لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
يُعتبر رمضان في الجزائر مناسبة اجتماعية ودينية، حيث يبدأ التحضير لقدومهِ باكرًا. مظاهرُ مادية ومعنوية تميز ما قبله، سواءٌ من استعداد التسوق والتبضعِ لاحتياجات الشهرِ التي تتميز عن باقي السنة، بمواد تستعمل فقط في هذا الشهر الفضيل، أو من خلال مظاهر التكافلِ والتلاحم، لتجهيز ما يُعرفُ بـ “قفة رمضان” للمحتاجين والفقراء.
ديكورٌ جديد وللأواني الفخارية النصيب الأعظم
عادةً ما تكون النسوة الأكثر اهتمامًا باقتراب رمضان، تبدأ بتنظيف البيوت تنظيفًا كاملًا. من الأسقف، الحيطان والأرضياتِ، ومن العائلات من يجدد الديكور أو صبغة المنزل. أيضًا يتم تغيير الستائر والشراشف، وفرشِ مفروشاتٍ جديدة على حسب القدرة المادية.
للمطبخِ الحصة الكبرى من الاهتمام حيث جرت العادةُ على استقبالِ رمضانَ بأواني جديدة، فيتم عرضِ موديلات جديدة مع اقترابه. ويقال إن لرمضان مكانة خاصة يستحق فيها استقباله بكلِ ما هو جديد وثمين.
يتم الاعتماد على الأواني الفخارية التي يتم عرضها بشكلٍ أوسع مع مقربةِ هذا الشهر الفضيل. كما تستعمل للطهي فضلًا عن التقديم، للمذاق المتميز الذي تعطيه خاصة للأطباق التقليدية التي تُقدم في ليلة النصف والسابعِ والعشرين.
للتوابلِ نكهة خاصة
تزدهر تجارة التوابل هذهِ الأيام بالذات، بالإضافة لبعض الخلطات المحضرةِ مسبقًا، وكذا المعجناتِ المجففة المختلفة كالكسكسي، مع الأعشاب العطرية المستعملة بشكلٍ أكثر، حيث تفضل ربات البيوت اقتناء كمية كافية تغطي احتياجها طيلة الشهر، خاصةً للأطباق التقليدية التي تصنعُ خصيصًا لهذا الموسم وتقدم في المناسبات. كما تزدهر تجارةُ المخللات من زيتون، فلفل، والهريسة، أو الخليط منها، حيث يتم عرضها ليس فقط في دكاكين المواد الغذائية بل وحتى على طاولاتٍ خاصة على الأرصفة، وهذا مظهر من مظاهرِ رمضان.
الحلويات الرمضانية
الزلابية: تٌباع الزلابية بأنواعها طيلة أيامِ السنة، لكنها تزدهر أكثر في رمضان، ويتشكلُ طوابير طويلة أمام محلاتها، وتعد أشهر حلوى جزائرية تميز رمضان. قد تغيرُ محلاتُ نشاطها إلى صناعة الزلابية في هذا الموسم.
المقرود: عبارة عن سميد بالسمن ومحشو بعجينة التمر، كذا الصامصة بنفس شكلِ السمبوسك لكن بحشوِ المكسرات والسكر، وبذوقِ العسل وماء الزهر، وأيضًا “البوراك” المعسل. وكلها تباعُ في نفس محلِ الزلابية أو في طاولات خاصة على الأرصفة. طاولات أخرى لحلوى الشامية المصنوعة أساسا من السمسم المحمص، كما تشتهر مناطق أخرى بقلبِ اللوز شبيهةٌ إلى حدٍّ ما بالبسبوسة محشوة باللوز.
طاولات الإفطار لا تغيب عنها الشربة
بعدَ يومٍ طويل من الصيامِ، يحتاجُ الجسم إلى إفطار خفيفٍ بدءًا بالتمر أو اللبن. هُنا يعتمد الكثيرون عليه كإفطارٍ ثم يُقدم الأكل بعد صلاةِ التراويح. غير أن لبعضِ المناطق والعائلات عرفُ آخر، حيث يعد الإفطار بعد صلاة المغربِ وشقِ الصيام مباشرةً. “الجاري” أو شربة الفريك أكثر انتشارًا في الشرقِ الجزائري، أما الحريرة هي الشربة الأكثر انتشاراً في الغرب الجزائري، والتي تعدُ أساساً من حساءِ الخضار مع الدشيشة.
يَمرُّ إعداد الفريك بمراحلَ كثيرةٍ ابتداءً بغسلهِ وتعريضهِ للشمس ثم طحنهِ، وأحد المظاهر الواسعة الانتشار التي تسبقُ رمضان. كما أنه يباعُ جاهزًا.
الدوبارة: من الأطباق المهمة التي لا يستغني عنها الكثير، تعدُ في البيت أو يتم اقتناؤها أغلبَ الوقتِ، وتتحول المطاعمُ إلى محلاتٍ خاصةٍ لتجهيزها بعدَ أن تكف نشاطها الطبيعي خلال أيامِ الصوم، وتحضر من حبوب عدةٍ: حمص، عدس، فاصولياء مع البهارات وصوص الطماطم.
الكسكسي: يجهز الكسكسي بأنواعٍ كثيرةٍ، مالحة وحلوة، وعادة ما يجهز الكسكسي الحلو بالفواكه المجففة كالزبيب، المشمش والتمر مع اللبن في السحور.
البوراك: رائحة البوراك التي تعم أرجاء البيوت دلالة على اقتراب أذان المغرب، حيث يحضر من ورقِ الدقيق، وحشوٍ من البصلِ والبطاطا واللحم المفروم والبيض، ويتم قليه قبل دقائق من موعدِ الإفطار ليحافظ على حرارته.
طاجين الحلو: طاجين مشهور جدًّا في الشرق الجزائري، حيث يحضر من اللحم والبرقوق المجفف واللوز، ويكون الصوص حلو المذاق.
صلاة التراويح واللمة العائلية
رمضان للمة العائلية وكذا العبادات أيضًا، حيث يتم إعداد المساجد وتنظيفها قبل الموعد المنتظر، لاستقبال المصلين خاصةً في التراويح. حيث تُعد واحدةُ من أهم المظاهر الروحية في هذا الشهر الفضيل، ومناسبةً للتجمعِ لعدها وتحسين العلاقات الاجتماعية بين الجيرانِ وكذا العائلات. كما تُفتح المساجد أيضًا في العشرِ الأواخر للتهجد قبل صلاةِ الفجر.
قيامُ الليل والسهرات العائلية الدافئة
بينما يُفضلُ البعض القيام وقراءة القرآن، يفضلُ آخرون أيضًا اقتطاع الوقتِ والالتفافِ في سهرةٍ عائلية أو مع الأصدقاء عادةً ما يكون التاي (الشاي) أهم أركانها، بالإضافةِ إلى صينية صغيرةٍ من قلبِ اللوز ومكسرات. يفتحُ هذا الشهر فرصة للتجمعاتِ العائلية من خلال العزومات التي قد تمنعها الأيام العادية بسببِ المشاغلِ الحياتية، بالإضافة إلى اعتماد ليلةِ السابعِ والعشرين مناسبةً لختان الأطفال تبركًا بالعشر الأواخر.
موائد الرحمة
تُعدُ “موائد الرحمة” للمحتاجين ومن لم يسعفهم الوقت للوصول إلى منازلهم قبل أذان المغرب مظهرًا شائعًا في كامل الجزائر، حيث تقدمُ الوجبات الساخنة وكاملِ طاولة الإفطار من قبل متطوعين.
رغم اختلاف العادات في البلدِ الواحدِ وبين البلدان إلا أن هدفَ رمضان واحدٌ: فرصةُ للعبادةِ واجتماع العائلةِ على طاولةِ الطعام بعد تشتتِ باقي أيامِ السنة، وإعادةِ تحديد أولوياتِ الحياة وتقييم علاقتنا بالله، أنفسنا والناس، وإحياءِ تقاليدنا الجيدة والنافعة على المستوى المادي والمعنوي.