Loading Offers..
100 100 100

النسوية: المتَّهم البريء

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

ما إن تصف امرأة نفسها بالنِّسويَّة في مجتمعاتنا العربية حتى تنهال عليها الكلمات، كلمات مُؤَنِّبَة وأخرى مشجِّعة (لكن لغرض ما)، وكلمات مشجِّعة (لكنها قليلة في مقابل ما تراه من أذى)تلحق بالمرأة النسوية عدة أوصاف مثل: كارهة الرجال، المرأة التي تريد أن تنحلّ، المرأة التي تريد أن تخلع الحجاب وتخفف ملابسها، وتمتد الأوصاف لتصل اتّهامات قادحة في الشرف، أو الكفر والارتداد.ومؤخَّرًا انتشرت الأصوات النسوية على مستوًى واسعٍ وأصبحت كل امرأة تطالب بحقها تُطلِق على نفسها لقب نسويّة، دون أن تدري ما هو معنى الكلمة الصحيحة، وربما انضمت الكثير من الفتيات تحت لوائها ظنًّا منهم أن نسويّة هي ما تعني مُسَوِّغًا للانحلال أو الخروج عن القواعد، وبالَغَتْ بعض النسويات في التطرُّف تجاه الرجال، وهذا هو العكس مما تُطالِب به النسويّة، وما يحدث الآن من قِبَلِ بعض الفتيات ما هو إلا نتيجة للكبت الذي مُورِس عليهن لمدة سنوات عِدَّة، فمع التقدُّم الهائِل والمكاسب الكبيرة التي حصلت عليها النسوية إلا أن النِّساء في الكثير من المناطق ما زِلْنَ يُعانِينَ من الظُّلم والتفرقة، فكان النتاج الطبيعي للكبت هو التطرف على الجانب الآخر.

ما هي النِّسوية؟ وما أهدافها؟

النسوية هي حركة اجتماعية عالمية تطالب بتحقيق المساواة بين الرجال والنساء في البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بما يعني أن النسوية لا تدعي أفضلية النساء على الرجال وإنما كل ما تريده هو فقط المساواة بين الرجال والنساء، في الحقوق والواجبات. هل تنظر النسوية للرجال والنساء على أنهما شيءٌ واحد؟ بالطبع لا، فأغلب النسويات يؤمن أن الرجال والنساء ليسا متطابِقَيْنِ جسديًّا وهناك اختلاف في القدرات العقلية والبدنية.تقول الناشطة الحقوقية "جلوريا ستانيم" في الوثائقي (القنبلة الأنثوية):
(لم أكن نسوية إلا حينما قرأت التاريخ وعرفت أننا لم نحصل على حقّ التصويت في الانتخابات إلا بعد معاناة، حينها قرَّرت أن أصبح نسوية).
فأهداف النسوية واضحة، لا شيء سوى حقوق النساء وأن لا تكون النساء مضْطَهَدات لأنهن نساء، إنه لأمر مُخْزٍ أن تتمتع بامتيازات من أجل نوعك مع إهمال مواهبك، أو يتم إقصاؤك من أجل نوعك أيضًا رغم مواهبك، وهي حينما تطالب بالمساواة فهي تطالب بالمساواة للرجال أيضًا، فبعض الرجال لا يقومون بالتعبير عن مشاعرهم جيدًا بسبب الصِّفات التي تلاحقهم مثل تشبيههم بالنساء عند البكاء. إنَّ النسوية تحارب الفكر الذُّكوري المُسَيْطِر الذي في العادة لا يرتبط بجنس صاحبه، فبعض النساء ذُكوريات، يَظْهر هذا في تعاملهنّ مع أبنائهن مثلًا، أو مع مَثِيلاتهن من النساء.

موجز تاريخ النسوية

البداية الفعلية للنسوية كانت في عام (1848م) حينما عقد اجتماع سنيكا فولز بولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، كانت مطالب الاجتماع هي: إعطاء المرأة حقَّها في التصويت والعمل في جميع المهن مثل الرجال.ولكن الأمر بدأ قبل ذلك بكثير من الوقت ففي القرن الخامس عشر طالبت الفيلسوفة "كريستين دي بيسان" بحق المرأة في التعليم.وفي القرن السادس عشر نشرت الكاتبة الإنكليزية "جين انغر" عددًا من المقالات المطالبة بحماية النساء اللواتي لا يرغبن في الزواج أو العمل وأن يتمّ تخصيص أديرة خاصة بهن ليَعِشْنَ فيها ويُدِرْنَ ويتعلمن.في القرن السابع عشر في المكسيك ظهرت الباحثة والشاعرة الأخت "جوانا أنيه دي لاكريز" وهي نموذجٌ للمرأة المستقلّة والتي سبقت المطالبة بتحرير النساء قبل قرون، فاختارت ما يعبّر عن الزمن الذي عاشت فيه ألا وهو الرهبنة بدلًا عن الزواج. وفي الدّير مارست الدراسة والكتابة فجسَّدت رؤيتها للكون في كتابها "الحلم الأول" كما كتبت المسرحية الساخرة "تعقيدات بيت" ومسرحية "متاهة الحب" كما أنها من أهم أدباء عصرها.أما عن القرن التاسع عشر فقد ارتفعت الأصوات النِّسائيَّة في أوروبا مطالِبةً بالمساواة مع الرجال في الحقوق، ومُطالِبةً بحق النساء في الدراسة وتملك العقارات، والمشاركة في الحياة العامة والتصويت.

النِّسوية في العصر الحديث

عام (1920م) حققت النسوية الأمريكية أهم انتصاراتها وأوّلها فقد تمّ تعديل الدستور ومُنحت المرأة الحق في التصويت، لكن تراجع نشاط الحركة النسوية بعد الحرب العالمية الثانية.في الستينات ارتفعت الأصوات النسائية أكثر وأكثر وتَمَّت المطالبة بمنع أصحاب العمل من تمييز النساء على أساس الجنس، بل طالبت النساء بشغل الأعمال التي حظي بها الرجال وحدهم مثل قيادة الشاحنات أو التجنيد للدفاع عن بلادهن.وانقسمت النِّسوية إلى ليبرالية متحررة، أو راديكالية مجتمعية، وأخرى قائمة على أساس الاعتراف باختلاف الرجال جوهريًّا عن النساء.في القرن العشرين وصلت النسوية لأهدافها وحققت ما تريده على مستوى واسع من البلاد، فجُرِّمَت الممارَسات التي تنتهك حقوق المرأة مثل الخِتَان، وساهمت في صُدور تشريعات لحماية الفتيات القاصرات من انتهاكهن بأي طريقة، كما أنها ساهمت في ارتفاع الأصوات السياسية للنساء مثل المظاهرات التي قامت بها النساء ضد دونالد ترامب جرّاء تصريحاته بخصوص النساء.

هل ما زلنا بحاجة للنسوية

بالطبع ما زلنا نحتاج إلى فكرة المساواة، ولا يجب أن تَخْبُو وَلَوْ للحظةٍ واحدة عن أذهاننا، فقد يدهشك أن تعرف أن في الولايات المتحدة الأمريكية ما زال هناك الفرق بين رواتب الرجال والنساء، كما أن تمثيل النساء في الكونجرس يتم بنسبة 18.7% فقط، وهذا هو البلد، الذي وُضِعَتْ فيه أسس النسوية وهو البلد الديمقراطي، فما زالت مجتمعاتنا العربية تعاني من تمييزٍ فَجٍّ حتى الآن، واستنادًا للنصوص الدِّينيَّةِ وتفسيرها تفسيرات خاطئة، فقد انتشرت في الأيام الأخيرة على فيسبوك صورةٌ لعيدية فتى وفتاة، عيدية الفتى أكثر بضعفين ويستند الفاعل إلى كون الميراث يقضي بأن للذَّكر مثل حظ الأنثيين من أخواته -وليس في المطلق- وهو ما لا يحدث في العيدية فحسب، بل يمتدّ الى كل الأمور الأخرى، ففي بعض البيئات المصرية ما زال يُنظر للمرأة على أنها عيب وعار يجب التخلص منه، والنظر إلى الفتى بكلِّ فَخْرٍ.ومنذ انتشرت حادثة الفتاة التي تعرضت للانتهاك والاعتداء، حتى لو كانت مثلما أشيع قصة غير حقيقية صَدَمَنا وَابِلٌ من الآراء التي تؤيد ما حدث لها، أو تلقي عليها وحدها بالذنب أو حتى تتعاطف معها مع الأخذ في الحسبان تصرفاتها وما ترتديه، وهو الأمر المرفوض كُلِّيًّا فمَهْمَا كان سلوك ذلك الشخص، لا يَصْلُح هذا كتبرير للاعتداء عليه.وهذا بالضبط ما تشدِّد عليه النسوية دائمًا، فهي كما تطالب بحقوق النساء، كذلك تدافع عنهن أيضًا في القضايا الكبرى، فالنسوية ليست ترويجًا لانحلالٍ أو دعوة للكفر، فهي لا توجب على النساء مَظهرًا مُعَينًا بل هناك الحق للنساء في ارتداء ما يُردْنَ سواءٌ كان القليل من الملابس أو الكثير منها، المهم فقط هو أن ترتدي ذلك بإرادتها الحُرّة واختيارها هي.

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..