لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
الكثيرون يحبون الشتاء، بل تتجدد طاقتهم وترتسم ابتسامة عريضة على وجوههم تعكس سعادتهم في ذلك الجو المليء بالغيوم الرمادية الكئيبة، هؤلاء ليس عليهم حرج لأني كنت واحدة منهم فيما سبق، إلا أن هذا الشتاء أجد صعوبة في تقبله، فأنا من محبي الفصول الحيادية كالربيع والخريف، أما الفصول التي تتميز بقسوة جوها أجد صعوبة في تقبلها بل حتى النزول من المنزل لإتمام بعض المهام، وهنا جاء الدور البطولي للروايات، لتخفف كآبة الشتاء وترسم تعبيرًا جديدًا على وجوهنا بديلًا للضجر.
فتلك الروايات لا تمتاز بالقصر فقط ، ولكن بالذكاء والإيجاز مع ترك انطباع خفيف في روحي لن يختفي بسهولة.
الدساس: خيري شلبي
مجموعة قصصية غاية في البساطة والجمال، تتميز قصص خيري شلبي بأنها من واقع الحياة المصرية لكادحة، فهو يلقب شيخ الحكائين وكاتب المهمشين، وهذا ما ستجده في تلك المجموعة، حكاية عن المهمشين أصحاب الأمنيات البسيطة والمخاوف الصغيرة. برغم كوني مصرية إلا أنى تعرفت على كلمات جديدة من الواقع المصري لم أكن أدرى بها، بل حوادث كانت تراها عيني بألم ضبابي عابر، ليسردها هو بشكل مركز مفعم بالمشاعر، ليجعلك تري المشاهد أمام عينك، تتفاعل معها بقرب وحرية.القصص تتأرجح ما بين الحزن والاندهاش والضحك، مشاعر مختلطة تشكل مزيجًا ساحرًا بشكل بسيط، بقفلات قصصية بعضها رائع وبعضها عبقري في شكل غاية في البساطة، هي من نوع القصص التي تستطيع التهامها بسعادة في جلسة واحدة لتتركك جائعًا للمزيد. كما أنها اختيار جيد للغاية إذا كنت تعاني من قفلة القراء، فستكون أشبه بتمشية رائعة لتعود مجددًا بحماس، تقرأ كل ما يقع في يدك.
حكاية السيد زومر: باتريك زوسكيند
أظن أن الروائي الالماني باتريك زوسكيند بالغ الشهرة في بعض المحطات الثقافية والمهتمة بالسينما، بسبب روايته الشهيرة (العطر)، والتي حولت لفيلم عام م2007. ورغم دسامة رواية العطر، وتعدد وجهات النظر فيها لما يرمي الكاتب، وجمال خطوط السرد والاندهاش من عبقرية الإحساس الذي يحيط بك بالتدريج ليفجر عقلك في نهاية المطاف، إلا أن حكاية السيد زومر تختلف عنها بشكل كامل.فالرواية صغيرة للغاية (87 صفحة) تحملك بخفة لتتورط بجولة مع صبي صغير يقترب من السابعة، محب للطبيعية وماهر في تسلق الأشجار، ترى معه المنظر من عالية الشجرة وتشم نسيم الغابة، ليتقطع مع حكايتكم الصغيرة السيد زومر، المجهول المغترب عن القرية وقاطع أوصال المعرفة والألفة مع كل إنسان حتى زوجته، لا هدف لديه سوى الحركة والتنقل المستمر، لا أحد يعرف عن ماذا يبحث السيد زومر ولأي هدف يمشي، وكأنه يبحث عن أرض جديدة، جزيرة منعزلة يستطيع فيها أن يعيش وحيدًا بسلام، ولكن لا مكان، حتى تأتي النهاية ويحاول اجتياز البحيرة نحو أرض الخلاص.ليست صغر الرواية هو العامل الوحيد في الانتهاء منها سريعًا، ولكن سلسة السرد أيضا تجعل عينك تجري مع السطور لتعرف ماذا بعد، فحتى الإجحاف الذي تعرض له الطفل الراوي من قبل الجميع كما ذكر ودفعه للتخلص من حياته بشكل طفولي ساذج حد الإبهار، كان سببًا لقطع أنفاسي، فكانت لحظة تقاطع فيها غضب الصبي المظلوم، مع صرخة السيد زومر المتألمة والتي أرجعته عن فكرة الانتحار في نهاية المطاف. برغم كون الرواية جميلة للغاية وجعلتني أبتسم في مشاهد كثير، إلا أن أبعاد أخرى تركت مسحة حزن لن تمحى.
محاكمة الخنزير: أوسكار كوب فان
(إذا لم تشعر بالرهبة فأنت الفائز) جملة قيلت على لسان أحد شخصيات الرواية، برغم أن عدد صفحات الرواية محدود (125) صفحة، والحوارات قصيرة فإنها عميقة بشكل جذاب، الرواية ساخرة بشدة، تسخر من كل شي، من عبثية العدالة، الادعاءات المثالية، والكذب للوصول لغايات قذرة. الرواية صادمة بمشاعر ثقيلة، أشبه بصفعة على الوجه ولكن رغم ذلك تستحق القراءة.فهي مكتوبة بمزيج أخاذ بين المسرح والرواية مقسمة إلى أربع أقسام وخاتمة، تتميز بالبساطة والاختصار، الرابط الجيد بين الشخصيات وصلاتها بالأحداث، تستطيع الانتهاء منه في غضون ساعة أو اثنين في أقصى الظروف. فبرغم بساطة الجوهر التي بدأت به الرواية، ولكنها تبين مبالغة الإنسان في رد فعله بل قسوته والتحايل على الحق لإشباع رغبة داخلية لا تكف عن الصراخ.
و في النهاية، الأمر متروك لك عزيزي القارئ، لتدلي برأيك ونظرتك عن تلك الروايات الثلاثة، ولا نتمنى لك سوى قراءة ممتعة.
إليك أيضًا:
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد