لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
هل يمكن أن يكون المرور بالأوقات العصيبة حافزًا للإبداع والابتكار، أم أن لحظات الحزن والاكتئاب يمكنها أن تعيق المبدعين والمبتكرين عن الاستمرار في عملهم، وتكون هذه اللحظات بمثابة عائق كبير لهم؟
انقسمت آراء الأشخاص حول هذا الموضوع، فمنهم من يؤمن أن الأوقات العصيبة كانت حافزًا لهم أو لأيٍّ ممن حولهم بالمزيد من التقدم والإبداع والابتكار، ومنهم من يرى أن الأوقات الصعبة أعاقتهم أو أعاقت أيًّا ممن يعرفونهم عن الاستمرار في الإنجاز والابتكار.
الأوقات العصيبة حافز للإبداع والابتكار
يرى الكثير –وأنا منهم– أن الأوقات العصيبة ليست عائقًا يقف أمام الابتكار والإبداع، بل إنها دافع لتحقيق المزيد منه، فكم من أعمال عظيمة ولدت من رحم المعاناة، أعتقد أن الوقت العصيب يحفز على الإبداع والابتكار بأشياء أو مهارات لم يكن الشخص يتخيل أنه يملكها، لننظر إلى المبدعين في مجالات مختلفة، الشعراء على سبيل المثال لا يشعرون أنهم يكتبون أفضل ما لديهم إلا عندما يمرون بوقت عصيب أو بظرف قوية، مثلًا عند الانفصال أو الجرح من الحبيب أو التعرض للظلم وغيرها، نجد أنهم في هذا الوقت يكتبون أفضل التعبيرات التي ربما لن يستطيعوا كتابتها إذا كانوا في ظروف مستقرة وهادئة ومريحة.لننظر إلى الرسامين أيضًا، أشعر أن أفضل اللوحات والرسومات كانت ناتجة عن المعاناة والأوقات العصيبة، الشعور بالحزن أو المرور بحالة عاطفية جامحة تجعل الرسامين يطلقون مشاعرهم الداخلية على اللوحة، فتخرج لنا أفضل الإبداعات التي نستمتع بها، لذا فأنا دائمًا أحب أن أعرف الحكايات وراء الأشياء، لا أحب أن أقرأ قصيدة أو أشاهد لوحة فقط هكذا، بل أرغب دائمًا في معرفة الظروف التي كتبت فيها القصيدة أو رسمت فيها اللوحة لكي أشعر بمبدعها وأفهمه.
الأوقات العصيبة عائق أمام الإبداع والابتكار
هناك جزء آخر من الأشخاص يرى أن الأوقات العصيبة على العكس من ذلك، وأنها عائق كبير أمام الإبداعات والابتكارات والتطور والتقدم، ويكون لديهم حجج منطقية أيضًا على ذلك، فهم يقولون أن الأوقات العصيبة تشعر الشخص بالضغط، والضغط يولد إحساسًا بعدم الرغبة في فعل أي شيء، وبالتالي إذا كان أي شخص يقوم بابتكار شيء ما، أو يبدع في شيء ما ومن ثَم تعرض لظروف عصيبة وحزن أو ضغط فإنه سيتوقف عما يقوم به، لأنه سيشعر بأنه مقيد بالضغوطات، ولا يمكن أن يبتكر أي شخص أي شيء وهو مكبل الفكر واليد.ويقول أنصار هذه النظرية: إن الأوقات العصيبة تكون بيئة سلبية، وبالتالي لن تكون هذه البيئة مناسبة وآمنة أبدًا لميلاد الابتكار والإبداع، وأن محاولة الاستمرار في الإبداع والابتكار في هذه الأوقات الصعبة أمر غير منطقي على الإطلاق، وذلك لأن هذه الظروف تتدخل في تفكير الشخص وتؤثر عليه، لذا كيف يبتكر الشخص شيئًا ما أو يكتب عن شيء ما كشعر أو خاطرة وهو غير صافي الفكر والذهن، لذا يرى هؤلاء الأشخاص أن الشخص يجب عليه أن يأخذ فترات راحة في الأوقات العصيبة لكي يشحذ طاقته مرة أخرى، ولا يستنفد كل ما تبقى لديه في مشاعر سلبية محبطة.
هل الأعمال الإبداعية تقلل التوتر والضغط؟
هناك العديد من الأدلة التي توصل إليها العلماء والتي تفيد أن الأعمال الإبداعية مثل الموسيقى والفنون المرئية والكتابة وغيرها، يمكن أن تساعد الأشخاص من الناحية الجسدية والعاطفية على حد السواء، وتقلل من شعورهم بالتوتر والقلق وتخفف أعراض الاكتئاب لديهم، وهذا لا يقتصر على القيام بالأعمال الإبداعية بنفسك فقط، بل لمجرد الاستماع لها أو رؤيتها.
1- الموسيقى
يصرح الباحثون أن مجرد الاستماع لأغنيتك أو موسيقاك المفضلة يمكن أن يجعلك تشعر بمزيد من الإيجابية والهدوء، وتقلل مشاعر القلق والحزن لديك، لذا تستخدم الموسيقى الآن في العديد من الدراسات السريرية بهدف مساعدة الأشخاص على التحكم في الألم وتعزيز المناعة واستعادة التوازن العاطفي.
2- الرسم والنحت
يقول الباحثون أيضًا أن الفنون المرئية مثل: الرسم أو النحت يمكنها أن تساعدك في توصيل الأفكار التي لا تستطيع أن تعبر عنها بكلمات، حيث إنها بمثابة بيئتك الآمنة للتعبير عن مختلف أنواع المشاعر التي لا تستطيع التحدث عنها أو حتى التفكير فيها، فعندما تمرّ بصدمة أو وقت عصيب يمكن أن يساعدك الرسم أو النحت على التعبير عما يدور بداخلك، وهذا يزيد من شعورك بالإيجابية، ويساعدك على تقدير نفسك أكثر، لذا نجد الآن المعالجين بالفنون من المهرة وذوي الخبرة.
3- الرقص وحركات الجسد
ولقرون طويلة مضت تم التأكيد على العلاقة بين الجسم والعقل، حيث إن الرقص أو دروس اليوغا وغيرها من الأشياء التي يمكنك يها تحريك جسدك بفنّ، يمكنها أن تساعدك في التخلص من التوتر والقلق والاكتئاب، هذا بجانب أنها ستحسن من ليونة جسدك وحركتك، وهذا سيعود بالفائدة على حياتك بصورة عامة، سواء تحسين صحتك الجسدية أو النفسية.
4- الكتابة الإبداعية
ويجد الكثير من الأشخاص العزاء في الكتابة، يأتون بمفكرتهم وقلمهم ليبدأوا في الكتابة الإبداعية عند الشعور بمشاعر مؤلمة، هذا يساعدهم على كتابة أفضل الأشعار أو الكتابات المؤثرة، كما أنه يحسن من صحتهم النفسية والجسدية، حيث وجد الباحثون أن الكتابة في الأوقات الصعبة يمكن أن تحسن من المناعة، وتساعدك على التعامل جيدًا مع مشاعر الألم والاكتئاب والحزن، وتغذي روحك ووعيك.
دراسات وأبحاث
وقد اكتشفت دراسة أمريكية قامت على طلاب الجامعات، أن الطلاب الذين قاموا بمشاريع إبداعية انخفضت لديهم مستويات القلق والتوتر، وساعدهم هذا على الاسترخاء أكثر، وقالوا: إن السبب في هذا أن المشاركة في نشاطات إبداعية وضعهم في حالة تأملية فقدوا فيها الشعور بالوقت وابتعدوا عن ضغوطات الحياة، ويقول الباحثون: إن الاستلقاء على الأريكة الذي يمكن أن يجعلك تظن أنك أسعد، لا يجعلك كذلك في الحقيقة، بل إن أفضل اللحظات بالنسبة لك تكون في التعمق لأقصى حدودك وإمكاناتك لإنجاز شيء مهم وصعب.ويقول الباحثون: إن قضاء ساعة إلى ساعتين فقط كل أسبوع في نشاط إبداعي، يعطي لك إحساسًا بالرضا عن النفس والثقة، لاسيما وأنك تقضي الكثير من الوقت على الإنترنت، حيث يقول الباحثون: إن الشخص العادي يقضي حوالي (25) ساعة أسبوعيًّا على الإنترنت، وتقول شيلي كارسون مؤلفة كتاب (Your Creative Brain): إن المشاريع الإبداعية تساعد على التوقف في التفكير في المخاوف والضغوطات وأسبابها، وتزيد من فرص التركيز على كل ما هو جديد ومبتكر، وهذا يدرب الدماغ على القيام بهذا تلقائيًا فيما بعد، ومعنى هذا أن الإبداع يولد الإبداع، والثقة تولد الثقة، وأن الأوقات العصيبة فرصة عظيمة في حد ذاتها لتطوير مهاراتنا وذكائنا العاطفي وأذهاننا، لكي نبدع ونبتكر ونجد حلولًا جديدة.هذه الآراء كانت على جانبين متناقضين تمامًا، إلا أنني أميل إلى أصحاب الرأي الأول الذين يروا أن الإبداع والابتكار يزيد في الفترات العصيبة وأوقات الحزن، بل يكون هذا علاج في حد ذاته للتخلص من مشاعر التوتر والقلق، بالطبع القاعدة غير ثابتة ولا يمكن أن تنطبق على الجميع، حيث إن طبيعة كل شخص يمكن أن تتحكم فيه ويمكن أن يكون التقدم والإبداع صعب بالنسبة للبعض عند الشعور بالضغط.
إليك أيضًا
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد