لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
“حتى في الموسيقى .. صوت الطبل أعلى من صوت القانون” مارسيل خليفة . طرقات المطر على شرفة منزلها، ساحرة هي أشبه بأصابع عازف بيانو في حفلةٍ ممتلئة، تستمع لصوت اللحن بانبهارٍ حالم وتقاطعك تلك الأصوات!؟ أصوات الحاضرين، إنها حالة من الفوضى، حيث يرتفع صوت الحضور على اللحن.
هكذا صوت المطر والرياح بالنسبة لي ألحان وموسيقى، ممتزجة بأصوات الناس في الشوارع، لا تشبه شيء آخر، هي مميزة منفردة بذاتها، لكن لا أحد يستمع لها بالرغم من أنها مختلفة لأن قيمتها الحقيقية في جوهرها، في الاختلاف وبجمالها الذي لايتكرر.
لأننا اعتدنا على التكرار لدرجة أننا طمسنا هويتنا الحقيقية لنصبح شخصا آخر يليق بالمجتمع، نسخة أخرى بعد لتكتمل مجموعة النسخ المكررة، فقدنا ثقتنا بأنفسنا وبأطفالنا أيضًا فأجبرناهم على أن يصبحوا كفلان وعلّان وابن الجار وابن الجارة، أو يتشبّهوا بهم أيضًا.
برغم معرفتنا أن التقليد أرخص من الأصلي وأقل فائدة، بينما الأصلي يعود دومًا لأصله لأنه يستحق ثمنه، هناك أشخاص دفعناهم لأن يصبحوا نسخا من أشخاص ناجحين نعرفهم دون أن نجعلهم يقرروا حياتهم بإظهار جمال حياة المشاهير، بالرغم من أن بعضهم يعيش تعاسته خلف تلك الشاشات متظاهرًا أمامها بالعكس.
"لا بأس من الاستفادة من تجارب الغير، لكن تقليد الآخرين لا يعني أنك ستحصل على ما حصلوا عليه” مارتن لوثر كينغ
أسباب انتشار التقليد بالمجتمع
1- الغيرة من الآخرين والحسد حيث أصبحت حياة الآخرين مكشوفة بجميع برامج التواصل الاجتماعي.
2- عدم الرضا بما كتبه الله لك كلون البشرة، حجم الجسم، العائلة والدخل المادي والرغبة بتغيير الواقع بالتشبّه بشخصٍ آخر.
3- التظاهر لكسب حب أو رضا الطرف الآخر.
4- الأمراض النفسية، حيث يرغب البعض أن يكونوا شخص آخر غير أنفسهم حيث يقوم البعض بعمل أكثر من عملية تجميل ليصبح شبيه جدًا بفنّانه المفضّل.
كما أن هناك بعض الاضطرابات النفسية المعروفة، والتي يُعاني فيها الشخص من عدم تقبّله لأعضاء معينة في جسده قد عانى منها بعض المشاهير.
الأنف هو الجزء الأول والأكثر الذي يُعاني منه بعض الأشخاص الذين يُعانون من اضطراب نفسي معروف اسمه باللغة الإنجليزية (Dysmorphopobia) يكون الشخص الذي يُعاني من هذا الاضطراب، يرى أن أنفه غير متوازٍ، أو أن إحدى فتحات الأنف أكبر من الأخرى ويُجري عملية واثنتين، وربما أكثر لتصحيح أنفه ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد يتكرر الأمر لدرجة أنه يعجز عن التوقف.
وأظهر بعض المشاهير أنه نادمًا على تصوير عملياته الجراحية التجميلية في السناب ورغبته بالابتعاد عن هذا الهوس والإدمان الذي أفسد حياته حيث أول عملية تجميلية قام بها في الأنف، وكان سبب ذلك تنمّر الآخرين وسخريتهم من شكل أنفه مما جعله يقوم بالعديد من العمليات الجراحية التي كان لجسده النصيب الأكبر منها حتى أصبح مدمنًا أو مهووسًا بالعمليات التجميلية وتحسين المظهر.
من الأعراض الشائعة والسلوكيات المرتبطة باضطراب التشوّه الجسمي هي الاستخدام الكثيف لمستحضرات التجميل مع تصور وجود عيوب جلدية والإكثار من وضع مرطبات الجلد خوفًا من الجفاف أو المرض. «حينما تعجز أن تكون أنت توقّف عن التشبّه بالآخرين» فايزة العجلان
5 أشياء اختفت من مجتمعنا وتعاملاتنا مع الناس بسبب التقليد
١- العفوية بالحديث.
٢- الصدق في التعبير.
٣- أن تكون أنت كما أنت دون أن تتميز أو تتفرد بشيء.
أو تقوم بعملية تجميل لتكون أجمل في نظر شخصٍ آخر.
٤- القناعة حيث يغلب المجتمع عدم التقبل والتسخط وعدم الرضا بالمكتوب.
٥- انعدام الخصوصية حيث أصبحت حياتنا وسمًا في تويتر يتداوله البعض أو على سناب شات أو صورة في انستقرام أو مقطع متداول في يوتيوب أو صورة سخيفة في فيسبوك.
"أثبت علم نفس الجماهير كما أكدّت الخبرة، أنه من الممكن التأثير على الناس من خلال التكرار المُلح لإقناعهم بخرافاتٍ لا علاقة لها بالواقع" علي عزت بيجوفيتش . وهكذا هو الإعلام، الآخرون يشجعونك على التفرد والتميز بأن تكون مختلفًا، لكنهم يصفّقون للتكرار، يشجّعون النسخ على أن تكن نسخًا أخرى لأشخاص آخرين بحثًا عن قدوةٍ يتبعونها، وضعوا لهم المشاهير في كل مكان، النسخ مكررة لدرجةٍ تبعث على الغثيان.
هل أصبحت منازلنا زجاجية لهذه الدرجة!
المنزل الزجاجي هو المنزل الشفاف القابل للكسر، الذي ترى جميع ما بداخله بشفافيةٍ ووضوح، هذا ما أصبحت عليه منازلنا. نماذج مصغرة لحياة شخصٍ آخر لا يشبهنا، ملابس وأحذية تباع في مواسم معينة، ماركات أصلية ومقلدة، عقول مستعارة لا تمتلك أهداف أخرى سوا أن ترتدي كالآخرين وتتحدث مثلهم وتنام على سرير مشابه لأسرتهم.
“عقول فارغة أكبر همّها أن تكون شخصًا آخر لا يمثّلها أبدًا لكن يمثّل فكر آخر لشخصٍ آخر لن تكون هو أبدًا حتى لو قلدته ، مؤسف حقًا أن تكون النظارة ماركة، والساعة ماركة، والحذاء ماركة، والشخصية تقليد” إبراهيم الفقي
عمليات تجميل للتشبه بفنانٍ آخر، قنوات تحمل محتوى غير هادف، فتيات يبحثن عن الكمال في طمس هويتهم تمامًا والتشبّه بأخريات سخيفات جدًا، ورجال ونساء يلبسون ثياب لا تمثّل قيَمهم ولا أخلاقياتهم، يتركون الأصل ويتبعن المقلد، يسمعون أغاني لمغنّين يشتمونهم وهم لا يعلمون كلمات الأغنيه وبغباءٍ ساذج يتغنون بها.
هذا ما حذرنا منه الرسول صلى الله عليه سلم عندما قال: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه»
وفي الختام عزيزي القارئ
أرجوك مجددًا ليس من أجلك بل رحمةً بأعيننا ورحمةً بأطفالنا ولمن حولنا أرجوك، لا تكن تابعًا، فالنسخ سئمت التكرار من نفسها والتقليد رخص ثمنه. عندما لا يكون لديك محتوى جيد لتقدمه أرجوك حاول أن تقدم أي شيء عدا أن تكون تابعًا لشخصٍ آخر، أو توقف عن تصوير حياتك للآخرين، لأن الآخرين لا يملكون ما تملك، ولا يستطيعون العيش بطريقتك وقد تتوقف حياتهم بسببك. توقف عن الإعلان لشركات الأدوية ومكملات الجسم فجسدهم قد لا يتحملها مثلك، توقف عن الترويج لحملةٍ ما فرؤيتنا قد تكون مختلفة عنك، لكن سنتبعك بسبب أن الأغلبيه معك. ولمن يقلدهم ويتابعهم توقف عن جعل الحمقى مشاهير بتشجيعهم على تسميم عقولنا باللامحتوى.