعل لينتج مضادات حيوية بعد حصوله على بعض أنواع التطعيمات ما يكسبه مناعة أقوى.
فاكتساب الطفل لتلك المناعة الأولية لهو أمر ضروري. وحتى لا يقتصر دور الجهاز المناعي في حماية جسمه فقط بل ويشمل أيضا حماية إنسانيته في جانبها الفكري والأخلاقي، فإننا بحاجة ملحة إلى جهاز مناعي موازٍ يقوم بالدور نفسه ولكن من أجل حماية هويتنا الإنسانية، أي الجانب الروحي، من التدمير والاختراق الفكري والأخلاقي. ومن أجل هذا، فمن الواجب علينا الاستعداد والتهيؤ مسبقا لوقاية وحماية أسلوب تفكيرنا وطبيعة أفكارنا التي تدفعنا للتطور والارتقاء إنسانيا، وكذا إعداد ما يمكن نقله لأطفالنا لضمان وجودهم المستقل من خلال مَدِّهِمْ مسبقا بآليات تفكير نقدية وأخلاقية تقيهم أولا، ثم تمكنهم فيما بعد من استلام مسؤولياتهم المجتمعية باعتبارهم أفرادا يتمثل دورهم في الاندماج داخل المجتمع والمساهمة في ارتقائه تواصليا وفكريا وأخلاقيا.
المناعة الفكرية: بين منطق الصواب والخطأ و بناء نسيج فكري سليم
إن الحياة باعتبارها مجموعة من القرارات والاختيارات التي يمتحن فيها الشخص حول مدى جاهزيته لمواجهتها وكيفية التعامل مع مطباتها. فإن ذلك يرتكز أساسا على تطوير قدرات الشخص لاتخاذ قرارات صائبة تؤثر على سلوكياته وتحافظ على ثباته وإنسانيته كفرد فاعل في مجتمعه.
إن اكتساب الطفل لشخصية قوية لن يمكنه فقط من مواجهة تحديات الحياة، بل أيضا من اكتساب مكانة مجتمعية تعبر عن وجوده، حتى لا يتخلى عن حضوره المجتمعي مستقبلا كفرد من المجتمع أو كي لا ينعزل عن باقي أبناء جنسه بسبب ضعف في شخصيته. وهذا يعتمد أساسا على القوة الفكرية للطفل التي تتمثل في الأفكار التي يطورها والتي تساهم في تكوين نسيجه الفكري. ومع ذلك يبقى هذا الأخير معرضا وقابلا للاختراق والتضرر في أي وقت بأفكار قد تفسد رؤيته وتضعف شخصيته وثباته، لذلك وجب إعداده بما يكفي لحماية أسلوب تفكيره منذ نعومة أظافره إلى أن يقوم هو بتلقيحها أو تغييرها حين يكتمل وعيه واستقلاله الفكريين.
إن القصد من اكتساب الطفل لجهاز مناعي هو تَمَكنه من أداة تساعده على فلترة أولية للأفكار قبل استهلاكها وتبنيها، فكما نغذي أجسامنا بغذاء صحي، فإن الأمر كذلك بالنسبة لعقولنا حيث لا يجب أن نغذيها بأفكار سلبية وفاسدة ومسمومة قد تصيب العقل باختلال يفقده صواب المنطق، أو قد تتحكم في إدراكه لينحرف عن مساره عكس ما قد يدفعه للتطور والرقي إنسانيا.
المناعة الأخلاقية: التربية الأخلاقية والسلوك الأخلاقي
تتجلى أهمية المناعة الأخلاقية في أنها تعمل على حماية الطفل من تسرب الجراثيم الأخلاقية في نفسه، وتحصينه أيضا ضد الإصابة بالأمراض الأخلاقية التي قد تستهدف النَّشْءَ.
تُكْتَسَبُ المناعة الأخلاقية من خلال التربية الأخلاقية التي يتلقاها الطفل منذ صغره كي يصبح فرداً ذو شخصية متكاملة وسوية، أي مجمل القيم التي يتم غرسها في الطفل داخل الأسرة وخارجها لتربيه سلوكه من أجل تحقيق أهدافه واكتشاف ذاته وتحقيقها. لكن لا يمكننا الحديث عن التربية الأخلاقية واكتساب هذا النوع من المناعة دون محاولة فهم الفرق والعلاقة بين القيم والأخلاق.
لذا نجد أن القيم هي مجموعة من المعايير يتخذها الفرد ميزاناً يزن بها أعماله ويحكم بها على تصرفاته وسلوكياته وتحديد أثرها على نفسه وعلى غيره بمنطق الخطإ والصواب. وبالتالي يستفيد الطفل، في حال الخطإ، من تقييم وإعادة توجيه سلوكه وتعامله مع أفراد المجتمع في اتجاه تبني قيم إيجابية مثل (الأمانة، الرحمة، النظام، النظافة، احترام الغير..).
أما بالنسبة للأخلاق فهي القيم والمعايير التي اعتمدها وتقبلها غالبية أفراد المجتمع والتزموا بها مجتمعيا، لتنظم حياتهم في مختلف جوانبها بعيدا عن الصدامات السلوكية الممكنة الحدوث بين الأفراد. وهذا يؤدي إلى بناء مجتمع يحقق التماسك والتجانس الاجتماعي وتحقيق النهضة الاجتماعية القوية وكذا تحقيق السعادة في الحياة، حيث يسهر كل فرد على راحة وسعادة الغير، وذلك حرصا على عدم انتشار الانحراف والفساد الأخلاقي في الحياة اليومية.
خلاصة:
ما لم تكن قويا مستقلا بذاتك ثابت الشخصية، وهذا يظهر في قراراتك واختياراتك الظاهرة منها والمخفية، سيتم التحكم والتلاعب بك حتى تنحرف عن وجهتك. لذلك فإن مسؤولية الوالدين هو إعداد الطفل بكل الوسائل والإمكانات التي ستساعده من أجل مواجهة تحديات الحياة، حتى يدرك الطفل ذاته المستقلة ويحمي إنسانيته من الاستلاب الثقافي ومن البرمجة السيئة لوعيه التي تحول بينه وبين المشاركة في إنتاج قيمة مضافة للمجتمع وحتى لا يفسد نفسه و محيطه الاجتماعي.