لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
يدرك جيدًا من ينظر لتاريخ هذه البشرية، أنها لولا العلم لما وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، وما يميز العلم أنه ينتقل بالممارسة التي تسبقها خطوة مهمة وهي القراءة. فالقراءة وبكل بساطة هي عملية عقلية، وتعني إدراك القارئ للنص المكتوب وفهمه واستيعاب.
هذا النشاط العقلي والذي لا ينكر فضله على الأمم أحد، وما من أمة التمست هذا الدرب إلا وارتقت وحجزت مكانة عالية مرموقة بين الأمم.
فالقراءة تغير الإنسان، تبني شخصيته، وتوسع مداركه، وتصنع له جسر تواصل مع الآخرين، يقول عباس محمود العقّاد: “أحب الكتاب، لا لأنني زاهد في الحياة، ولكن لأن حياة واحدة لا تكفيني”، فالقراءة تختصر مراحل وحيوات الآخرين، فبتدوينهم لتجاربهم العلمية أو الشخصية، وتجارب بناء الحضارات، هم يضعون خلاصة ما مرّوا به، وهذا كنز بشري يجب الاستحواذ عليه، لما فيه من فوائد كثيرة.
مراحل تطور القراءة
قديما ومنذ عصر الإغريق تحديدًا، كانت القراءة تتم بصوت عالي والهدف هو نطق الحروف فقط، ولكن مع تطور البشرية تغيرت عادات القراءة، وتم التوصل للقراءة الصامتة، التي أحدثت تغيرًا في وعي الإنسان، حيث انتقل من التركيز على نطق الكلمات، إلى التمعن في المعنى، والتبحر في التفكير، الذي ينتج عنه أفكارًا تطورية جديدة. وأدى اختراع آلة الطابعة في القرن الخامس عشر على يد يوهان غوتنبرغ، إلى انتشار الكتب المطبوعة، مما ساهم في خلق لغة مشتركة بين أفراد المجتمع، وشهد القرن الثامن عشر إنتاجًا غزيرًا في الطباعة وانتشرت الكتب على نطاق واسع.
بعد ذلك انتشرت القراءة بالاستماع بعد اختراع جهاز الفونوغراف، غير أن القراءة من الكتب ظلت تتصدر المشهد. وحاليًا وفي عصر التكنولوجيا، نستطيع القراءة من الهاتف الذكي أو الحاسوب بكل بساطة ويسر.
أنواع القراءة
بما أن القراءة مهارة ضمن المهارات الأربعة لأي لغة، وهي الكتابة، والمحادثة، والاستماع والقراءة، غير أن القراءة هي أصعب تلك المهارات، لأنها تتطلب مجهودًا ذهنيًّا وعقليًّا لوضع تصورات ذات دلالة على الكلمات المقروءة.
وهناك أنواع مختلفة من القراءة وهي:
١- القراءة الميكانيكية وهي بداية اكتساب مهارة القراءة.
٢- القراءة الأوتوماتيكية وهي قراءة النص بدون فهم للمعنى، وتكون القراءة بطلاقة عالية.
٣- القراءة التفسيرية الناقدة وهي تلك القراءة التي تحلل النص.
٤- القراءة الإبداعية وهي القراءة التي تحلل النص وتقيمه، وهي أعلى مستويات القراءة.
أهمية القراءة
سئل الخليفة المأمون ما ألذّ الأشياء؟ قال: التنزُّه في العقول، يقصد قراءة الكتب. كل من أدمن قراءة الكتب، يعرف جيدًا شعور الراحة والسعادة أثناء قيامه بالقراءة، هذا بالإضافة إلى الفوائد التالية:
- تسهم القراءة وبشكل كبير في تشكيل الوعي الإنساني بكل أنواعه، السياسي، والديني والاجتماعي وغيره، وذلك راجع إلى تطوير القراءة لمهارات التفكير والتحليل وتصنيف المعلومات.
- القراءة التي تعتمد على التحليل تساعد على استخلاص الدروس من التاريخ والتجارب الإنسانية، وإسقاطها على الواقع المعيشي، مما يساعدنا على تحسينه.
- تنمية القدرة اللغوية وزيادة حصيلة الفرد من المفردات، مما له تأثير بالغ على طريقة الكتابة الإبداعية، بالإضافة إلى تعلم مهارات المحاجة والإقناع.
- يكتسب القاري مهارة التعلم الذاتي، وهو من أفضل أنواع التعلم، لأنه يعتمد على استعداد الشخص للتعلم والرغبة في التطوير.
- القراءة توسع المدارك، مما يساعد القارئ على فهم الآخر المختلف عنه سياسيا واجتماعيا وثقافيا.
هذا بعض نتائج القراءة ويوجد غيرها الكثير. والجدير بالذكر أنها تعتبر ملاذًا لدى الكثيرين، يلجؤون لها، هربًا من وطأة الواقع، يقول آرثر شوبنهاور: “لم تمرّ بي أبدًا أية محنة لم تخففها ساعة أقضيها في القراءة”. ويفضل أن يقرأ الشخص الكتب المفيدة المغذية للعقول، ويبتعد على الكتب التي تسوق التفاهة، والتي لا تعود على القارئ بأي منفعة، فليست العبرة في كثرة القراءة، بل في القراءة المجدية.
يقول جون لوك: “الكتب موجودة، والمكتبات موجودة، ومراكز الأبحاث موجودة، وخدمات الإنترنت موجودة، ولكن في مكان مرتفع لا يصل إليه قصار الهمة والعقول”.
العلم اليوم سريع التطور، وإن لم نواكبه عن طريق القراءة المستمرة المفيدة، سنكون كمن يبني لنفسه سجنًا مترامي الأطراف، هناك بعيدًا عن التطور، كما إني أؤمن بأننا كأمة لا سبيل لنا للخروج من هذا الواقع الأليم إلا عن طريق القراءة والعلم، إذا أردنا الوعي والنهضة.