لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
التاريخ مليء بالعبر والقصص، وتجارب البشر، التي إذا ما قرأناها بعين الباحث وشغف طالب الحقيقة، نستطيع استخلاص الفوائد منه، ويصبح بإمكاننا توقع المستقبل، فالتاريخ عبارة عن ذات الأحداث، إذا ما توافرت لها ذات الظروف تحققت مجددًا. من بعض الأمور التي لطالما شدّت انتباهي هو دور الجواري في بلاط الملوك، وما لهن من تأثير عظيم على سير الأحداث، وكن السبب الرئيسي لوصول أبنائهن أو رجالهن للعرش.
سنتناول في هذا المقال قصتين لجوارٍ ذاع صيتهن بسبب أفعالهن، واختلفت روايات المؤرخين حولهن.
روكسلان “أفعى سليمان القانوني”
روكسلان من الشخصيات التي تثير جدلاً في كتب التاريخ وشروحات المؤرخين، فمنهن من جعل منها أفعى ساهمت في تفتيت الدولة العثمانية وسقوطها، وآخرون ألبسوها ثياب المُصلحة، فقد اتهمها الفريق الأول بأنها ظلّت تحمل الولاء تجاه دينها وعرقها، ونَسبوا إليها دخول يهود “الدونمة” إلى الدولة العثمانية، وهم من كان لهم الدور الأكبر بعد ذلك في سقوطها، وهي من تدخلت أيضًا لمنع مسلمين التتر من محاربة الروس؛ وهذا ما مكن القيصر إيفان الثالث من توحيد الروس وغزو التتر داخل بلادهم وسيطر عليهم.ولم تكتفِ روكسلان بهذا، فقد مهَّدت الطريق لولاية ابنها سليم الثاني -بإزاحة أخيه الأكبر القائد مصطفى- فحاكت له الدسائس بمعونة زوج ابنتها لينتهي به الأمر بالموت خنقًا في خيمة أبيه وبعلمه. وعلى الجانب الآخر هناك من يقول إنها ليست بالسوء الذي يحكى عنها، وينسب إليها إكمال عيون زبيدة التي بدأتها زوجة هارون الرشيد، حيث وصل إلى علمها أن المياه أصبحت شحيحه لأهل مكة، فأمرت بإكمال العيون، وبناء العديد من المساجد ومراكز العلم في بقاع مختلفة، والهدف من هذه الهجمة هو المساس بشخص السلطان المسلم سليم الثاني.وما زال الجدل قائمًا حول شخصية روكسلان وأفعالها، ولا ندري هل ظلمها التاريخ والمؤرخون وجحدوا أعمالها لهدف ما زال خافيًا في أنفسهم؟ أم أنها حقًّا كانت أفعى سليمان الجميلة التي صممت نعش الدولة العثمانية بتصرفاتها المنحازة لأصلها ودينها.
شجرة الدرّ الملكة التي قُتلت ضربًا “بالقباقيب”
شجرة الدرّ جارية استُقدِمت إلى قصر الخليفة المستنصر، آخر خلفاء الدولة العباسية، ثمّ اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب آخر سلاطين الدولة الأيوبيّة، وكانت ذات مكانة رفيعة عنده، ومالكة فؤاده إلى أن أعلن زواجه منها عام 1248م، كانت فائقة الجمال تسلب لبّ الناظر إليها، ولم يكن الجمال ميزتها الوحيدة، بل عُرف عنها الذكاء والدهاء وهما اللذان مكّناها من الوصول للعرش، يقول الذهبي في “تاريخ الإسلام”: “كانت شجر الدُّر بارعة الجمال، ذات رأي ودهاء وعقل، ونالت من السعادة ما لم ينلها أحد من نساء زمانها، وكان الملك الصّالح يحبّها ويعتمدُ عليها”.اختلف المؤرخون في أصلها فمنهم من قال إنها تركية، وآخر يدعي بأنها أرمينية، بينما يرجح آخرون بأنها بدوية. ولعبت شجرة الدرّ دورًا مهمًا جدًّا في صد الهجمات الصليبية، بل كان تصرُّفها هو السبب الحقيقي لهزيمة الصليبين. فبينما كان الجيش في مواجهة مع العدو الصليبي بقيادة لويس للتاسع، توفي زوجها نجم الدين أيوب، ولعلمها بوقع هذا الخبر على معنويات الجنود، أخفت أمر وفاة زوجها، وأعطت التعليمات وأمضت الأوراق بختم السلطان وكأنه موجود. واستطاع الجيش التماسك وصد هجوم الصليبيين، بل وأسر لويس التاسع ذليلًا.نُصّبت بعد ذلك ملكة من قبل المماليك، وصكوا العملة باسمها وظلت ملكة حتى تعالت أصوات الاعتراض على توليها، مما اضطرها إلى الزواج من “عز الدين أيبك”، ونصبوه ملكًا صوريا، بينما كانت شجرة الدر هي الحاكم الفعلي.واشتعلت نار الحقد في صدر شجرة الدر بعد زواج عز الدين أيبك من ابنة والي الموصل، فدبّرت له مكيدة بدعوته إليها فلمّا وصل سلطت عليه جواريها ضربًا بالقباقيب الخشبية حتى الموت، وكان ذلك عام 1257م، حاولت شجرة الدر إخفاء قصة موته بتلفيق قصة جديدة، وهي سقوطه عن الحصان، ولكن سرعان ما افتضح أمرها، وجرت سفينة شجرة الدرّ عكس رياحها، حيث عرف المماليك أن شجرة الدر هي مَن قتلت السلطان عز الدين أيبك فسجنوها، واختلفت الروايات حول موتها، ولكن أشهرها أن زوجة أيبك الأولى هي من اقتصّت منها، بأمْرِها الجواري أن تضرب شجرة الدر بالقباقيب الخشبيّة حتّى الموت.
صبح البشكنجية
كانت صبح جارية بشكنجية من مملكة نافار الإسبانية، وصبح هي ترجمة لكلمة Aurora ومعناها الفجر أو الصباح وهو الاسم المسيحي الذي كانت تحمله صبح. ظهرت صبح في بلاط قرطبة في أوائل عهد الخليفة الحَكَم المستنصر، وسرعان ما حازت على قلبه لشدة جمالها وحسن صوتها، وتميزها بذكائها، وكما عرف عنها حبها للسياسة، وازدادت مكانتها أهمية عندما أنجبت للحَكَم عبد الرحمن ثم هشام. تمتّعت “صُبح” أيام الحَكَم بنفوذٍ كبير في البلاط، وكان الحَكَم يثق برأيها، ويستمع لها في الكثير من الشؤون.استمرّ الحال حينًا على ذلك، حتى ظهر الشاب الذكي محمد بن أبي عامر الذي أُعجبت صُبح بذكائه وطموحه، فاختارته حينما أراد الحَكَم أن يعين مشرفًا لإدارة أملاك ولده عبد الرحمن. ويعود الفضل الأول لصعود ابن أبي عامر في وظائف الدولة بسرعة إلى “صُبح”، حيث ولّته إدارة شؤون ابنها هشام بعد موت ابنها الأول عبد الرحمن، ودعمته لتولى الخزينة وأمور الشرطة وغيرها من المناصب.وبعد موت الخليفة، تحركت صُبح بسرعة لقتل عم ابنها، وتنصيب هشام البالغ من العمر ١٢ سنة، وكان كل ذلك بمساعدة ابن أبي عامر. بعد أن أطلقت “صُبح” يد ابن عامر في الدولة، بدأ يعزل الخليفة شيئًا فشيئًا حتى انتهى به الأمر إلى الاستحواذ على الجيش والدولة معًا ولُقب بالمنصور. وأُسدل الستار على الخليفة هشام معزولًا محاصرًا، بسبب تهاون أمّه مع ابن أبي عامر، الذي أدى إلى ضياع الملك إلى الأبد.
إليك أيضًا
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد