Loading Offers..
100 100 100

عندما يتحدث المكان… (رواية سمراويت ) و (كتاب القوز ) أنموذجاً

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

إن هوية أي أمة هي صفاتها التي تميزها عن باقي الأمم.

قال تعالى ( إني جاعل في الأرض خليفة ) هكذا بدأ الوجود البشري المعروف ، على هذه البقعة من الكون ، و مع مرور الوقت و تعاقب الأزمنة ، أخذ هذا الزائر الغريب (الإنسان) يتكيف مع هذه البقعة (الأرض) بل و أصبح مرتبطاً بها ارتباطا. عاطفيا عظيماً .

و مع انتشار البشر ، و تنوع ثقافاتهم و مسالك معيشتهم ، أصبح لكل قطعة من هذه المعمورة سماتها الخاصة ،التي تعكس صورة العلاقة الفاتنة التي نُسجت بين هذه البقعة و ساكنيها، و كيف لا تكون العلاقة كذلك و الذكريات لا تحمل إلا على قطعة منها، و الأحداث التي شكلتنا لم تكن إلا بين ثناياها، و ما نحن إلا هي، و ما هي إلا نحن.

وظلت الأمور على هذه الوتيرة (لكل مكان هويته المميزة) حتى جاءت العولمة التي تريد أن تمحوا هذا التمايز الجميل، و العولمة ليست شراً خالصاً، و لكن هكذا هي في هذا الجانب (جانب الهوية). لذلك لا لوم عليها ، إنما اللوم على من  لم يعرف كيف يحافظ على هويته و يظهر تميزها . و كما ذكرنا فإن الهوية ليست إلا ذلك التجانس بين الإنسان و المكان.

و إن كان  هناك الكثير من الحديث عن الاهتمام بهوية المجتمع متمثلة في الإنسان داخل الإنتاج الإبداعي العربي بشكل عام، فإن المكان لم يحظ بذات الأهمية أو ما يقاربها،  و في ذلك يقول الشيخ علي الطنطاوي (رحمه الله) في كتابه مع الناس :( إنه ليس في الدنيا أمة تجهل ديارها، و لا تعرف نفسها إلا نحن العرب).

و بعد فإنه لمن المعلوم أن الكتابة من أكثر الوسائل التي تؤثر في الآخرين، و تساعد في تكوين وعي ما، سواء جاء ذلك التأثير  بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، شأنها في ذلك شأن بقية الأعمال الإبداعية.

لذلك أحببت أن أطرح بين يديكم تجربتي مع كتابين مختلفين في طريقة الصياغة و التصنيف ،لكن الشي الوحيد الذي يجمع بينهما هو الاهتمام بالهوية المكانية والربط بينها و بين التشكلات الثقافية للمجتمع.

الكتاب الأول: سمراويت

 إرتريا ..بلد من بلاد الله التي لم أزرها يوماً ، و لا حتى فكرت في تكبد عنا البحث عنها في  ويكيبيديا كعادتي في البحث عن البلدان هناك.

الحي الإيطالي ذو المباني الراقية ، الكتدرائية العظيمة، مرسى فاطمة، ثم جولة في شارع كمشتانو، قبل التوقف عند أحد المقاهي لشرب كبتشينو أسمره الذي لا يهزم مذاقه الا كبتشينو الطليان.

و هنا أيضاً، أول مسجد في الإسلام، إنه مسجد الصحابة في مصوع  هذه المدينة الثائرة على العدو ، الساكنة عند عتبات هذا المسجد  الذي بناه الصحابة عند نزولهم بها كأول نقطة من أرض الحبشة.

أسمرة ، مصوع ، إدريس محمد إدريس (فنان الحب و الثورة) ، الجبهة الشعبية للتحرير (من احتلال اثيوبيا) ، اللغة التغرينية، قبائل العرب ، الاقتصاد ، وغيرها الكثير . أشياء شاهدتها بعيني في إرتريا و عشتها و اقعاً في داخلي من خلال قلم ابنها المبدع حجي جابر و بين ثنايا روايته الفاتنة (سمراويت).

 ولقد نجح حجي جابر بشكل كبير في أن يصور لنا تفاصيل البيئة المكانية و الثقافة المحلية باقتدار و تميز.

الكتاب الثاني: القوز تاريخ المكان و سيرة الإنسان

كتاب  أهدانيه مؤلفه الأستاذ (غازي الفقيه). و قد كان أول ما تبادر إلى ذهني و أنا أقلب صفحات الكتاب كلام  للشيخ علي الطنطاوي قال فيه :( لو أن أدباءنا عكفوا من  أول هذه النهضة على أن يصف كل أديب قريته التي خرج منها ، و بلدته التي نشأ فيها، ريفها و عمرانها و شوارعها و ميادينها و آثارها وأخلاق أهليها و عاداتهم في أفراحهم و أتراحهم و أعراسهم و مأتمهم و زواجهم و طلاقهم و جدهم و لهوهم و أعيادهم و مواسمهم ، كم كان يجتمع لنا في هذا القرن من الثروة الأدبية ، و كم يغنى تاريخنا و يستفيد أدبنا)

و أشهد الله  إني قد وجدت في كتاب الفقيه جل إذا لم يكن كل ما أراده الطنطاوي من  أدباء  عصره ، إذ تعرفت من خلاله على مدينتي الصغيرة [(بلدة القوز) ٣٥٠ متراً جنوب مكة المكرمة ] كما لم أعرفها من قبل.

و أخيراً .. فإن المكان الذي لا ينطق لا يمكن  أن يعرفه أحد  مهما بلغ من المجد و الأبهة، حتى أبناؤه لن يستطيعوا التعرف عليه بل لن يدركوا  أهميته و بالتالي فإن انتماءهم له يكون هشاً قد يتحطم عند أي حادثة.

و لسان كل مكان  هم مبدعوه من كتاب و فنانين و شعراء و غيرهم ، إن هم أرادوا إنطاقه نطق فصار محط  أنظار أناس لم يكادوا يعرفوه من قبل (كما فعل معي ججي جابر حين جعلني  أهيم في بلاد لم تعني لي سابقاً  إلا مجرد اسم فجعل منها حلماً تشتاق النفس لرؤيته).

وإن هم معشر الأدباء و أصناف المبدعين شحذوا هممهم في وصف مآثر ديارهم و تاريخ الحصى والرمال التي يمشون عليها هم وأبناؤهم و من يسكن ديارهم زاد ذلك من تمسكهم و من حولهم بديارهم و ثبتت لحمتهم و زاد من محبة بعضهم لبعض لِما أدركوا من تقارب  أجدادهم و كيف كانوا على العدو حرباً و مع بعضهم جاراً  و رحما ، و كتاب الفقيه قد زرع فيّ كل هذا.

ثم إن العديد و العديد من الأماكن في بلادنا التي ألجمها  أبناءها تجاهلاً  أو سهوا لو نطقت لتفوقت على الكثير من بلاد الدنيا و لجاوزت شهرتها الآفاق، و إثمها على أبناءها اذ لم يزيلوا اللجام عنها .

‏‫

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..