Loading Offers..
100 100 100

الكذبة التي نخدع أنفسنا بها بغية الخلود إلى الفراش مبكرًا

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

بالنسبة للكثيرين، فإن أصعب جزء من حياتهم اليومية هو التنقل بين اليقظة والنوم؛ فعندما يجب أن تكون نائمًا، ترغب بأن تبقى مستيقظًا؛ وعندما يحين موعد استيقاظك، تودّ لو تظل نائمًا! لا أسهل من اعتبار النوم عذابًا: يصعب مناله ويصعب الاستسلام له أيضًا.. يومًا بعد يوم.

وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض، يعاني حوالي 70 مليون أمريكي من مشاكل نوم مزمنة. يؤثر الأرق على ما بين 33% و50% البالغين في الولايات المتحدة بين الحين والآخر. ولا يقتصر الأمر عليهم فحسب! فقد أفادت دراسة أجريت عام 2016 أنه في جميع أنحاء العالم، يعاني 10-30% من البالغين الأرق. بل وجدت بعض الدراسات معدلات تصل إلى 50-60%.

لكن خلف هذا العذاب توجد فرصة لتحسين نوعية حياتنا، إذا استطعنا تغيير علاقتنا بالنوم. فبدلاً من القلق بشأن الكيفية التي يمكننا بها حث أنفسنا على نوم أعلى كفاءة، نحتاج إلى التوقف عن مقاومة النوم. وللوصول لهذا، نحتاج إلى التوقف عن رؤية النوم على أنه (فعل فسيولوجي بحت) والبدء في التفكير في أهميته السامية.

لا يعلم معظم الأشخاص أن النوم الكافي يحسن الرفاهية. وجدت إحدى الدراسات الحديثة التي أجريت على أكثر من 30,000 شخص في المملكة المتحدة أن الذين زادوا مقدار نومهم خلال فترة أربع سنوات حصلوا على ذات كمية السعادة التي تؤدي إليها ثمانية أسابيع من العلاج النفسي، أو من ربح ما يصل إلى 280,000$ في اليانصيب. يتمتع الأشخاص المرتاحون بعلاقات أفضل وأكثر إيجابية مع زملاء العمل وأزواجهم. وعلى الطرف الآخر، يقلل الحرمان من النوم من السعادة عن طريق إضعاف استرجاع الذاكرة العاطفية (Emotional Memory) وتشجيع عقلية الندرة، مما يجعل الناس في صدام دائم مع الآخرين.

لماذا لا ننام أكثر؟

تعتبر الظروف المادية، ووضعيات النوم غير الصحية، ومشاكل العمل، والإجهاد، ووجود أطفال صغار كلها عوائق شائعة تمنع النوم السليم. ومع ذلك، ثمّة عائق آخر يأتي من أعماقنا: وهو ما يسميه العلماء “تأجيل وقت النوم”، وذلك عندما نؤجل ببساطة الذهاب إلى الفراش لأننا نقوم بأشياء أخرى تبدو أكثر أهمية في الليل (نندم عليها عندما يحين وقت الاستيقاظ). وجد الباحثون أنها ظاهرة شائعة جدًّا، حتى إن ما يقرب من ثلث البالغين لا يحصلون على أكثر من ست ساعات من النوم. بل يقول أكثر من 40% أنهم ينامون قليلًا جدًّا أو يعانون من التعب أثناء النهار لمدة ثلاثة إلى أربعة أيام في الأسبوع أو أكثر.

يُطلق على أحد الأشكال الخبيثة لهذا السلوك “التأجيل الانتقامي لموعد النوم – Revenge bedtime procrastination“، حيث يتخلى بعض الناس عن النوم كشكل من أشكال التمرد ضد صوتهم الداخلي. وصفت الكاتبة سيلفيا بلاث (Sylvia Plath) الأمر بدقة مذهلة: “أتساءل لماذا لا أذهب إلى الفراش وأخلد إلى النوم. ولكن بعد ذلك أدرك أنني سأنام ذات يومٍ للأبد، لذلك قررت أنه بغض النظر عن مدى تعبي، سأتخلى دائمًا عن ساعة أخرى من النوم لأعيش أكثر”.

تبدو مماطلة موعد النوم غير منطقية، طالما أن الجاني والمتلقي للانتقام هما الشخص ذاته. لكن التفسير واضح إلى حد ما: يحدث ذلك عندما يكون لدى الشخص بعض المقاومة العميقة لـفكرة فرض ما يجب عليه فعله في ناحية شخصية من حياته مثل وقت الذهاب إلى الفراش، وذلك لأنه -على الأرجح- يستاء من إخباره بما يجب القيام به في أجزاء أخرى من حياته.

يرتبط تحكمنا الشخصي في محيطنا -أو حتى وهم السيطرة- ارتباطًا وثيقًا بتوازننا العاطفي. أظهرت دراسة أجريت عام 2019 في مجلة Emotion أنه عندما ندرك فقدان سيطرتنا على محيطنا، فإن مشاعرنا الإيجابية تتراجع؛ وهكذا نعمد لممارسة المزيد من السيطرة عسى أن يقلل ذلك من المشاعر السلبية. بالنظر إلى أن النوم شيء يمكننا التحكم فيه بشكل مباشر، فقد ننتهك قواعد الفطرة السليمة حول الذهاب إلى الفراش، لأننا نسعى دون وعي إلى حالة عاطفية أفضل، حتى يأتي الصباح وتملؤنا المنبهات الشريرة بمشاعر الكراهية والندم.

نصائح لنومٍ أفضل

عادة ما تكون النصيحة التي نحصل عليها حيال النوم واضحة جدًا: تعامل مع أي مشاكل صحية جسدية أو نفسية قبل نومك؛ ولا تهمل النوم لأنك مشغول؛ وحاول النوم لساعات أطول. تلك نصائح منطقية، غير أنها لا تعالج جذور المشكلة. لذا، إليك أمران يجب مراعاتهما لجعل سلوكيات النوم التي تهملها أفضل وأسهل (وتشعر بسعادة أكبر نتيجة لذلك).

1. قم بإخماد ثورتك ضد صوتك الداخلي

حقيقة أننا لا ندرك ونصحح عبثية تأجيل وقت النوم للانتقام يشير إلى أن الصراع برمته يحكمه ما يسميه عالم النفس دانييل كانيمان “النظام العقلي 1”: دماغنا التلقائي التفاعلي. الحيلة هي نقل قرار وقت النوم من النظام 1 إلى “النظام 2” وهو دماغنا وراء المعرفي، والذي يمكننا من خلاله التفكير في قراراتنا وتحليلها وإدارتها بوعي.

مجرد التفكير في المشكلة والاعتراف بالطرق التي قد يفسد بها نومك سيمنحك بداية قوية، خاصة إذا لم تكن قد استطعت حل المشكلة من قبل. بعد ذلك، اتخذ بعض القرارات. حدد موعدًا واقعيًّا ومعقولًا للنوم. قبل ثلاثين دقيقة، أخبر نفسك “أنا المتحكم في جدول أعمالي، وقد اخترت الذهاب للفراش في هذا الوقت”. ربما يبدو هذا الحديث عن النفس طفوليًّا بالنسبة لك، لكنه يُعتبر بحقّ طريقة للتعامل مع الموقف بنضج من خلال تهدئة (الثائر الصغير داخلك).

بعد ذلك، احصر المجالات الأخرى من حياتك التي يمكنك أن تمارس عليها سيطرة أكثر وعيًا؛ هل تمارس ذات السلوك “الانتقامي” عبر أكل الوجبات السريعة؟ الوصول متأخرًا إلى عملك؟ إنفاق المال دون حساب؟ قد تكون هذه فرصة لتحقيق السلام مع نفسك بطريقة جديدة تمامًا.

2. انتقل من المادي إلى الروحي

حتى إذا أدركت أن النوم بشكل صحيح يساعدك على الشعور بالسعادة، فقد لا يزال بإمكانك رفضه باعتباره سلعة مفيدة؛ استثمار ضروري ولكنه ممل، مثل تناول الخضروات أو ادخار المال في حساب تقاعدي. هذه فرصة ضائعة لفهم النوم كمصدر جوهري للحكمة والسعادة، وهو ما فعله المعلمون الروحيون لآلاف السنين.

تركز إحدى نظريات الحكمة الهندوسية القديمة، على سبيل المثال، على الوضوح الفريد الذي يمكن أن يجلبه النوم. علِم المعلم الهندوسي رامانا ماهارشي (Ramana Maharshi) في أوائل القرن العشرين أن النوم هو “حالة النقاء” التي يوجد فيها وعي كامل، على عكس “الجهل التام في حالة اليقظة”.

تعاليم مثل هذه هي عمليًّا عكس فهمنا التقليدي للوعي، والذي يفترض أننا واعون عندما نكون مستيقظين ولكن ليس عندما نكون نائمين. لتطبيق هذه الرؤية غير التقليدية، قبل أن تخلد للنوم، حاول التفكير لبضع دقائق في مشاكل الحياة التي تريد حلها. ثم اذهب إلى فراشك، بعدها انظر ماذا ستعود حالتك النقية. بعد الاستيقاظ، اقضِ الدقائق القليلة الأولى في تدوين ما تعلمته؛ احتفظ بدفتر يوميات عن تقدمك ولاحظ مقدار ما تتعلمه من نومك.

في الختام

من المغري النظرُ في هذه الأفكار بطريقة عملية بحتة، في محاولة لحل مشاكل النوم التي تزعج الكثير منا. وفي ضوء جميع الدراسات المذكورة أعلاه التي توضح الفوائد المعرفية والعاطفية للنوم المناسب، قد تميل أيضًا إلى القول إن البحث الحديث يلحق ببساطة بالحكمة الروحية القديمة. وهذا حقيقي إلى حدٍّ كبير. لكن لا تفوّت المغزى الرئيسي: أن النوم هو فرصة للنمو كشخص، وحل المشاكل غير المتعلقة بالنوم، والارتقاء الروحي.

ابتداءً من الليلة، تعامل مع وقت النوم مثل (الطقس/الليتورجيا) التي تتخذ فيها قرارًا بالسعي إلى مزيد من العمق الفلسفي والوضوح حول الحياة.
وربما تتطلع -ذات يوم- إلى (مغامرتك الليلية) فتجد نفسك تنام في الوقت المحدد.

مقالات مهمة حول النوم:

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..