لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
اعتدت على الخروج لمكان الدراسة قبل موعد المحاضرة الأولى بنصف ساعة، ويُعد هذا الأمر اضطرارًا وليس قرارًا، فلم أكن أفضّل هذا القدوم المبكر وكنت أخرج من البيت بتذمر وأصل للجامعة وأبقى أحدّق في القادمين وأتأمل، ثم تطور الأمر وأصبحت أصطحب معي كتابًا وأقرأه بتمللٍ وأرفع يدي للساعة منتظرة نهاية هذه الدقائق وبدء اليوم الدراسي.
جاءت صديقتي يومًا ومعها كوبان من القهوة وشاركتني واحدًا بابتسامةٍ مشرقة، وشرعنا في تبادل الأحاديث والخطط والنقاشات العميقة، وفجأة تنبهنا لبدء اليوم الدراسي ولأول مرة أغضب من مرور هذه الدقائق. واستمر الوضع هكذا، نحضر مبكرًا نتناقش ونفكر ونخطط ونحل مشاكلنا، وانضمت لنا صديقة أخرى، ثم غيرها، ثم صار المجموع خمس صديقات بخمسة عقولٍ مختلفة.
نتناقش كثيرًا ونفكر كثيرًا، فكان لقهوة الصباح حماسها المختلف، ومذاقها الخاص وروحها الجميلة. بل وتغيرت نظرتي لبقية اليوم فصار أكثر نشاطًا وانضباطًا ورويّة. واستمر هذا الأمر 3 سنوات تبدأ نصف ساعتها الأولى بنقاشاتٍ عميقة وتبادل خبرات واقتراح حلول، فقررت أن استمر إلى أن تخرجنا وافترقنا.
بعدها..
لم تكن الأمور على ما يُرام بقيتُ أنا وساعات الصباح المبكرة وقهوتي وأفكار افتراضية تنتقل عبر القراءة أو الاستماع أو المشاهدة، فقدت الروح والحماسة وتأثر نشاطي ولكن كنت أردد لمَ القلق سأجد البديل عن رفقة الصباح.
بدأت العمل وأصبحت أحضر مبكرًا ومعي قهوتي، والزميلات ممن يحضرن مبكرًا، وساعات الصباح المبكرة والكثير من التذمر والتشكي والقليل من الضحك الساخر. لم يروقني هذا الجو أبدًا فقررت أن آتي على الوقت المحدد وأبدأ يومي بشكلٍ طبيعي مع بدء العمل. وكان الأمر مختلفًا، فالنشاط في تضاؤلٍ وليس هناك استعداد نفسي وتفكير تأملي وأصبحت قائمة مهامي مشتتة. فلا وقت للكتابة ولا للترتيب، ولا أمل بقرار الحضور المبكر إلا أن أصم آذاني أو أهرب بعيدًا.
بعدها..
غيرت عملي جذريًا، فتغيرت بيئة العمل وزميلات المهنة وبقية القهوة وساعات الصباح المبكرة، وزميلة تضطر للحضور المبكر، فآمنت بأن علي أن أعيد النظر حول هذه الدقائق بجدية، فأصبحنا نحضر بابتسامة ونشرع في مناقشة مستجداتنا، وآخر الكتب التي نقرأها، وآخر الدورات التي حضرناها، وكيف نسعى لتطوير أعمالنا وكيف نتشارك في نجاح وتطبيق أفكارنا.
أعادت لي هذه الزميلة حياة الصباح وثمن الساعات الأولى وقيمة تبادل الخبرات، أرجعتني لسنوات الجامعة ولكن بفكري المتقدم والمتجدد، أصبحنا نقدر فن التفكير بصوتٍ عال.
“بورك لأمتي في بكورها” دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم بالبركة للمبكرون تكفي بأن تريح قلوبنا وأجسادنا؛ لنملأ يومنا بما يُرضي ربنا.
لذلك أنصحك بساعات الصباح الأولى وباجتماعاتٍ قصيرة لا تتجاوز النصف ساعة مع من يثرونك ويحببونك بالصباح، ويجعلونك تستيقظ نشيطًا إذا تذكرتهم، فتراكمات هذه الدقائق ستؤثر لاحقًا على طريقة تفكيرك، وستحب ما تعمل، وستخف عليك ضغوط الحياة، فاحرص عليها.
وأما أصحاب الأعمال فلدي اقتراح بأن تجعلوا أول ساعة في العمل (ساعة معرفة أسبوعية) تبدأ الأحد يتبادل الجميع ما تعلّم في الحياة أو في مجال العمل، ويستنير البعض بتجارب الغير واختصارات طرقهم، على أن يتم قياس أثر هذه الساعة المبكرة على أداء الجميع وعلى روحهم، والأهم من ذلك على تبكيرهم في الاجتماعات والمواعيد. لأني أفترض بأن من يحضر مبكرًا في الصباح لا يتأخر على شيء بقية اليوم، وصلاة الفجر في وقتها تنظم أوقات بقية الصلاوات.
وأما من وجد هذه الصحبة في الصباح الباكر فأنصحكم بنشر هذه الفكرة لكل من تحبون، فالحياة بحاجة للحضور المبكر والمواعيد بحاجةٍ للالتزام بها. تمسكوا بهؤلاء الصحاب وشجعوهم على الاستمرار، وقد تعمدت أن أُسمي رفيقات الصباح في الجامعة (صديقات)؛ لأن الصدق والإخاء كان الجو السائد، وأن أُسمي رفيقات الصباح في عملي الأول (المبكرات)؛ لأن لم يجمعنا شيء إلا الحضور المبكر، وأن أُسمي رفيقات الصباح في عملي الثاني (زميلات)؛ لأن ما يدور كان حول الأعمال وتطويرها فكل النقاشات علمية وتطبيقية.
لا بديل حقيقة للأصحاب، فالنقاشات ومصادر التعلم في العالم الافتراضي ستتوفر بأي وقت، ولكن أثر ساعات الصباح الأولى ليس له مثيل، وسعادتك بتحقيق إنجازات اليوم ورؤية أثرها سيبقى معك طول الحياة. وعند الحديث عن ساعات الصباح الأولى فالمقصود ما قبل الساعة الثامنة.
استمد نجاحك من الأوقات وكن ذكيًا ومبادرًا.