لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
تُعدُ اللغات اليوم من أهم المتطلبات في سوق العمل وحتى في الدراسة، إذ تتم المعاملات عادةً مع الشركاءِ الأجانب بلغةٍ غير العربية. ورغمَ انتشار المدارسِ الخاصة وحتى المدارس الأونلاين تظلُ فرصةِ التعلم غير متاحة للجميعِ بسبب المتطلبِ المادي أحيانًا أو بسببِ ضيقِ الوقتِ. إذ قد لا يكون في متناولِ الطالبِ أو حتى العاملِ الجديد. معَ هذا تظلّ فرصةُ التعلم قائمةً ما دام هناك رغبة حقيقية في ذلك.
عُلا محمود، خريجة كلية الألسن بمصر، تخصص لغة إيطالية، وشغوفةٌ بتعلم اللغات. تُخبرنا من خلالِ حوارٍ معها، تجربتها في تعلم اللغة الاسبانية ذاتيًّا خلال الحجر الصحي، الذي فرِض العام الماضي للحدّ من انتشارِ فيروس كورونا.
هكذا بدأت قصتي مع اللغات
في المرحلة الثانوية لم أكن أحب اللغات بالمرة، كانت اللغة الإنجليزية والفرنسية ضمن المقرر الدراسي، ولم أستسغ اللغتين، حتى إنني لم أفكر مواصلة مشواري الدراسي في الجامعة في كليةٍ للغات. لكن كان للجنة التنسيق كلمةٌ أخرى وتم توجيهي لكلية الألسن، قسم اللغة الإيطالية.
ويا للمفاجأة..لقد وقعت في غرامِ اللغة الإيطالية من أولِ محاضرةٍ، لقد لعب الأستاذ المحاضر لأول مادة حضرتها دورًا كبيرًا في تحبيب اللغة لي، حيث كانت طريقة تدريسهِ ممتعة. لقد كنت شغوفة جدًّا باللغة وسجلتُ في المركز الثقافي الإيطالي، وذلك منحني فرصة للتعرف أكثر على اللغة من خلال الأستاذ الذي كان مقيمًا في مصر لمدةِ عشرين عامًا. كما ربطتني علاقات صداقةٍ مع إيطاليات عبر شبكة الفيس بوك وتطورت لغتي على إثرها، كذا تعرفت على الثقافة الإيطالية.
ما الدافعُ لتعلم لغة جديدة؟
لقد بدأت بتعلمِ اللغة الاسبانية ذاتيا أيام الكوارانتين، كنت أتابع العديد من الأعمال الفنية (الأفلام، المسلسلات) الإسبانية وأحببتٌ اللغة سماعيًّا، فقررت أن أبدأ بتعلمها وكان الحجر فرصة مناسبة جدًّا لفعلِ ذلك، نظرًا للوقت الطويل الذي نقضيه بالمنزلِ. بعدَ مدة من بدايتي للتعلم، كنت أسأل نفسي (لماذا أريد تعلم هذه اللغة؟)، حتى لا تفتر همتي أو أتوقف عن فعلِ ذلك فكان جوابي أساسيًّا نابعًا عن حب وشغفٍ بأدب أمريكا اللاتينية، وكذا بالأعمال السينمائية الناطقة بالإسبانية، وحبي الشديد للشعر الإسباني المترجم.
أرى أن تحديد الهدف بدقةٍ لكل متعلم للغة جديدة هو السبب الذي يدفع للمواصلة وأيضًا ليعرف طريقه، فكان هدفي الأساسي القراءة، قراءة الأدب اللاتيني، واستماع الأغاني، والتحدث.
ينقسم تعلم اللغة إلى أربعٍ (القراءة، الاستماع، الكتابة، الحديث)، إذا كنت تريد السفر فأنت محتاج لتعلم الحديث بشكلٍ أساسي، أما إذا كنت تريد قراءة الكتب فيلزمك تعلم مهارة القراءة، أما العمل فأنت تحتاج إلى مهارة الكتابة.
أرى أن حبي للأعمال الفنية والأدبية ساهم بشكلٍ أساسي في تسهيل تعلمي للغة، فاللغة التي لا تعكس ثقافتها فنا وأدبًا ستكون صعبةً علي، كتجربتي في تعلم اللغة الألمانية، التي لم أجد فيها أدبًا أو سينما تشدني لذلك. على المتعلم تحديد المجال الذي يحب، ليسهل عليه التعاطي مع اللغة.
صعوبات التعلم الذاتي للغة
رغمَ أن تعلمي للإسبانية كان ذاتيًّا وليس للتقديم لعملٍ أو منحةٍ، إلا أنني بدلتُ كل جهدي لفعلِ ذلك، كان من بين الصعوبات التي واجهتني، اختيار المصدر للتعلم، يوجد الكثير من التطبيقات، المواقع، قنوات اليوتيوب، بشكلٍ مجاني. مع ذلك فإن سلبيته هو التشتت والضياع الذي يشعر بهِ المتعلم مع كمية المصادر، فعليه اختيار مصادر محددة ومحدودة.
ما اكتشفته أيضًا في رحلةِ تعلمي أن تعلم قواعد اللغة ليس أساسيًّا في البداية، بل التعود على اللغة ما هو أساسي، فبدلَ تعلم كل قاعدةٍ على حدة، فضلتُ القراءة، قراءة النصِ الواحدِ مراتٍ عديدة، وشرح المفردات، مع متابعة أعمال تنشطُ سماعي للغة. وكان ذلك أفضل.
تعلم اللغة ليست موهبة
كثيرًا ما كنت أستمع في الكلية أن تعلم اللغة موهبة، ولكنني لا أرى ذلك مطلقًا، فتجربتي مع تعلمِ اللغة الإسبانية، أثبتت العكس، لقد استهلكت مني الكثير من الوقتِ والجهد لأبني أساسًا واضحًا، ومنهجيةً تتماشى مع مدى استيعابي، وبرنامجًا يتناسب مع وقتي أيضًا، خاصةً أن كل ذلك مجهود ذاتي. كما جربت قبلها تعلم اللغة الكورية لحبي الشديد لـ K-POP لكنني لم أستمر، كانت صعبةُ للغاية ولم أجد مركزًا لتعلمها.
ليس هناك نهاية للغة
تقول عُلا إن أهم ما يلزم معرفته من طرفِ متعلم اللغة أن ليس هناكَ نهاية للتعلم، فاللغة بحر، غير مقيد بحدّ للنهاية، كلما أوغلتَ فيها، كلما اكتشفتَ أكثر وتعلمت أكثر، وأن أهم ما يقوم به هو الاستمرارية وعدم التوقف، والعودة مجددًا حتى لو فترت الهمة قليلًا.
لم ينتهِ شغف وحب عُلا للغات هنا، فهي تقول بمجردِ أن نبحث وننفق وقتنا لتعلم ذاتي للغة، فنكتشف المنهج والطريقة التي تتماشى معنا، وهذا يفتح لنا طرقاً لتعلم لغاتٍ أخرى. هذا ما تنوي تطبيقهُ على اللغة الفرنسية، إذ إنها تملك ميولًا في حب اللغات الرومانسية، كالايطالية والفرنسية والإسبانية، التي تملك إيقاعًا مميزًا على الأذن، وخاصة منها التي تنتمي إلى ثقافةٍ وإرثٍ أدبي وفني واسعٍ.