Loading Offers..
100 100 100

محمد فوزي: عبقرية موسيقية انحدرت من قمة النجاح إلى الموت قهرًا

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

كنت أجلس في غرفتي عندما رفعت ابنة أختي صوت أغنية تحبها فجأة على إحدى قنوات الأطفال. نادتني لترقص معي قائلة أنها واحدة من أغانيها المفضلة، كانت تلك الأغنية هي “ذهب الليل وطلع الفجر”.تذكرت مدرستي الإبتدائية حين كنت أهرب من الحصص لأذهب لقسم الأطفال “الحضانة” الصغيرة الموجودة، حينها كانوا يقيمون حفلات للأطفال، وكانت هناك إلى جانب تلك الأغنية أغنية أخرى “ماما زمانها جاية” من ضمن قائمة الأغاني. من منا لم يتربى على أغاني الأطفال؟ في أي بلد عربية كنا نسمع أغاني الأطفال أينما كنا وأيا ماكانت جنسيتنا، أليس كذلك؟عندما انتهت الأغنية، تذكرت الجزء الذي قرأته عن محمد فوزي في “كتاب المواصلات” لـ”عمر طاهر”. بدأ المقال برنة هاتف لصديق الكاتب وكانت من غناء “محمد فوزي”، أغنية”طير بينا يا قلبي” وهو ما جعل الكاتب يسرد جزءًا بسيطًا من حياة فوزي .. أين وصل؟ ماذا فعل من أجل الموسيقى؟ كيف انتهت حياته نهاية مأساوية ورسالة وداعه التي تليق بقلبه الحنون وشخصيته الهادئة.

البداية

ولد محمد فوزي عبد العال حبس الحاو في الثامن والعشرين من أغسطس عام(1918م) في قرية كفر أبوجندي التابعة مركز قطور بمحافظة الغربية، كان الابن رقم الحادي والعشرين من أصل الخامس والعشرين، وكان منهم العظيمة “هدى سلطان” و”هند علام”.كان فوزي قائد فريق مدرسة طنطا لكرة القدم، ذهب هو وفريقه في رحلة بالقطار لمباراة خارج طنطا. بالصدفة، كانت الرحلة تحتاج لدندنة، فغنى فوزي وانبهر به الزملاء والأساتذة أيما انبهار، شجعوه على الغناء وأنه هو طريقه الوحيد ومستقبله هناك أمام الميكروفون. نزل محمد من القطار وقد عزم على الوصول لما هو فعلاً كان مقدرًا له.

الرحلة

رحلة محمد فوزي طالت أم قصرت، فكانت رحلة مليئة بالأبداع والتجديد في الغناء والتنوع. فوزي لم يكن أنانيًا، وليس طامعًا أيضا، فقد ساعد المبدع والمتفرد “بليغ حمدي” للوصول لتلحين “حب ايه” لأم كلثوم بدلاً منه.حكي بليغ سابقًا أن محمد قد فتح له باب الأستوديو على مصرعيه ليلحن ويسجل فيه كما يحلو له، حتى أن فوزي قال له أنه سيسوق له ألحانه بنفسه. حضر “مأمون الشناوي” يومًا مع فوزي، وقام فوزي باستدعاء بليغ ليسمع كلمات “حب ايه” التي من المفترض أن تغنيها أم كلثوم، وحين دندن بليغ اللحن، قال محمد للشناوي:” مش قلتلك هيعملها أحسن مني ألف مرة؟” فتعجب بليغ أنها كانت لفوزي وأعطاها له، فلماذا؟ فقال فوزي ضاحكًا :”لازم تكمل نجاحك يا بليغ … كمل نجاحك”.قرأت هذا في الكتاب، وفتحت المواقع على الإنترنت محاولة الوصول لكل المعلومات عن ذك الرائع، فوجدت أنه قد أبدع وأدخل ألوانًا جديدة للفن العربي. قام محمد فوزي بغناء أغنية “طمني” بأسلوب الأكابيلا؛ أي أن يغني الكورال بدون الأدوات الموسيقية، وقد لاقت الأغنية التي تم عرضها في فيلم من أفلامه نجاحًا مدويًا.كما أنه أول من قدم الفرانكو أرب “يامصطفى يا مصطفى” التي أداها شقيق داليدا وبوب عزام عام (1961م)، وترجمت للعديد من اللغات، وبالمناسبة تلك الأغنية تتردد إلى الآن.. أرددها أنا من حين لآخر، فألحانها عذبة وممتعة.غنى محمد فوزي أكثر من 350 أغنية، حتى أن هناك بعد المصادر تقول أنه قد غني 400 أإنية ما بين الأفلام والأغاني الوطنية والدينية، كما غنى للأطفال.. تلك الأغاني التي ذكرتها لك في بداية رحلتنا في هذا المقال.. أتذكرهم؟لست هنا لسرد معلومات حياتية معروفة في كل المواقع الإخبارية والفنية، أنا هنا للفت النظر لذلك المُبدع الذي لم ينتبه له الكثيرون تلك الأيام.

النجاح

كان هناك مباردة بعد حرب فلسطين في مصر عام(1952م)، لدعم الجيش، كانت تسمى ” قطار الرحمة”، هو قطار كان يتحرك في كل أنحاء مصر حامل فناني مصر، من القاهرة لدمياط، لجمع تبرعات، وقد شارك محمد فوزي في تلك المبادرة بكل حب للوطن، وكانت تلك لافتة جميلة حيث هُوجم لأنه لم يغني لأشخاص في الثورة، ولكنه قال أنه دعم الوطن بما يكفي عن طريق قطار الرحمة، كما أنه قام بتلحين نشيد الجزائر الوطني مجانًا كهدية من مصر للبلاد العربية.كان “محمد فوزي” قد وصل للنجاح المطلوب من التلحين والغناء والتمثيل أيضًا، فقد أصبح له رصيدًا وافرًا لدي الناس في كافة الدول العربية، ولكنه أحب أن يُوسع الرصيد وأن يخدم الفن بطريقة أعمق.أقام فوزي مصنًعا للإسطوانات في مصر، حين كان المُعتاد تسجيل الأغاني في مصرولكن تطبع على أسطوانات في الخارج. المميز في مشروع فوزي أنه كان متفردًا في نواح عدة، مثل أنه وفر ثمن الإسطوانة بثلث سعر الإسطوانة المستوردة، كما أنه قام بعمل إسطوانة غير قابلة للكسر، كما أنه تمكن من عمل إسطوانة ذات وجهين، حين كانت تباع الإسطوانة بأغنية واحدة على وجه واحد منها فقط.بتلك الخطوة، استطاع فوزي القيام بالعديد من التعديلات الأخرى، مثل أن يحصل المطرب على حق غناء أغنيته علنًا، وذلك ما كانت تحتكره شركات الإنتاج قبل فوزي وشركة إسطواناته.

النهاية

عندما حدثت موجة التأميم في مصر، كان هناك شركات تقوم بتغيير فعلي في العالم مثل فوزي وتغييراته في عالم الموسيقى، ولكن ذات صباح دخل فوزي مكتبه ليجد ضابط جيش مكانه يبلغه بتأميم الشركة، وأنه أصبح كموظف .. كمستشار وليس صاحب أملاك بمبلغ 100ج.حين تبني شيئًا، حين تؤسس صرحًا تجد فيه تأثيرًا، ليس فقط على أشخاص بل على صناعة كاملة.. أنت تؤثر على مجال كامل داخل وخارج بلدك.. أنت تغير من سياسة اللعبة تمامًا، ثم تفاجأ أنك لا تملك ما صنعت، حينها فقط يمكنك أن تنهار بكل ما كنت تحمله من أمل وفخر، يمكنك فقط الآن أن تحاول أن تنهار ولن يلومك أحد، ولكنك يجب أن تنهض مجددًا، وهذا ما لم يفعله فوزي.بعد ذلك بفترة، فوجيء الناس أن فوزي مريض بمرض مجهول، لم يعرف أحد ما أصابه، اضطر للسفر لخارج البلاد للندن وألمانيا، حيث يوجد أمل أن يتعرف الأطباء في الخارج على هذا المرض، لكن بلا جدوى تُذكر. ثم وقت قصير، سمعت الشعوب العربية أخبارًا حزينة جعلتهم يبكون بحرقة، وهي أن أطباء مستشفى “سانت ميري” في لندن قد قاموا نشر عظمتي الحوض لدي فوزي ليقوموا بتحليلها ليقوموا بمعرفة ما يصيبه وكيف علاجه، أو علاج من سيصاب بهذا المرض النادرلاحقًا، فقد أصيب 5 أشخاص فقط حول العالم بذلك المرض اللعين.لاحقًا علمنا أن فوزي يُحاول أن يوصل لنا رسالة وهو على فراش الموت، فقد أصبح وزنه 37 كيلو فقط بعد أن كان 85 كيلو!!تضمنت رسالته التي نشرت يوم 19-10-1966 والتي تضمنت عدة نقاط؛ أنه مؤمن بالله وراض بما وصل إليه من خدمة وطنه وجيل الموسيقيين ومهنته وأنه كان من الممكن أن يعطي أكثر ولكن لكل أجل كتاب وأنه لا يخاف الموت فهو يؤمن إيمانًا أعمى أنه رحمة له من الألم والمرض. أيضًا قال أنه لا يريد أن يدفن الخميس بل غدا الجمعة، فهو تمناها طوال عمره أن يدفن يوم جمعة في الصباح، وهو ما حدث.عندما نتحدث عن الموت يبدو كستار بعيد علينا أن نعبره،أليس كذلك؟ سيبدو أننا نتحدث عن شيء لن يحدث لنا أو لأحد مقرب منا، ولكن حين نرى إيمان فوزي وإدراكه أنه راحل لا محالة، سنعلم أننا ذاهبون أيضًأ. لروحك السلام يافوزي ولآذاننا موسيقاك وألحانك حتى نلقاك. “تحياتي لكل إنسان أحبني ورفع يده إلى السماء من أجلي.. تحياتي لكل طفل أسعدته ألحاني.. تحياتي لبلدي .. أخيرا تحياتي لأولادي وأسرتي”.
إليك أيضًا

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..