لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
شكّل الفن ثورةً واهتمامًا من قِبَل الإنسان على مرّ العصور، فنراه برموزٍ تجريديةٍ أو رسوماتٍ لحيواناتٍ على الكهوف وغيرها، وقد صُنّفت هذه الرسومات حسب بعض النتائج والبحوث أنها ليست مجرد رسومات، وإنما كانت تستخدم كلغة تواصلٍ بين البشر في ذلك الوقت من خلال رسم رموز الأشياء وقراءتها لفهم المقصود.
ويعكس هذا شغف الإنسان وعلاقته الأزلية بالفن. ولا عجب في هذا، فالإنسان يهرب للفن حين تضيق به الحياة ليجد فيه فسحةً للروح وأُنسًا يفصله عن واقعه الجِلف، ويلجأ الفنانون للفن في حزنهم ليُنتجوا إبداعًا يُمتّع الروح والبصر، فكما يُقال "يولد الإبداع من رحِم المعاناة".
ما هو الفن؟
الفن هو كل إبداعٍ يُنتجه الإنسان بأشكاله المختلفة، ويُعتبر أحد أوجه الثقافة الإنسانية الممتدة منذ خَلْق الله للإنسان، لذا هو مرتبطٌ به منذ نشأته.
ولكن إذا تساءلنا كيف يستطيع الإنسان تقييم الفن؟ وتصنيفه من حيث الجمال؟ وهل الكل لديه المقدرة على تقييم الفن؟
قد يكون بإمكان الكل تحسّس الفن والشعور به، وبالتالي تقييمه. وهبنا الله البصيرة التي من خلالها نستطيع تقييم الفن والولوج لدقائق الأمور وتفاصيلها والشعور بها، ورؤية ما خلف السطح. ولكن يختلف هذا التقييم من شخصٍ لآخر بنسبٍ متفاوتة، وينبع هذا الاختلاف من التأثر بالمجتمع والبيئة المحيطة أو التربية الفنية للشخص، كون الفن بالأصل ظاهرة مجتمعية. فالجمال في النهاية أمرٌ نسبي. فقد ترى شخصًا يتمازج شعوره مع لوحةٍ ليبكي في تأمّلها، وآخر يراها عاديةً لا تؤثر فيه.
تاريخ بداية الفن
يقال أن الإنسان بدأ الفن قبل 30 ألف سنة، وقد اُستدلّ على هذا من خلال الرسوم والرموز التجريدية على الكهوف، من حيواناتٍ وغيرها. والتي بدأت في أحد أقدم العصور الحجرية وهو العصر الباليوثي.
وصلت بعدها الفنون للعصر الإغريقي الذي تطوّر فيه الفن بشكلٍ ملحوظ، والذي شكّل هذا الفارق الديانات الوثنية التي تعتمد على الأصنام، فانعكس شغف الإغريق بالفن في بناء وتزيين المعابد.
استمر الفن بعدها بالتطوّر والتوسّع إلى أن انتشرت المسيحية والتي حطّم فيها المسيحيّون الأصنام كونها تابعة لدياناتٍ وثنية. بهذا بدأ عصر الانحطاط أو "الفن البيزنطي، الكنَسي" وتأتي هذه التسمية لاقتصار الكنيسة على هذا الفن الذي يُعنى برسم القدّيسين ومريم العذراء وعيسى عليه السلام، وكان هذا النوع من الفن يُهمّش تفاصيل الوجه وانعكاس الشعور على ملامح الإنسان، ولم يُعنى بالألوان أيضًا، فتخرج لوحة باهتة لا تتفاعل معها.
استمر هذا الانحطاط في الفن إلى أن جاء القدّيس فرانسيس والذي جمع بين حب الطبيعة والإيمان بالدين، فقد طمس بدوره هذا النوع من الفن حيث بدأ بتنقيحه ومعالجته على يد الفنان الإيطالي المعروف بـ”تشيمابو" في القرن 13 الميلادي، وقد منح تشيمابو الفن الكنَسي لمحةً إنسانيةً تجسّدت في رسوماتٍ صوّرت مشاعر الإنسان من عطفٍ وحُبٍ وحُزن.
الفن في إيطاليا
ينتمي تشيمابو لمدرسة فلورينسا الإيطالية، وخلِفه بعده تلميذه “جوتو دي بونديني” الذي أتى فاصلًا بين الفن الكنسي ونهضة الفنون، ولكن بالرغم من هذا التقدم إلا أن الكنسية ظلّت الراعي الأول للفن في القرن 15 الميلادي.
أخيرًا فُصل الدين عن الفن، والذي كان رمزًا له الفنان الإيطالي “آلسندرو دي ماريانو”. توسّع بعدها الفن وتعددت مدارسه بين أنحاء أوروبا إلى أن ازدهر في فرنسا في القرن 17 الميلادي الذي تأسست فيه الأكاديمية الفرنسية للفن عام 1648م بهدف الارتقاء بالفن، ولكن من المؤسف أن ما حدث كان عكس ما هو متوقعًا، فالأكاديمية قيّدت الفن وجعلته حكرًا على طبقةٍ معينةٍ ممن ينتسبون للأكاديمية بحيث كان يُسمح لهم فقط عرض أعمالهم.
الفن في فرنسا
في عام 1798م قامت الثورة الفرنسية التي أوقفت هذا الاحتكار والتقييد، وبدأ تعدد الأفكار والمسارات مما منح الفن حريةً بشكلٍ أوسع، فظهرت على إثر الثورة الفرنسية عدة تيارات، مثل "الفن القديمي" وهو الذي يُعنى بالعصور القديمة، فكان يعكس في ذلك الوقت الأساطير الإغريقية وآلهة الرومان. وتلاه بعدها "تيّار الخياليون" ممن يستمدّون إبداعهم وأفكارهم من العصور الوسطى ومن القصص والشعر والخيال. ثم ظهر “تيّار القراريون” وهم الذين يرسمون ويجسّدون الأشياء كما هي بتفاصيلها الدقيقة دون إضافةٍ أو اختلاف.
ثم توالت المدارس وتطوّر الفن إلى أن اُخترعت الآلة الفوتوغرافية التي كان لها دورًا فاعلًا في تطوّر الرسم، وكان لهذا أثرًا إيجابيًا في دخول العديد من الأفكار المبتكرة غير التقليدية على فن الرسم، ونتج تحديًا بين الرسّامين إثر اختراع هذه الآلة، في كون لو أن الآلة بإمكانها تصوير الجسد، فعلينا نحن الرسّامين تصوير الفكرة، مما أدّى إلى نشوء مدارس عدة مختلفة مثل “المدرسة الوحشية – التكعيبية – السريالية..” وغيرها من مدارس العصر الحديث.