لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
يعد الاطلاع على قصص النجاح والتجارب الواعدة نافذة على نماذج ملهمة للملايين من المتشوقين لإطلاق مشاريعهم وشركاتهم وأعمالهم، ويزداد إغراء هذه القصص حين يرويها الناجحون بأنفسهم مستخلصين عصارة تجاربهم التي غدت مكتوبة بحروفٍ من ذهب في تاريخ الأعمال، ففي كتابه الشهير (من الصفر إلى الواحد) الذي أعدّه بالتعاون مع بلايك ماسترز، يقدم “بيتـر ثييل” (Peter Thiel) ، نموذجًا للرجل الذي انطلق من اللاشيء.
فبعد أن رُفض ترشّحه للقبول بالمحكمة الدستورية في الولايات المتحدة والذي كان يعتبره حلم حياته، استطاع أن يبدأ من جديد عبر دوره الفعال في تأسيس شركة “باي بال” (Paypal) العملاقة، ثم ليغدو من أوائل المستثمرين في فيسبوك عند تأسيسه، وهو الآن صاحب ثروة تفوق2.5 مليار دولار.
صدر كتاب (Zero To One) أو (من الصفر إلى الواحد) في عام 2014 متضمنًا خلاصة تجارب ثييل التي غدت منارة لمؤسسي الشركات والأعمال. بعض المبادئ التي اتبعها “ثييل” وساعدته في الوصول إلى النجاح:
1ـ انطلق من فكرة مبدعة
يرى الكاتب إن الانطلاق “من الصفر إلى الواحد” هو أصعب مرحلة في مشوار التأسيس، لذا يجب أن يمتلك من يرغب بتأسيس مشروعٍ ما، القدرة على توليد الأفكار الإبداعية التي من شأنها أن تنقله من اللاشيء إلى شيء يمكن البناء عليه وتطويره، ويؤكد بيتر ثييل أن التأسيس يكون من خلال مسارين المسار الأول “من الصفر إلى الواحد” هو أصعب مرحلة في المشوار الريادي، لأنه يعني الانتقال من “اللا شيء” إلى “الواحد” والمسار الثاني هو الانتقال من “الواحد” إلى “المليـون فما فوق، وهو أمر أسهل وأبسط بكثير لأنه مجرد بناء وتطوير للمشروع والمنتج الذي أصبح موجودًا بالفعل، لهذا فإن من أصعب الأشياء في انطلاق المشروع هو إيجاد فكرة مبدعة أو فكرة الانطلاق.
2ـ النجاح الدراسي ليس نهاية كل شيء
ثمّة قصة ركز عليها الكتاب تدور حول ابنتين أحدهما تفوقت في دراستها، فيما تعثرت الأخرى دراسيًا، ومع مرور الأيام تخرجت المتفوقة وبحثت عن وظيفة فلم تجد سوى معلمة في حضانة أطفال براتبٍ قليل، بينما الأخرى أسست شركة مستحضرات تجميل خاصة بها تدر عوائد سنوية قدرها 2 مليون دولار، تشير هذه القصة إلى أن المعايير التقليدية للنجاح كالتفوق الدراسي، ليس بالضرورة أن تؤدي لتحسن الحياة، لذلك يجب أن يدرك المرء قدراته الحقيقية ليعرف أين وكيف يوظفها.
3ـ لا تغرق في أهداف ثانوية
يُستخلص مما كتبه ثييل على أن الغرق في أهداف ثانوية يؤدي لضياع تحقيق الهدف الحقيقي، فحين تتركز جهود الدارس على منافسة الآخرين تغدو المنافسة هي الهدف بحد ذاته، فيما يضيع الهدف الحقيقي من الدراسة، ويشير الكاتب إلى أن النظام الدراسي العالمي الحالي يشجع هذا الضياع بالنظر لتكريسه شغف البشر الشديد بالمنافسة لأجل الظهور بمظهر المتفوق فحسب، بصورةٍ تنسينا لماذا ندرس بالأصل، هل لأجل التفوق على الآخرين أم لأجل تحسين الحياة وجعلها أفضل من ذي قبل؟
4ـ احذر الغرق في المنافسة الشخصية
الواقع أن الشغف المدمر بالمنافسة، على حد وصف الكاتب، أحد الأمور التي تحد من تطور المشروع، لأنه يؤدي دائمًا للدخول في منافسات تؤدي لعواقب وخيمة، لذا يجب التمييز بين الحدود الفضلى للشيء والحدود الخطيرة له، وأن هذه الحدود تتغير بتغير الوقت، فالقليل من المنافسة يدفع الناس للتقاعس والتكاسل، والكثير منها قد يؤدي للجريمة.
يضرب الكاتب مثلاً شركتي جوجل وميكروسوفت دخلتا في منافسة شديدة، وفي عام 2013 أصبحت القيمة السوقية لشركة منافسة لهما ( شركة إبل) 500 مليار دولار، علمًا أنها قبل ثلاثة سنوات كانت قيمتها أقل من مايكروسوفت وجوجل منفصلتين، في حين أصبحت القيمة السوقية للغريمين معًا 467 مليار، لقد أدت المنافسة للإضرار بهاتين الشركتين، لاسيما حين تتحول المنافسة من منافسة تجارية إلى منافسة شخصية.
5ـ يجب عليك أن تؤمن بأن هناك أسرار لم تكتشف
يشير الكاتب إلى خطورة الاعتقاد بأننا وصلنا على معرفة كل شيء ولا جديد نسعى إليه، مبيّنًا أنه بالرغم من الاكتشافات الجغرافية الضخمة، التي جعلت الناس تعتقد بأن العالم كشف لنا كل أسراره وبالتالي لم يعد هناك جديدًا لنكتشفه، فإن مجلة ناشيونال جيوغرافيك ما زالت تعرض صورًا لأماكن غريبة وعجيبة ومثيرة، في كل بقعةٍ من الأرض.
ما يعني أن بقاعًا كثيرة من الأرض ما زال الناس بحاجةٍ إلى استكشاف أسرارها، وأن هناك دائمًا أسرار تنتظر من يكشفها، ويشدد الكاتب: إذا لم تؤمن بهذا فاعرف أنك تقليدي ممل ولن تحقق شيء، ويضرب مثلاً كيف استطاعت شركة إتش بي المنتجة للطابعات بفضل المهندس توم بيركنز وفريقه من خلال تقديمها لابتكارات جديدة، أن تصل إلى قيمة سوقية بلغت 135 مليار دولار عام 2000، ثم انحدرت هذه القيمة بعد تسلم العمل فريق غير مؤمن الابتكار إلى 23 مليار دولار عام 2012.
بالنتيجة، وبالرغم من أهمية تناول تجربة ثييل وغيره ليعرفها الجيل الشاب المقبل على العمل ويستفيد منها، فإن أي تجربة فردية لا يمكن أن تعطي النتائج نفسها في كل مكان وزمان، بل قد تؤدي لمنعكسات سلبية فيما لو طبقت في مكان وزمان غير مناسبين لذلك أدعوك أيها القارئ العزيز للبحث عن تجربة نجاحك الخاصة أو بالأحرى تجاربك المتعددة ومحاولاتك الجدية، التي مهما كانت بسيطة لا تقلل من أهميتها، فإنها قد تضعك على طريق النجاح وتؤدي لنتائج عظيمة.