لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
حينما تجلس إلى مائده الطعام؛ لتستمتع بما لَذّ وطاب من طعام تدوخك الروائح تدخل إلى مسامك فتشعر بالرغبة العارمة في تناول الطعام، لكنك في تلك اللحظة لا تعرف مِن أين نشأت أطباقك المفضلة؟ كيف تكونت قائمة الطعام تلك؟ وهل هذا هو طعامك التقليدي منذ أجدادك أم أن مائدتك تعرضت هي الأخرى للانفتاح على العالم، فأصبحت تتناول طعام بلادا أخرى جنبًا إلى جنب مع طعام بلادك؟ فالطعام ليس -فقط- ذلك الوقود الذي يدفعنا لإكمال الحياة، بل هو جزء من ثقافتك وهويتك شأنه في ذلك شأن كل شيء في حياتك وتنازلك عنه يعني تنازلك عن جزء من الهُوِيَّة.في الأفلام ترى البطل المغترب يشعر ببلاده حينما يصنع طبقًا من تراثها الغذائي، ومائدة الطعام الزاخرة بصنوف عدّة لم تتشكل بسهولة، بل هي نتيجة لعوامل كثيرة وامتزاج ثقافات وأحيانًا سلطوية مستعمر ومحاولة منهم لطمس هوية الشعوب.العوامل المؤثرة في مائدتك
أولًا: العامل الجغرافي، فأنت لن تعتمد على أطعمة لا تنتجها بلادك بل تعتمد على المحاصيل التي تنتجها؛ لذلك تجد من المكونات الرئيسية التي تُكَوِّن قائمة مطبخ شرق آسيا مثلًا يعتمد بشكل أساسي على الأرز كمكون أساسي في وجبات (المطبخ الصيني، والكوري، والياباني) لكثرة إنتاج تلك الدول من الأراضي الزراعية التي تزرع الأرز وتقوم بإنتاجه.ثانيًا: عامل الدِّين، ففي الدول الأوروبية يتواجد لحم الخنزير كنوع من البروتينات في قوائم الطعام، ويتواجد النبيذ كمشروب وكعنصر مساعد في طبخ بعض الأطباق، لكن في الدول العربية والإسلامية تجد من القليل جدًّا استخدام لحم الخنزير لأن لحم الخنزير محرَّم في الدين الإسلامي، وكما يحرم الإسلام لحم الخنزير يحرّم رُهبان التبت في الصين أكل الطيور والحيوانات البحرية ويأكلون نا سواها؛ لأنهم يتبعون الدفن المائي والدفن في الهواء الطلق، وهو ما يعني أن الأسماك أو الطيور قد تأكل لحوم الموتى لذلك لا يأكلونها احترامًا لموتاهم.ثالثًا: العامل الاستعماري، في بلاد المغرب العربي لم يحاول المستعمر طَمْس لغتهم العربية فحسب، بل غَيَّر في قائمة الطعام، فعلى الرغم من أنه مطبخ زاخر بصنوف غنية مثل: الفواكه المجففة وزيت الزيتون والتوابل المميزة، لكن الاستعمار ترك بصماته ومن أهمها؛ انتشار القهوة والمخبوزات الفرنسية وحتى النبيذ وما تزال متواجدة لم تتغير بعد. وكما جَلَب الاستعمار الفرنسي أطعمته للمغرب جلب لنا الاستعمار الإنجليزي (الكشري) فهو ليس طعاما مصريًّا أصيلًا بل جاء مع الاحتلال الإنجليزي لمصر، فهو أكلة هندية في الأصل كان يطلق عليها (كتشري) انتقلت الأكلة من الجنود الهنود إلى المصريين، ولكن ترجع إضافة المعكرونة إليه بسبب وصوله إلى بعض الأقليات الإيطالية، واللمسة المصرية في ذلك الطعام هي الدَّقَّة وهي مزيج من الخلّ والثُّوم والكَمُّون يتمّ إضافته للطبق عند الأكل.رابعًا: العوامل التاريخية والدينية معًا متمثلًا في طبق (العاشوراء) وهو الذي يُصنَع احتفالًا بيوم عاشوراء، فالأصل التاريخي يقال: إنه يعود للدولة العثمانية، وكان يطلق عليه اسم (أشوري) أو (حلوى نوح) لأن الأتراك يعتقدون بأن النبي نوح هو مَن اخترع حلوى عاشوراء، فبعد أن أصبح الطعام على وشك الانتهاء بدأ النبي يجمع بقايا الطعام ليَطْهيه. ومن المعروف أيضًا أن كعك العيد المصري يرجع إلى الدولة الفاطمية، فللأطعمة جذور ممتدة منذ التاريخ.ومن العوامل المتحكمة -أيضًا- المستوى الاجتماعي للفرد ومعدل الدخول في الدولة ومتوسط دخل الفرد، كل تلك الأمور تتحكم في قائمة طعامه و مكوناتها وعناصرها بشكل الأساسية.- السر وراء نحافة اليابانيين: زيادة الوزن تُعّدُّ مخالفة للقانون
- غسيل الأطباق يُلهم أجاثا كريستي ويساعد أغنى رجلين في العالم على الإبداع: الوجه الآخر لغسيل المواعين
- كيف تشجعين أطفالك على تناول الطعام الصحي؟
الطعام في الأدب
العصر العباسي الثاني ونتيجة للرفاهية التي أُسْبلت على الشعراء ظهر غرض جَدِيد في الشعر ليزاحم الوصف والهجاء والرثاء والمدح، فكان ظهور شعر وصف الأطعمة والأشربة، فقد ساد تجديد في الموائد المقدمة نتيجة لاتساع رقعة الدولة العباسية واختلاطها بشعوب عِدَّة، كما حدث تجديد في الموائد، ونقلت كتب العصر العباسي أسماء أطعمة كثيرة مثل (السكباج) وهو لحم يطبخ بِخَلّ ويضاف إليه شيء من الزعفران لتطيب رائحته، و(الهريسة) وهي لحم وماء إلى غير ذلك من أطعمة كثيرة وألوان متنوعة، وكما كان التجديد في الأصناف الأساسية ظهرت صنوف شتى من الحلوى والفطائر والرقائق مثل (اللوزينج) وكان يصنع من اللوز والدقيق والفستق ويُرَشّ بماء الورد.وكما تفتحت أنوف الشعراء إلى الرائحة الطيبة تفتَّق وجدانهم عن عذب الكلام لوصف ألذ الطعام، فابن الرومي الذي أبدع في قصيدته في رثاء ابنه، يطربنا بشِعره الذي يدل على نهمه وشراهته حيث يقول في وصف دجاجة قدمت له مع الثريد:وسميطة صفراء دينارية *** ثمنًا ولونًا زَفَّها لك حزوَّرُ
عظمت فكادت أن تكون أوِزّة *** وثَوَتْ فكاد إهابها يتقَطَّرُ
ظللنا نقشر جلدها عن لحمها *** وكأن تِبْرًا عن لُجَيْن يتقَشَّرُ
فهو يصف الدجاجة أنها كانت صفراء تلمع مثل لمعان الدينار، زفَّها له أيْ: قدَّمَها له فَتًى، ثم يعود يشبه حجمها الكبير بإوزة ويُثْنى على ثوائها الذي جعل لحمها ذائبًا ويشبه جِلْدَها بالتِّبْر وهو المادَّة الأَوَّلِيَّة للذهب، ووصف لحمها بالفضة في اللمعان.كما أن للطعام في القصص والأدب دور هام، فهو الذي يجعلك تحب الحكاية أكثر أنه يضيف للقصة تفاصيل دافئة وحميمية كثيرًا، ولكم تمنيت حينما كنت أقرأ ثلاثية القاهرة لنجيب محفوظ أن أحظى بفرصة تذوق الصواني والطواجن من يَدِ أمينة زوجة السيد أحمد عبد الجواد؛ لذكر محفوظ ذلك الأمر ومهارتها وإتقانها إعداد ذلك النوع على لسان الأبطال.