لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
- الكَمَنجاتُ تَبْكي مَعَ الغَجَرِ الذَّاهِبِينَ إلى الأنْدَلسْ
- الكَمَنجاتُ تَبْكي على العَرَبِ الْخَارِجِينَ مِنَ الأنْدلُسْ
- الكَمَنجاتُ تَبْكي على زَمَنٍ ضائعٍ لا يَعودْ
- الكَمَنجاتُ تَبْكي على وَطَنٍ ضائعٍ قَدْ يَعودْ
في ظل صراعنا في هذه الحياة، نكتشف أننا كنا نلهث وراء السراب، لذا ينبغي علينا التوقف لبرهة وأخذ نفس عميق، والتعمق في حضارتنا، لقد تجاهلنا الكثير من الشخصيات التي كان لها دور في بناء ثقافتنا، وتناسينا كم كنا أمة عظيمة تنير الدروب لكي يهتدي بها الناس أثناء سيرهم في الظلمات.
كنا أصحاب حضارة، وما زلنا، لكن مع وقف التنفيذ، صنعنا الأندلس وحققنا المعجزات، أرّخنا ثقافة لم تُنس رغم كل تاريخ عذاباتنا، كتبنا الروايات والشعر، وكنا أصحاب مواهب وإبداعات، صعدنا المسارح وأغرقنا العالم بسحر ثقافتنا وفنوننا، بنينا معالم خالدة وابتكرنا لغة لم يمحها الزمن.
في أحد الأيام كنت أستمع إلى أغنية الكمنجات بصوت مارسيل خليفة، كلمات الشاعر العظيم “محمود درويش” ظلت تتردد كلماتها في مسمعي، من بينها البيت القائل: الكَمَنجاتُ تَبْكي على زَمَنٍ ضائعٍ لا يَعودْ، أدركت أن البكاء لا يعيد الزمن، لكن تساءلت هل من المستحيل أن نعيد إحياء ولو القليل من تلك الحضارة وذلك الزمن! تجلّت الإجابة على هيئة برنامج اسمه “الكمنجات” كاسم الأغنية تمامًا، بدأت أتابع حلقاته -متلهفة- الواحدة تلو الأخرى، حينها اكتشفت أن الكمنجات محاولة لإعادة بريق العروبة كي لا ننساها وتنسانا.
لقد تناول الكمنجات الكثير من الشخصيات المهمة والقصص الملهمة، والعجيب أن غالبية هذه الشخصيات نسمع عنها بالاسم فقط، دون أدنى دافع من الفضول لاكتشاف حقيقتها، وكان من بينهم شخصية الـ “جفرا”، فالكل سمع بـ“جفرا” والكل تغنى بها في الأعراس والمناسبات.
الـ“جفرا” اختزلت معاني الوطن واللجوء والحب والألم في راحتها… تغنت بها حروف الشعراء والزجالون، ردد الشاعر عز الدين المناصرة عن الـ“جفرا”:
أرسلتْ لي داليةً وحجارةً كريمة
مَنْ لم يعرفْ جفرا فليدفن رأْسَهْ
من لم يعشق جفرا فليشنق نَفْسَهْ
فليشرب كأس السُمِّ العاري يذوي، يهوي ويموتْ
جفرا جاءت لزيارة بيروت
هل قتلوا جفرا عند الحاجز، هل صلبوها في تابوت؟
جفرا أخبرني البلبلُ لّما نَقَّر حبَّاتِ الرمِّانْ
لّما وَتْوَتَ في أذني القمرُ الحاني في تشرينْ
هاجتْ تحت الماء طيورُ المرجانْ
شجرٌ قمريٌّ ذهبيٌّ يتدلّى في عاصفة الألوانْ
جفرا عنبُ قلادتها ياقوتْ
هل قتلو ا جفرا..قرب الحاجز هل صلبوها في التابوت؟
فمن هي الجفرا؟
ولدت الـ“جفرا” في قرية “كويكات” في الجزء الشرقي من سهل عكا، كانت وحيدة أبويها ولم تتلقَ أي تعليم، في حين كان أولاد القرية يتلقونه في مدرسة “كفر ياسيف”، الـ“جفرا” لم يكن اسمًا بطبيعة الحال، إنما لقب أطلقه الشاعر أحمد عبد العزيز علي الحسن تشبيهًا لها بابنة الشاة الممتلئة الجسم، أما اسمها الحقيقي كما تروي إحدى كبيرات السن التي عاصرت القصة فهو رفيقة نايف نمر الحسن، كانت سمراء اللون ذات ملامح ناعمة.
كان أحمد عبد العزيز ابن عمها مفتول العضلات، ويحترف قول العتاب والزجل، تقدم لخطبتها وتمت الموافقة وتزوّجا فعلاً، لكن لم يكن زواجًا موفقًا، لم يستمر سوى أسبوع واحد فأردات الطلاق وطُلقت، حاول إرجاعها كثيراً لكنها رفضت ذلك، بعد ذلك بفترة تزوجت الـ“جفرا” من ابن خالتها محمد إبراهيم العبدالله، ورزقت بالطفل”سامي” والطفلة “معلّى” أما أحمد عزيز فقد استمر بالتشبيب بالـ“جفرا” في قصائده وعتاباته، حتى جمعها في كتابٍ أسماه الـ“جفرا”، وقد كان يقول فيها شعرًا كلما رآها في طريقها للسقاية من عين الماء:
جفرا يا هالربع نزلت على العين جرتها فضة وذهب وحملتها للزين
جفرا يا هالربع ريتك تقبرينــي وتدعسي على قبري يطلع ميرامية
الجملة الشهيرة في الزجل الشعبي الفلسطيني التي لم يخلُ تقريبًا منها أي عرس فلسطيني
“جفرا ويـا هالربـــع بتصيح يـا أعمـامي
ما باخـــذ بنيّكــم لو تطحـنوا عظامي
وإن كان الجيزة غصب بالشـرع الإسلامـي
لرمي حالي في البـحر للسمـك في المــيه”
قصة الـ“جفرا” هي حكاية ساهمت في صنع التراث الفلسطيني والتي تركت بصمتها في الحياة الثقافية الفلسطينية، بقيت طي الكتمان لمدةٍ من الزمن، حالها حال كثير من القصص والشخصيات المدفونة، ولحسن الحظ قامت مجموعة ببذل الجهد لاكتشافها وقامت بنشر القصة على مواقع الإنترنت، لعلها تُحفظ قبل أن تضيع كغيرها من صفحات التراث الفلسطيني.