لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
حضرت بالأمس ندوة عن أهمية التحرير الأدبي. ضيوف الندوة هم كاتب عربي من الكويت يملك دار نشر، وكاتبة عربية من لبنان تكتب قصص للأطفال وتملك دار نشر لنشر كتب الأطفال، والضيفة الثالثة كاتبة ومحررة أدبية أمريكية. بدأ النقاش بحقيقةٍ صادمة أن أغلب دور النشر العربية لا تملك ثقافة التحرير الأدبي.
ما هو التحرير الأدبي؟
المقصود بالتحرير الأدبي فن الكتابة الصحيحة، أي أن تكون الصياغة محكمة تؤدي المعنى المراد بالتعبير عنه.ووظيفة المحرر الأدبي من الوظائف المهمة عند دور النشر الغربية، فقبل أن ينشر المؤلف كتابه لا بد أن يمر بعملية التحرير الأدبي، لأن الكاتب قد يركز على الفكرة فقط وينسى تركيب الجمل والفصاحة اللغوية، فيكون ذلك هو دور المحرر.
التحرير الأدبي ودور النشر العربية
تعتمد دور النشر العربية على قبول الأعمال الأنسب من وجهة نظر الناشر، وتشترط أن يكون العمل خالٍ من الأخطاء اللغوية لأنها لا تقوم بالتحرير الأدبي للنصوص التي ستنشرها، وبالتالي ترفض الكثير من الأعمال التي تحتاج لتحرير وتدقيق لغوي. قال ذلك الكاتب صاحب دار النشر، ففي كل عام تستقبل دار النشر الذي يُديرها أكثر من 500 نص أدبي، ويقوم الفريق في الدار باختيار أفضل 25 نص، وهي النصوص التي تحتوي على أقل عدد من الأخطاء وتحمل أفكارا تستحق النشر حسب معايير الدار، وقد تعرض بعض تلك الأعمال لمدققٍ لغوي، وأشار أن دار النشر لا تقوم بالتحرير الأدبي للنصوص لأنها تختار من بين عددٍ كبير من النصوص ما تراه صالحًا للنشر.وتؤكد ذلك الكاتبة التي تدير دار نشر لقصص الأطفال، فهي أيضًا تتبع نفس السياسة، اختيار عدد من النصوص من بين عدد كبير من النصوص التي تصل لدار النشر، الاختيار يكون للنصوص التي لا تحتاج لتحرير أدبي وتكون شبه مثالية حسب معايير الدار.إذن دار النشر العربية لا تقوم بالتحرير الأدبي، وتلك التي ترى أهمية التحرير الأدبي قد تُواجه بالرفض من المؤلف العربي الذي لا يستسيغ فكرة أن يتم إدخال أي تعديل على نصّه، فهو يريد أن ينشر النص كما هو، قالت هذا مالكة دار نشر كتب الأطفال، وذكرت أن إحدى الكاتبات شرعت بالبكاء عندما نصحوها ببعض التعديلات على قصتها لتخرج بشكلٍ أفضل ورفضت بشدة، وبالتالي رفضت دار النشر نشر قصتها كما هي.
المحرر الأدبي ودور النشر الغربية
لكن المحررة الأمريكية تذكر أن الأمر يتم بشكلٍ مختلف في بلدها، فعملها قد يبدأ مع الكاتب حول الفكرة ذاتها قبل الكتابة فتتعاون مع الكاتب أثناء كتابة النص، فتلتقي به على فترات لمراجعة النص وتوجيهه لتشذيب النص من أي فقرات قد تعيبه وترشده لأفضل الأساليب الإبداعية التي تخرج النص بشكلٍ إبداعي يشد القارئ، وأحيانًا تراجع النص الأدبي الذي انتهى منه الكاتب وتناقشه فيه، أين أعجبها النص وأين لم يعجبها؟ وتساعد الكاتب على أن يقوم بتعديل النص ليبدو أكثر إقناعًا وقوة، قد تطلب منه أن يحذف فقرات ويضيف أخرى.هي ترى أن عملها مُكمّلًا لعمل الكاتب، الكاتب يملك الفكرة لكنه قد لا يعبر عنها بطريقةٍ مناسبة، فقد يضعف النص بالتكرار أو بالاختصار أو بكتابة الفقرات بطريقةٍ تقلل من جمال النص. وتوضح أن الكاتب المبتدئ، وربما الكاتب المحترف في كثيرٍ من الأحيان ولأنه ملتصق بالنص فقد يقع في أخطاء فنية أو لغوية، ونصّه بحاجةٍ لبعض التشذيب ليكون أكثر إبداعًا وحِرفية، وهنا يأتي دور المحرر الأدبي الذي تعينه عادةً دار النشر لأنها تحترم القارئ وترفض أن تصدر كتابًا يحمل اسمها وفيه أي أخطاء أو مظاهر نقص.بعض الكُتّاب في الغرب يتعاملون مباشرةً مع المحرر الأدبي ويستمعون لنصائحه التي تعينهم على إخراج العمل الأدبي بشكلٍ محترف وعالي الجودة. بل إن المحرر الأدبي قد يرافق الكاتب منذ بداية صياغة النص، يوجه المحرر الكاتب لنقاط القوة في الفكرة ونقاط الضعف، وهو بذلك يساعده على طرح الأفكار التي تساعد في إخراج النص بشكلٍ احترافي يجذب القارئ.لكن الوضع مختلف في البلاد العربية، حيث لا توجد ثقافة التحرير الأدبي، والكاتب ينتهي من النص دون أي مساعدة، وقد يخضع كتابه للتدقيق اللغوي فقط، فنرى أعمالًا أدبيةً تعاني من الحشو، والتكرار، والتناقضات، إضافةً للأخطاء الإملائية واللغوية، وخلو بعضها من الفهرس والغلاف الجيد.
نجيب محفوظ والتحرير الأدبي
تذكر صحيفة العرب الإلكترونية في أحد مقالاتها أن الأديب الراحل نجيب محفوظ عهد إلى الأديب طه حسين بمراجعة رواية أولاد حارتنا، وهذا لا يقلل من مكانة الأديب نجيب محفوظ، لكن دور النشر العربية لا تتعامل مع المحرر الأدبي وتفترض أن على الكاتب أن يقدم نصًا كاملًا خاليًا من العيوب، ولهذا ترفض أي عمل يحتاج للتحرير، وهذا يفسر سبب الأخطاء التي نجدها في بعض الكتب المنشورة، وبعضها فكرته ساذجة كانت بحاجة لإعادة كتابة لتخرج الفكرة بشكلٍ أفضل، ناهيك عن خلو بعض الكتب من الفهارس أو أن تحمل صورة غلاف غير مناسبة.والنصيحة التي تقدم للمؤلف العربي قبل عرض عمله الأدبي على دار النشر، أن يعرض عمله على ثلاثة من الأصدقاء أو المهتمين بالأدب للتأكد من أن العمل متناسق ولا وجود للتناقض فيه، مع افتراض أن نقدهم سيكون بعيدًا عن المجاملة والمديح وهذا أضعف الإيمان.لعل دور النشر العربية تصحح موقفها هذا مستقبلًا ليجد الكاتب العربي من يساعده في طرح الأفكار التي تعينه على عملية الخلق الفني والإبداع، فتخرج الأعمال الأدبية العربية بمستوى منافس لتلك الأعمال الأدبية الغربية والتي تجذب القُرّاء العرب من الشباب، فيجدون فيها المتعة والفائدة والاحتراف.
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد