لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
تعد رسالة التعليم من أقدس الرسالات التي عرفتها البشرية، فهي حالة تتجلى فيها خروج العقول من ظلام الجهل وما يترتب عليه من ضعف النفس وسطحيتها؛ التي تجعل منها كياناً ضعيف الدفاعات، وتجتاحه الخرافات و الأوهام بكل سهولة؛ مما يُسّهل انقيادها، إلى نور العلم الذي يقودها إلى مرفأ الأمان.
يقول جلال عامر: "الزراعة تسد الجوع، والصناعة توفر الاحتياجات. لكن التعليم يزرع ويصنع وطنًا" ، وهل هناك أسمى من صناعة الأوطان ؟ ولا يخفى على أحد أهمية التعليم ودوره المهم في بناء الإنسان وازدهار المجتمعات، إذا ما تم استثماره وتكييف مخرجاته لخدمة السوق واحتياجات المجتمع بشكل الصحيح.
مراحل تطور التعليم عبر التاريخ
1.العصور البدائية
مر التعليم بعدة مراحل عبر التاريخ، فمهنة التعليم في العصور البدائية كانت مقتصرة على تلقين الآباء القيم لأبنائهم، وما يلاحظه الصغار من تصرفات الكبار، وبعد بروز الحاجة إلى تدوين الأحداث والتاريخ البشري، أصبحت الحاجة ملحة للمدارس النظامية، فتم إنشاء تلك المدارس والتي كانت تركز جل نشاطها على تعليم اللغة ورموزها فقط. وكان حكرًا على صفوة المجتمع من رجال دين وأغنياء.
2.العصور الوسطى
في هذه المرحلة تطور التعليم ليهتم بالفلسفة و البيان أكثر من القراءة والكتابة، مما جعل معلمي الفلسفة أعلى مكانة من معلمي اللغة. وانقسم المعلمون في تلك الفترة إلى قسمين:١- معلمين يقومون بتعليم الأطفال القراءة و الكتابة.٢- معلمين على درجة عالية من الفهم والثقافة، فيُدرسون الدراسات اللاهوتية، وهذا النوع من التعليم كان حكرًا على أبناء الملوك و الخاصة.
3. التعليم في الإسلام
أَوْلى الإسلام أهمية كبرى للتعليم، فلم تكن مهنة التعليم حرفةً لكسب المال، وإنما خدمة لها معانٍ دينية، وكان المعلمون في تلك المرحلة ينقسمون إلى: معلمي المرحلة الأولى أو الكتائب، وهم لديهم معرفة متدنية وقليلة. ومعلمي المساجد والمدارس، وهم الذين يتمتعون بالمكانة المرموقة؛ لما يمتلكونه من علم و معرفة.
4. عصر النهضة
تحسنت أوضاع المعلمين في هذه الفترة بشكلٍ واضحٍ من جميع الجهات، سواء المادية أو الاجتماعية، وبقي هناك فرق واضح بين معلمي المرحلة الأولى، ومعلمي المرحلة العالية أو الثانوية. و زاد التعليم في عصر الإصلاح تطورًا، وأصبح أكثر تنظيمًا، وتعددت وسائله، وأصبحت المواد تدرّس في الكليات والجامعات.
مرحلة تسليع التعليم
برغم من تخريج الكثير من الدفعات سنويَّا، وانتقال أخريات من مرحلة إلى أخرى، فإننا لم نلاحظ أي مؤشر يدل على حدوث تطور أو تحسن في مخرجات منظومة التعليم، فأصبح الجميع ينادون باستثمار التعليم، بحيث يكتسب الفرد مهارات خاصة تساعده على زيادة الإنتاج مما يعود على المجتمع بالنفع والفائدة.ولكن لا شيء ينجو من عبث البشر، الذين انحرفوا بدفة سفينة التعليم؛ وبدلًا من وصولها إلى بر الأمان ، تاهوا بها فى بحار الطمع والفساد والكسب الجائر. وبثّوا سمومهم فى مؤسسات التعليم، ساعين وبكل ما أوتوا من قوة إلى تحويل التعليم من رسالة سامية إلى بضاعة استهلاكية، تخضع لقوانين السوق من عرض وطلب، غير مبالين بجودة التعليم وتحقيق الهدف منه، وهو ما يعرف اليوم بمصطلح "تسليع التعليم".
فما تسليع التعليم؟
هو إدخال التربية والتعليم إلى الأسواق، وعرض الدرجات العلمية كبضاعة للبيع، وتحويل المؤسسات التعليمية إلى شركات تجارية، هدفها تحقيق المكاسب المالية ويقوم عملها على التنافس ومبدأ البقاء للأصلح.إن تسليع التعليم -باعتباره بضاعة- ليس بمنأى عن الغش و الاستغلال، وطرق الترويج التى يكون بعضها صادق وآخر مزيفٌ كاذب، كيف لا والهدف الأساسي هو الربح وليس نشر التعليم بفرص متساوية أمام الجميع. ولأن لكل ظاهرة أسباب؛ يعزو المتخصصون هذه الظاهرة إلى التدني الفاحش في مستوى الطلاب والمتعلمين، وفشل المنظومة التربوية فى تحقيق أهدافها، بالإضافة إلى أسباب اقتصادية واجتماعية أخرى.
أبرز مظاهر تسليع التعليم
تعتبر الدروس الخصوصية من أبرز مظاهره، لما تسببه من مشاكل كتحويل التعليم إلى عملية تلقين و حفظ، و تسهم في تهاون المعلمين في أداء واجبهم داخل الفصول، بالإضافة إلى اتخاذها وسيلة للكسب المادي واستغلال الطلبة عن طريق نشر كتب خارج الخطة المنهجية. ومن مظاهره أيضًا انتشار الجامعات الخاصة وتنافسها على جذب الطلاب، وما عرف عنها من تهاون في منح الشهادات مقابل المال، وكل تلك السياسات تؤدي إلى إهمال التعليم العام وتقادم منهجه.وبإدخال التعليم إلى ماراثون التنافس المادي، ستتحول المدارس إلى مكان للقاء الشكلي بين الطلاب، وستخضع الشهادات إلى المساومات الماليه، وستضيع فرصة التعلم على من لا يستطيع دفع الثمن، مما له آثار وخيمة على المجتمع ككل.وبناءً على كل ما سبق يجب علينا أن نقف جميعًا فى وجه هذا الفساد، وننقذ قداسة رسالة التعليم من الاغتيال البشع على أيدي أناس لا تفهم إلا لغة الاحتيال والكسب وملء الجيوب بالمال، ونحافظ على الموازين العادلة التى تضمن حق الجميع فى الحصول على فرص التعليم، ويكون المعيار الأساسي هو الكفاءة وليس لمن يدفع أكثر.
إليك أيضًا
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد