لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
قرأتُ ذاتَ يوم أنَّ الترجمةَ هي أسرعُ طريقٍ لكتابةِ مقالٍ فمجرد أن تنقلَ الأفكارَ والتصوراتِ من لغةٍ إلى أخرى، فأنت بذلك قد كتبتَ مقالاً وأثريت المحتوى وتراكمت مقالاتُك وزادت. ولكنَّ الأمرَ يأخدُ أبعادًا أخرى، فالترجمةُ فنٌّ له متعته الخاصة وتذوّقه المختلف. لا يتعلقُ الأمرُ بكتابةِ مقالٍ فقط، إنما بما يكتسبه المترجمُ من ترجمةِ المقال ونقل الأفكار.
إليكم بعضُ الفوائد التي أجنيها من الترجمة
الاطلاعُ على الثقافاتِ الأخرى
عندما أترجم فإنني أسافر إلى بلادٍ بعيدةٍ وأنا في بيتي. أطّلع على العوالم الأخرى من خلال ما يُسطّرهُ الكاتبُ على الورق. أرى كيف تؤثرُ البيئاتُ المختلفةُ على مستوى الكاتب وثقافته، وأتفاعلُ مع الكاتب ومقاله وأفكّر كيف لي أن أترجم رؤيته ومشاعره بصورةٍ دقيقةٍ يفهمها القرّاءُ دون أن يتشتت هدفُ الكاتب. إنها مهمّةٌ قد تكون صعبةً نوعًا ما لكنها ممتعة.
دعوة للتأمل والتفكّر
كلُّ كاتبٍ يكتبُ بحسب المعطياتِ المحيطة به ومدى تأثره فيها. عندما أقرأ لأولئك فإنني أتفكّر ماذا لو أن هذا الكاتب عاش في بيئةٍ مختلفةٍ عن بيئته بكل المعايير والتفاصيل؟ ماذا كان سيكتب؟ وما الأسلوب الذي سوف يختاره؟ وما نوعية البيئة التي يعيشها الآن والمجتمع الذي يحيا بين أفراده الذي دفعه لكتابةِ مقالٍ كهذا.
الدخول لعقل الكاتب
إنني أقرأ أفكار الكُتَّابِ وما تحويه عقولهم من خبراتٍ وتصوراتٍ وطموحات، وأرى كيف يفكرون وما الذي دفعهم للكتابة، إنه لأمرٌ ممتعٌ أن تعيشَ لحظةَ إمساك الكاتب بالقلم ورؤية ما سيكتب بعينٍ فاحصةٍ وتقرأ ما بين السطور وتسير معه للنهاية. فقد تكون هناك عبارات أرادها الكاتبُ لا تُفهم الا اذا أمعنتَ النظر في مقاله وقراته أكثر من مرة. ذلك الإمعانُ وتلك الدقةُ مهمّان جدًا لإتقان الترجمة.
إتقان اللغة المترجم إليها
لا تصلحُ الترجمةُ الحرفيةُ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ ولن تعطيَك المعنى المرادَ إيصاله للقارئ بل قد تفسد المعاني وتبتعد عن مغزى الكاتب. لا بد أن تتقن اللغة المترجم إليها وتعرف مواطن الجمال فيها وأدبياتها فسوف يفيدُك ذلك في نقلِ ما أراد الكاتب من لغة إلى أخرى بشكل يشجع القارئ على الاستمرار ويحفظ المعاني من الانهيار.
صديقنا جوجل
الترجمةُ عند صديقِنا جوجل مفيدةٌ إلى حدٍّ ما لكن لابد من تحويرِ العباراتِ وإعادةِ هيكلتها فجوجل صديق غيرٌ وفيّ. فقد يعطيك عباراتٍ غيرَ منسقةٍ ويترجمُ حرفياً لذلك لابد لمن يتعاملُ معه أن يكونَ قادراً على إعادة تنسيقِ النصوص أدبياً وبلاغياً. فإن أخذت كما هي فقد يدمّر ذلك المعنى ويجعله يتلاشى.
النّهمُ لمزيدٍ من الترجمة
ما أن أنتهيَ من ترجمةِ المقالِ حتى أبدأ بالبحثِ عن غيره ولسانُ الحال يردد “هل من مزيد”. حقًا إنه النهم لالتهام مزيدٍ من المعلومات وللتعرف على مزيدٍ من الثقافات. لا تتوقف الرغبة في الترجمة مطلقًا. إنه مَعين أنهلُ منه ما أشاء ثم أسكب منه للقرّاء. شعورٌ بالعطش لمتعة الترجمة وجمالها وما تحويه من أفكارٍ ومعانٍ جديدة.
ماذا عن التخصص؟
ليس بالضرورةِ أن تكون متخصصًا في مجال الترجمةِ أو اللغة التي تُتَرجم منها أو إليها. فليس كلُّ مُتخصصٍ موهوب. يكفي أن تكونَ متقنًا ومجيدًا للغتين ولديك علمٌ في كيفيةِ تركيبِ الجمل بلغةٍ متينةٍ قوية. بالطبع التخصص مطلوب لكن ليس أساسيًا في قبولِ الأعمال، فليس كل المبدعين متخصصين. أنصحك نصيحةً ذهبية؛ إن كنت لا تجيد تركيب الجمل وإضفاء لمساتٍ جماليةٍ أدبيةٍ بلاغية على المقالات المترجمة ولا تتقن نقل أفكار الكُتَّاب، فلا تُرهق القرّاء في فك شيفرة كتاباتك المُترجمة واترك الترجمة مؤقتًا واقرأ كثيرًا وتعلّم ثم تعلّم ثم عُد مرةً أخرى لإثراء المحتوى، عندها ستشعر بالفرق وكم أنك تحسّنت في المجال.
عالمُ الترجمةِ جميلٌ أخّاذ
لقد امتلأت الساحةُ بالمترجمين سواءً المتخصصين أو الهواة، وحتى تعلمَ في أيٍّ منهم تكمنُ الجودةُ لا بد أن تقرأ لهم نصوصًا ومقالاتٍ مترجمة وترى مَن منهم يجعلك تُبْحرُ في المقال وتفهمه بشكلٍ دقيق وتعرفُ مغزى الكاتبِ وهدفَه وتخرجُ من المقالِ بفائدة، ومن منهم يُدخلك في متاهةِ المعاني والألفاظ فيضيع المقالُ الأصلي برداءةِ الترجمة. عالمُ الترجمة جميلٌ وأنيقٌ لكل من تذوقه واستمتع به.
وأخيرًا
الأمرُ ليس صعبًا، لكنه يحتاج منك لجهد، وأن تتعلم فنون الترجمة وتحاول، ثم تعرض محاولاتِك على المتخصصين الخبراء، مرةً بعد مرة سوف تتقنها وتستمتع بها. لا تترجم لمجرد الترجمة، بل لا بد أن تشعرَ وتتذوقَ وتعيشَ في المقالِ بعقلك وروحك.