لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
مؤخرًا قرأت لشاعر وكاتب عربي مقالًا طويلًا حول الإعلام، ولست أدري هل وفقت حقًّا في فهم الكاتب، ذلك لأن الأفكار بدت لي مشتتة لا رابط بينها سوي أنها تحت عنوان واحد واسم واحد، والأدهى والأمرّ أن أسلوب المقال ينحو منحى الغرابة عند البلاغة التي درسناها في الثانوية والجامعة، لغة تشبه لغة الأعرابي الذي سئل عن ناقته فأجاب تركتها ترعى الهعهعة، تساءلت في نفسي وأنا أقرأ المقال ما الذي يجعل بعض الكتاب والشعراء يتفننون في إغراق نصوصهم بلغة صعبة لم تعد تستخدم إلا نادرًا وفي زوايا محصورة خاصة بكهول وشيوخ اللغة؛ لغة القواميس المتدثرة بالأطمار؟ هل تستطيع اللغة أن تعبر عن المكنونات دون هذه المفردات المتكلسة المتحجرة الجامدة؟اللغة العربية ثرية في بنيتها وفي معناها، وثقافتها وحضارتها، وقد حافظت على قوتها وجمالها عبر العصور ولا تزال-إلى اليوم- اللغة كما هو معلوم مستويات عديدة، تبدأ من لغة التخاطب اليومي إلى المستوى الأعلى الأدبي الإبداعي وإذا كان الأمر كذلك تصبح المسؤولية على عاتق الشاعر أو الكاتب كبيرة تجاه اللغة التي يعبر بها ويكتب؛ لأنه هو المسؤول الأول والأخير عنها.عندما أحس الجاحظ بتهافت الأدباء في البحث عن المعاني في عصره قال: "إن المعاني مطروحة في الطريق" أي: إنها للكل مشاعر، كل يأخذ منها حسب مراده وحاجته، اللغة أيضًا مطروحة في كل مكان، وليس ضروريًّا ولا شرطًا في اللغة الجميلة أن تتعمد الغرابة وتنحو مناحي التعقيد المنفر الذي رآه الأولون في قول القائل: "إنما الحيزبون والدردبيس والنقاخ والعلطيس".لغة تنفر المسامع منها حين تروى وتشمئز النفوس، اللغة هي كل الحياة بما فيها من معنى فكيف نحصرها في القواميس "لكم لغتكم ولي لغتي" هكذا قال جبران وصاغ بيانه ووصايته الشعرية والنثرية. اللغة كامنة في الذات البشرية التي لا تعد ولا تحصي "لكم لغتكم ولي لغتي"، لكم من اللغة العربية ما شئتم ولي منها ما يوافق أفكاري وعواطفي، لكم منها الألفاظ وترتيبها ولي منها ما تومئ إليه الألفاظ ولا تلمسه ويصبو إليه الترتيب ولا يبلغه.لكم ما قاله سيبوبه والأسود وابن عقيل ومن جاء قبلهم وبعدهم من المضجرين المملّين، ولي منها ما تقوله الأم لطفلها والمحب لرفيقته والمتعبد لسكينة ليله. بعض الكتاب مفتونون باستعراض العضلات اللغوية لكي يقال عنهم إنهم جهابذة في الأدب، فنراهم يرومون التعبير عن معنى قريب بمفردة صعبة غريبة متعمدين ذلك متناسين أن هناك أخرى أنسب منها وليس معني ذلك أنها لم تعد عربية وإنما لأنها حلت محلها لغة جديدة متطورة عنها وهذا سنة الحياة.واللغة كائن يتطور مثل باقي الكائنات، وعلى الشاعر والكاتب أن يعي ذلك جيدًا والكاتب الحاذق هو الذي يستطيع أن يصوغ لغته وفق ما يقتضيه المقام والمقال. لكل كلمة في اللغة دلالة ومعنى قد لا يكون ملائمًا أو مطابقًا لتصور معين وعندما نقحمه بالقوة على ما نريد التعبير عنه يفسد المعنى وعندما يفسد.Loading Offers..
100
100
100
اللغة عوالم شاسعة وليست حبيسة في القواميس
التصنيف :
زد
- في :
4:04 ص
-
لا يوجد تعليقات
Youssef
- تواصل معي :
- fb
- tw
- gl
ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :
0 تعليقات المدونة
تعليق الفايسبوك
Loading Offers..