لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
مع بداية شهر مارس من كل عام تبدأ فجأة الدنيا في تذكر المرأة وكأنها مخلوق جديد ظهر للتوّ، فبالطبع الشهر المعروف بأنه شهر المرأة لما فيه من أيام تخص المرأة بشكل مباشر كاليوم العالمي للمرأة وعيد الأم، يحث الجميع على المشاركة به برضاه أو رغمًا عنه، فأغاني الراديو تبث أغاني تخص المرأة ومقالات الرأي تكتب عن المرأة وبرامج التوك شو تستضيف من يعرفن أنفسهن بأنهن نسويات.
في جانب آخر من العالم، بعيدًا عن عالم السوشيال ميديا والخطب، يوجد عالم حقيقي من النساء" العاديات"، هكذا يصفهن كل من يحيطون بهن، ولكنهن في الواقع عمالقة، صحيح أنهن يفعلن كل شيء بعادية، ولكن لأنهن يفعلن ذلك بالفطرة والقلب فيخرجن مبدعات مؤثرات دون جهد، مؤثرات بمواقف حياتية بسيطة وحقيقية تؤثر فيمن كان له قلب.
في هذا المقال سأذكر بعض النماذج" العادية" من نساء تأثرت بهن وأثرن بحياتي دون علم منهن
أستاذة عزة
كنت في الصف الرابع الابتدائي، طفلة يعرف الجميع أن بها قدر من "الشطارة" ترتدي نظارة طبية تحميها من أثار الحساسية التي تعيقها عن الرؤية بشكل جيد -هكذا شخص الطبيب في وقتها- لكن ما لم يكن أحد يعلمه أني كنت خائفة ففي هذا الصف ستضاف بعض المواد وسأدرس للمرة الأولى اللغة الإنجليزية، كما أني سأنتقل إلى فصل تحت إشراف معلمة جديدة غير التي صاحبتني لمدة ثلاث سنوات." أبلة عزة" هكذا قدمت نفسها في المرة الأولى التي قابلتنا. ظلت معلمة خفيفة الروح يحبها التلاميذ، أذكرها عندما شرحت لنا للمرة الأولى شروط موضوع التعبير ثم طلبت منا كتابة موضوع عما نريد أن نكون في المستقبل، كتبت يومها عن أمنيتي أن أكون مرشدة سياحية. ما زلت أذكر قولها بوضوح "كلكم مواضيعكم جميلة بس المميز موضوع دينا وسارة" كنت أنا دينا المقصودة في كلامها. كانت تلك أول لحظة أعرف بها أنني قادرة على الكتابة، صحيح أن تلك المعرفة ظلت رهينة التعليم فقط، لكنها ظهرت مرة أخرى بعد وقت ليس بقصير، وها أنا ذا أسعى لتكون الكتابة مصدر دخلي.
شكرًا لكل المعلمات العاديات اللائي يرين المواهب ويشجعن دون مساعدة مفتعلة.
أمي
ربما ترى أن تلك النقطة تحديدًا بها قدر من الموالاة، فمن منا لم يتأثر بأمه، لكنني هنا تأثرت بأمي ليس كسائر البشر، فأمي الراحلة منذ تسعة عشر عامًا أعطتني درسًا أعتبره" ملخص للحياة". رحلت أمي وأنا في الثانية عشر، وحتى الآن وبعد أن أتممت الواحد والثلاثين عامًا ما زالت الناس تذكرني بـ "بنت الغالية". سيرة أمي الطيبة هي ملخص الحياة. قرأت في كتاب " العادات السبع للناس الأكثر فعالية" أنك إذا أردت أن تحدد أهدافك في الحياة فعليك أن تتخيل ما تريد أن يقوله الناس عنك بعد وفاتك، وبالطبع أهم ما يود الإنسان تركه هو السيرة الطيبة.
فعلت أمي بحياتها القصيرة درسًا أطول من عمرها بكثير.
المرأة ذات الخمسين عامًا
كنت في معمل التحاليل الطبية أمارس عملي كأخصائية للتحاليل، وجاءتني امرأة عرفت أنها في الثالثة والخمسين يصاحبها رجل اعتقدت أنه أبوها، كان في السبعين من عمره، رجل أصابته الشيخوخة ولم يفلت منها، يمشي بصعوبة، يسمع بصعوبة أكبر. كان الرجل زوجها.عندما دخلت معها غرفة سحب العينات، حكت لي أنه زوجها، اضطرت للزواج منه عندما مات زوجها أبو أولادها الخمس -ثلاث ذكور واثنتان من الإناث- لأنها لم تجد من يتكفل بها، خصيصًا أن أولادها الخمس لم يعرضوا عليها المساعدة المالية. "اتجوزته عشان يصرف عليا واتجوزني عشان أخدمه" حكت لي ذلك وهي تبكي، قصة مكررة كثيرًا ويوجد مثلها نماذج كثر، تتفاوت الظروف وتتباين، ولكن مجمل القصة واحد، امرأة لا مصدر دخل لها، يموت زوجها، يخونها، يهجرها، يتزوج بأخرى رغمًا عنها... أيّ ظرف وعليها أن تتحمل أو تقبل ما لا تريد أو حتى تواجه مصيرًا غير مرغوب بالنسبة لها، فقط لتجد من ينفق عليها.
علمتني تلك المرأة أن المال مهم، مهم جدًّا، وبرأيي أنه أهم حاجة في الحياة بعد الصحة التي نستخدمها أصلًا للحصول على المال. شغلتني بعدها لفترة فكرة الذمة المالية، هي بالطبع لا تغني عن العلاقات ولن تسدّ أوجاع الحياة، لكنها بالفعل مصدر للأمان يكفل للإنسان حرية الاختيار بنسبة كبيرة.
تحية لكل النساء الطيبات المسالمات العاديات الملهمات.
إليك أيضًا
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد