ماذا حدث في اليونان أثناء عصر الظلام؟

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

ماذا يتبادر لذهنك عندما تقرأ كلمة “الإغريق” أو “اليونان”، هل التماثيل الرائعة، أم الإسكندر الأكبر، أم أنك من عُشّاق الفلسفة والعلوم، فتتخيل حلقات الدروس التي كان يُلقيها أرسطو على تلاميذه. إن الحضارة الإغريقية واحدة من أعرق وأفضل الحضارات التي جابت الأرض في حقبة ما من التاريخ. بالرغم من الاهتمام الذي لاقته هذه الحضارة، إلا أنّ هناك بعض الغموض الذي يحوم حولها خلال فترة تُسمى عصر الظلام. قبل الاستفاضة في هذا العصر الغامض، لنُلقي نظرة سريعة على اليونان وعصورها المختلفة.

تطور اليونان عبر التاريخ

تُشير المصادر التاريخية إلى أنَّ البشر قد استوطنوا أرض اليونان منذ حوالي 40 ألف عام. كانت حياتهم بسيطة للغاية، فعاشوا على الصيد والزراعة. بمرور الوقت، ومع بدء تطور الإنسان نحو الحضارة، بدأ أهل اليونان في مواكبة العالم وظهرت أول حضارة في بلاد اليونان، وكانت تُعد من أعظم الحضارات التي ساهمت في تقدم الشعب اليوناني، وهي حضارة المينويون، وسُميت بهذا الاسم نسبة إلى مؤسسها الملك مينوس. كان المينويون تُجّارًا وبناه وجنودًا بارعين للغاية، بعد انتهاء هذه الحضارة العريقة، تقريبًا في عام 1100 ق.م، بعد ذلك دخلت اليونان، في عصور الظلام.

بعد تخطيها مرحلة العصور المظلمة، بدأت اليونان تحبو نحو التقدم مرةً أخرى، وبدأنا نعرف الإغريق، عرفناهم كمُفكرين ومبدعين ومُحاربين أقوياء ورياضيين ومهندسين أذكياء، وفلاسفة، وأعطاهم الرومان اسم الإغريق، بعدما كانوا يُسمون أنفسهم بالهيلينيس، وأرضهم كانت تُسمى هيلاس. استطاع الإغريق التجوال في أماكن عدة مثل: تركيا وشمال إفريقيا وإيطاليا، وفرنسا وغيرهم. ونشروا ثقافتهم وأفكارهم في الأماكن التي انتشروا بها، وتأثر الكثيرون بهم، حتى أصبحت اليونان واحدة من أهم المناطق في الأرض منذ 2500 سنة تقريبًا.

العصور اليونانية

عصور ما قبل التاريخ: وهي تُقسم إلى العصور الحجرية والعصور البرونزية. أما عن العصور الحجرية، يُعتقد أنها اعتمدت على الزراعة، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث فترات، وهي: العصر الحجري القديم (9000 ق.م ما سبقه)، وعصر الميزوليتي (9000 – 7000 ق.م)، والعصر الحجري (7000 – 4000 ق.م). خلال الأخير بدأ استخدام المعادن، ودخل الناس إلى العصر البرونزي.

العصر المظلم: خلال هذه الحقبة فُقدت اللغة المكتوبة والعديد من الوثائق والأحداث، لذا سُميت هذه العصور بالعصور المظلمة، نظرًا للغموضِ المحيط بها.
العصر القديم: شهد هذا العصر تطورًا ملحوظًا، ويُعتقد أنه بدأ عام 776 ق.م، بعد انتهاء عصور الظلام، وبدأت الأولمبياد، وزاد وعي اليونانيين.
العصر الكلاسيكي (510 أو 480 – 323 ق.م): أضاف هذا العصر الكثير من الفنون، إذ أتقن الشعب النحت والرسم، وتحتوي الكثير من التماثيل القيّمة.
العصر الهِلنسي: شهد هذا العصر الشجار على الحكم بعد رحيل الاسكندر الأكبر، وانتهى هذا العصر 146 ق.م بدخول الرومان.
العصر الروماني: خلال وبعد هذه الفترة، لم تكن قوة اليونان ملموسة، ولكن التطور الفكري والفني والثقافي الذي حدث خلال العصر الكلاسيكي ظل كما هو في رونقه، وظلت الشعوب تتأثر بفكر وثقافة وفن اليونان.

عصر الظلام اليوناني

يُعد هذا العصر مرحلة فاصلة في التاريخ اليوناني، وهو الفترة الفاصلة بين انهيار الحضارة الميسينية عام 1200 ق.م، والعصر القديم حوالي 800 ق.م. يبدأ هذا العصر بانهيار الحضارة الميسينية، وهذا بحد ذاته حدث كارثي، وتسبب في اختفاء نظام القراءة والكتابة الميسينية. وكان من أبرز نتائج هذا الحدث اختفاء العديد من الوثائق المكتوبة التي تعطي معلومات عما حدث أثناء هذه الحقبة الغامضة.

لكن ماذا حدث؟

بالطبع وجود الوثائق المكتوبة سيُعزز مصداقية المعلومات حول هذا العصر، لكن ما استطاع الباحثون التوصل إليه حول هذا العصر يعتمد على البحث الأثري، كما أنَّ للوثائق والسجلات التاريخية لبعض الحضارات الأخرى، التي احتكت باليونان خلال هذه الحقبة المظلمة دور في هذا مثل السجلات المصرية. من أبرز ما تم كشفه أثناء تلك الحقبة هو أنَّ صناعة الحديد كانت قد تقدمت خلال هذه الفترة، حتى أنه يُسمى بالعصر الحديدي. وتظهر صناعتهم واهتمامهم بالحديد في أبنية القصور، وأدوات الحروب.

تغيرت الأبنية والمستوطنات خلال عصر الظلام مقارنةً بما كانت عليه أثناء العصر المِيسيني، ودُمرت القصور الميسينية، ولم يبقَ لها أثر، قد يكون ذلك لمحاولات الاحتلال، أو أنها محاولة للتجديد من هذه المباني، وإعادة بنائها. لكن استمر الوجود الثقافي للحضارة الميسينية لمدة حوالي قرن من الزمان بعد بدء عصر الظلام.

نماذج لاختلاف أنماط الحياة في بعض المناطق

في كريت، استمرت الحياة الحضرية في بعض المدن الساحلية، لكن بدأ الناس ينتقلون نحو مناطق جديدة يسهل الدفاع عنها. غالبًا ما تكون هذه المناطق نائية أو يصعب الوصول إليها مثل منطقة كارفي “Karphi”، التي تقع على ارتفاع 1000 متر فوق مستوى سطح البحر. يُعتقد أنّ اختيار هذه المنطقة البعيدة كان مشروطًا بعدة ظروف وأسباب استراتيجية. وُجد أنَّ هناك العديد من المناطق التي تشبه منطقة كارفي في جزيرة كريت، يزيد عددها عن مائة موقع. في هذه الظروف تغيرت عادات دفن الموتى، فبعد أن كان الدفن في المدافن العائلية، اعتمدت بعض المناطق طريقة حرق الجثث، واعتمدت مناطق طرق أخرى مختلفة.

في أثينا، كان الدفن في قبور، وأصبح حرق الجثث ممارسة رئيسية في الجنائز، وتُوضع بقايا الجثة المحترقة داخل أمفورا، ثم تُدفن وتُغطى بألواحٍ حجرية. كان هناك تمييز بين الذكر والأنثى في أثينا، فقد تم الربط بين الأسلحة والرجال، كذلك كانت الأمفورا والمجوهرات مربوطة بالنساء.

انخفاض أعداد السكان والمستوى المادي لأهل اليونان

يُعتقد أنَّ عدد سكان اليونان قد انخفض أثناء عصر الظلام، ويتضح ذلك من خلال انخفاض عدد المباني والمستعمرات التي سكنها الناس وقتها. كما انخفضت المستويات المادية لأهل اليونان وتجلى ذلك في المباني التي بُنيت وقتها ومواد البناء التي استُخدمت في ذلك الحين أقل جودة من نظيرتها في الفترة الميسينية.

اختلاف أنماط الفخار

كانت صناعة الفخار قائمة أثناء عصور الظلام، ولكنها لم تكن بجودة عالية مثلما كانت أثناء الحضارة الميسينية. ساعدت صناعة الفخار في نقل بعض الأحداث التي حدثت أثناء العصور المظلمة، من خلال النقوش والأنماط التي تعبر عن بعض الأحداث الجارية وقتها. وقد اختلفت أنماط الفخار في جميع أنحاء اليونان، وكل نمط كان يعبر بشكلٍ ما أو بآخر عن المنطقة المصنوع فيها. واختلاف أنماط الفخار يختلف عما كانت عليه أثناء الحضارة الميسينية، التي كانت تتميز بنمط واحد لصناعة الفخار، هذا بدوره يوحي – لي على المستوى الشخصي – أنّ اليونان كانت أكثر تماسكًا وترابطًا أثناء الحضارة الميسينية.

انتقاد مصطلح عصور الظلام

انتقد بعض المؤرخين مصطلح عصر الظلام أو العصور المظلمة، لأنّ السحب الأثري لهذه الفترة قد كشف الستار عن كثير من الأحداث والظروف التي تعرضت لها اليونان وقتها، بالرغم من عدم وجود الوثائق أو السجلات التاريخية، وفقدان الكثير من المعلومات المؤكدة. لكن بكل الأحوال مازال الغموض يحوم حول هذه الحقبة، بالرغم من المعلومات التي أعطاها لنا السجل الأثري والبحث، مازال عصر غير واضح بشكلٍ تامٍ.