Loading Offers..
100 100 100

مي زيادة: فراشة الأدب العربي التي فتن جمالها أدباء جيلها

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

حينما نتحدث عن تلك الكاتبة فإننا لا نتحدث عن مجرد فتاة تهوى الكتابة والأدب، بل نتحدث عن قصة لامرأة عاشت حياة مليئة بالتجارب والخبرات، عن امرأة نشطت من عقال السجن الفكري الجامد في المجتمع لتتحرر من تلك القيود، نتحدث عن منبع فكري وثقافي لم ينضب حتى بعد خلود روحها إلى بارئها، عن فراشة الأدب العربي "مي زيادة" نتحدث.

الولادة والمنشأ

ولدت مي زيادة عام ١٨٨٦ في فلسطين في مدينة الناصرة، لأب لبناني وهو "إلياس زيادة" وأم سورية الأصل فلسطينية المنشأ، تُدعى "نزهة معمر" والتي كانت مهتمة بالأشعار والأدب والثقافة فنشأت مي في بيت مهتم بالأدب، فهي تتذكر مشاهد النساء اللاتي يلقين الشعر على أنغام العود. التقى والد مي بأمها في مدينة الناصرة بعد طلب إدارة المعارف العثمانية لنقله لها لكي يعلم اللغة العربية هناك. وكانت الإبنة الوحيدة لهما بعد وفاة أخيها.والاسم الأصلي لمي كان "ماري" ولكنها اختارت لنفسها أن يكون" مي" هو الشائع لها لسهولة تردده في الأذهان العربية. قضت مي المرحلة الابتدائية في فلسطين بالناصرة، ثم سافرت إلى لبنان في عمر الرابعة عشر لتكمل دراستها هناك في دير الراهبات بمنطقة عينطورة.. وكانت منعزلة عن الناس نوعًا ما. ومن الجدير بالذكر أن نشأتها كانت مرفهة بعض الشيء من الناحية المادية فلم تكن من طبقة الثراء الفاحش ولا الفقر المدقع، ومرفهة من الناحية الاجتماعية فلم تمنعها أسرتها من التنقل والسفر.

سفرها إلى مصر

سافرت مي إلى مصر مع عائلتها عام ١٩٠٧ ودرست في الجامعة المصرية وهناك التقت "هدى شعراوي" ولاحظت هدى شعراوي قيمة تلك الفتاة الثقافية، فنشأت بينهما صداقة فكرية وإنسانية. كان حفل تكريم خليل مطران هو بداية دخول مي للوسط الثقافي، إذ كان أول مناسبة لها في مصر، وهناك ألقت خطبة عظيمة وسط جموع من المفكرين والمثقفين والأدباء، ولاحظوا في إلقائها أنها واثقة من نفسها، فتاة ذات فكر قيِّم، ولغة سليمة، ومخارج حروف واضحة.فانتبه لها الأدباء وبدأوا بالحديث عنها، وذاع صيت مي الثقافي والفكري، فتسارعوا لمناقشتها وصداقتها، واهتموا بالصالون الثقافي الخاص بها، الذي كانت تقيمه كل يوم ثلاثاء بالقاهرة، انضم له العقاد وحافظ ابراهيم وطه حسين وخليل مطران والعديد من الكُتاب والمفكرين لمناقشة قضايا مهمة وعميقة في المجتمع. وامتازت مي في الصالون بالرزانة والعقل وحسن المناقشة وقدرتها في السيطرة على مسار الحوار.دعونا نتحدث عن أحد أهم العوامل التي أضاءت نجمها  وجعل منها علامة مميزة في عصرها، ألا وهو ثورتها على الجهل في وقت كان فقير بالأدب النسائي ويفتقر إلى تعليم المرأة من الأساس، وقلما نجد في تلك الفترة امرأة مثلها، إذ كان الوسط الثقافي حكرًا على الرجال ونادرًا جدًا لو اقتحمته امرأة، فكانت مي علامة مهمة بأدبها وتفكيرها، وتحررها من قيود مجتمع غير متحرر.

الإنتاج الفكري

ندرت مي حياتها للكتب والتعلم الذاتي، كانت تجيد ٩ لغات، وعنيت بالثقافة الإسلامية والشعر الصوفي، وكانت تحفظ ديوان ابن الفارض عن ظهر قلب. بدأت حياتها الأدبية بالعمل في جريدة المحروسة التي كان يشرف عليها والدها، ثم عملت بجريدة الأهرام، والمقتطف وغيرهم. كتاباتها تشمل الحضارة والتاريخ والثقافة، وتعبر عن الحب الممزوج بالعاطفة الصافية.ترجمت روايات من الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية. وكان لها ديوان شعر بالفرنسية اسمه "أزاهير حلم" ولم يكن موقعًا باسمها بل باسم"ايزيس كوبيا" وهو اسم مستعار اختارته كي يهتم الناس بالمحتوى بعيدًا عن شخصية الكاتبة. وإيزيس تعني "الأسطورة الفرعونية" وكوبيا باللغة اللاتينية تعني "زيادة"كتبت كتابات ومقالات نقدية عديدة، كتبت عن عائشة تيمور ووردة اليازجي. وأصدرت كتاب باحثة البادية عن ملك حفني ناصف، وهي أديبة ومصلحة اجتماعية. ونشرت في مجلة الهلال عام ١٩٤٠ مقال "حاجتنا إلى ثقافة اجتماعية" ومنه ذلك الاقتباس.. "لا تخافوا أيها السادة الرجال من ثقافة المرأة وحريتها، هي مثلكم حسنة النية، طموحٌ إلى المثل الأعلى، تسير في سبل الحياة، باحثة، ضالة، مهتدية، باحثة من جديد لتبلغ الهدف النبيل."
من مؤلفاتها:
  1. وردة اليازجي
  2. عائشة تيمور
  3. سوانح فتاة
  4. غاية الحياة
  5. ظلمات وأشعة
  6. بين المد والجزر
  7. رجوع الموجة
  8. باحثة البادية
  9. المساواة
  10. وترجمت كتاب ابتسامات ودموع.

حياتها العاطفية

كثير من الأدباء الذين ارتادوا الصالون الثقافي قد أحبوا مي، وأرادوا أن يكملوا حياتهم معها، مثل العقاد وطه حسين والرافعي، أما عنها فهي لم تحب سوى رجل واحد لم تلتق به وهو جبران خليل جبران، كانا يتواصلان عبر الرسائل لمدة قاربت ال ٢٠ عامًا. بدأ ذلك حينما قرأت له كتاب الأجنحة المتكسرة وأعجبت بعاطفة نصوصه الجياشة، كان الحب بينهما متبادل، وإن كان أحد المؤرخين قد مال للقول بأن عاطفة مي نحو جبران كانت أكبر، وأن جبران لم يصرح ولم يجهر بحبه لمي بشكل مباشر ولم يعرض عليها الزواج ولا الارتباط.

السنوات الأخيرة من حياتها

توفي والد مي عام ١٩٣٠ بمرض عضال وكانت تلك هي بداية تدمير حياتها. ثم في العام التالي توفي جبران، فشعرت مي أن حياتها أصبحت خاوية وأثر ذلك على نفسيتها أشد تأثير حاولت الخروج من هذه الحالة بالقراءة وتعلم اللغات، ولكن باءت المحاولة بالفشل. و في عام ١٩٣٢ توفيت أمها، وكان ذلك بمثابة الضربة القاضية، لقد باتت مي وحيدة، وأصابها انهيار عصبي، فقدت الطاقة والنشاط وأعرضت عن الطعام وانعدمت ثقتها وأصابها الذبول والقلق والتوتر.سافرت إلى لبنان للعلاج النفسي، فأدخلها أقاربها مصحة نفسية بالعصفورية واتهموها بالجنون، لكي يستولوا على ميراثها وتم حجر ممتلكاتها، كانت ترجو أقاربها أن يخرجوها من المشفى ولكنهم أبوا ذلك، إلى أن تدخل بعض أصدقائها الأدباء في لبنان وعلى رأسهم المفكر أمين الريحاني، وبناء على ذلك أُعيد الكشف الطبي عليها وخرجت من المصحة إلى مصحة الجامعة الأمريكية ببيروت، ثم إلى بيت أمين الريحاني.سافرت عدة بلدان أوروبية للتخفيف من حالتها ولكن بلا جدوى أو طائل وظلت حزينة. فعادت مي إلى مصر، إذ أحبت أن تكمل الباقي من عمرها في مصر. وكتبت وصيتها "إرادتي" بخط يدها. وبعدها بفترة تم توديع مي إلى مثواها الأخير عام ١٩٤١، وللأسف كانت جنازتها بسيطة لا تليق بمستواها الفكري والثقافي، ولا تعبر عن قامة كبيرة مثلها. حتى إن الأدب العربي وكُتابه من أصدقائها لم يتجهوا لرثائها كثيرًا في مؤلفاتهم لأن العالم آنذاك كان مشغولًا بالحرب العالمية الثانية.
مقالات ستعجبك

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..