لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
إن من أهم المشاعر الإنسانية الأساسية السعادة والحزن والغضب والخوف، ولأنها مشاعر إنسانية بشرية فمن الطبيعي أن يشعر بها الجميع لكنهم يشعرون بها بنسب متفاوتة وتسببها لهم أمور مختلفة، فمنا من يسعده تناول وجبة محببة وآخر تسعده الجلسة المنفردة على شاطئ بحر أو حديقة خضراء ومنا من يغضبه الظلم وآخر يغضبه تكاسل لاعب في مباراة فريقه المحبوب؛ لأن الناس مختلفون متفاوتون فكذلك ردود أفعالهم عن مشاعرهم مختلفة ومتفاوتة.والبشر هم أكثر المخلوقات خوفًا على كوكب الأرض خلافًا لما هو ظاهر وواضح، فرغم أنه لا يأمنك العصفور حين تقترب منه ويطير، ولا يطمئن لك الصرصور فيولي بسببك هاربًا ولا يألفك القط إلا بعد فترات ولا يطمئن لك البعير إلا بعد مدة ليست بالقصيرة لكننا أكثر المخلوقات خوفًا على وجه البسيطة، فبعضنا يخاف من الظلام ومن هذه الحيوانات صغرت أم كبرت، هذه الحيوانات مدفوعة بغريزة البقاء فلا تملك إلا أن تأكل وتتناسل وتبقى حية حتى تموت، أما نحن فنتعلم ونفكر ونجرب وتتكون عندنا الخبرات، مما يجعلنا أكثر عرضة للخوف بحسب خبراتنا وتجاربنا ونتاج ثقافتنا التربوية والعلمية والبيئة العامة التي نعيش فيها.إن الخوف يمكن أن يكون رفيقًا مناسبًا وصاحبًا جيدًا في بعض الأمور والمواقف، لكنه في غالب المواقف يكون عائقًا ومعرقلًا ومانعًا من التقدم أو الإنجاز، فلعلك ترافقني في رحلة قصيرة عن الخوف:
1- بعض الخوف إيجابي
فالخوف من مواجهة الناس في محاضرة أو برنامج تدريبي يدفعك إلى مزيد الإعداد والإتقان والاهتمام بالتفاصيل، والخوف من الفشل الدراسي يجعلك أكثر اهتمامًا بالتحصيل، والخوف من التفكك الأسري يدفعك إلى بذل مزيد من الجهد في التغافل والتواصل، وهكذا.
2- بعض الخوف غريزي
ليس له علاقة بالتعلم ومنه ما هو متعلق بالبقاء وحب الحياة، حتى الذي يلقي نفسه في بحر هائج بقصد الانتحار تجده ساعيًا لطلب النجدة ومحاولة إنقاذ نفسه من الغرق، فالخوف على النفس من الهلكة والمرض الشديد والتعرض للضرب والإهانة كلها مخاوف غريزية.
3- الخوف وليد صغير ضعيف
إما أن تهمله وتقهره فيموت أو تربيه وتغذيه وتفكر فيه وتنميه وتضخم عوارضه وتصعد آثاره، فيصبح كالعملاق الذي لا تقوى على مغالبته أو قهره أو حتى التخلص من سلطانه على ذهنك ونفسك.
4- الخوف ليس درجة واحدة ولا شكلًا واحدًا
فهو يأتي بأشكل متنوعة ونسب متفاوتة ودرجات مختلفة، فليست مخاوف الناس سواء إلا أنهم يشتركون في نسب إحصائية، فالناس ناس فكثيرون يخافون من المرتفعات وكثيرون من الطيران وكثيرون من الأماكن المغلقة والضيقة وكثيرون من الحشرات ومن المرض والأزمات الاقتصادية والموت.
5- كلما ازداد خوفك من شيء يصبح أشد خوفًا ورعبًا
فمن يخاف من الطيران يتوقف قلبه مع كل منخفض جوي أو هزة في الطائرة، ومن خاف من العناكب السامة بعد رؤية وثائقية عنه يشعر بالخوف الشديد مع كل دغدغة في جسمه ويتصورها لدغة عنكبوت سام، ومن خاف من فقدان الوظيفة يصيبه الرعب الشديد من أي اتصال يصله من جهة العمل وهكذا.
6- نظرتك إلى الخوف تحدد ردة فعلك وطريقتك في التصرف
وتحفزك على الفعل، ويمكن حصر تصرفات البشر في الخوف: فإما التجمد والتصلب وعدم فعل أي شيء وهو ما يعرف بالفعل السلبي، أو القتال ضد ما يخافه الإنسان سواء أكان معنويًّا أو ماديًّا، أو الهروب واعتبار أنه لم يحدث أي شيء وأنه لا توجد مشكلة وهي تقنية سلبية للغاية، أو التفكير الزائد والسماح لتضخم عارض الخوف وبناء الأوهام والخيالات المتعلقة بما سيصيبه وأسرته ومجتمعه وهو سلوك اضطرابي.
7- كلما كان التهديد والخوف واقعيًا وليس وهمًا أو خيالات كلما ظهرت الأفعال البطولية
فقد يحاول الواحد منا التوقف عن التدخين لسنوات ويعجز لغلبة العادة عليه، لكن إن أصيب بأزمة قلبية وحذره الأطباء وأصبح التهديد بالموت واقعيًا وحقيقيًّا خاف وظهرت أفعال البطولة بالتوقف عن التدخين دون أي اعتبار لمعنى الإدمان أو خطوات التعافي منه.ورغم تنوع خوف الناس إلا أن أكثر المخاوف قبولًا وشيوعًا بين البشر والتي تمثل التهديد الحقيقي لكياناتهم وحياتهم النفسية والمادية هي الخوف من العزل عن محيطه معنويًا، بحيث يصبح منبوذًا متروكًا ولهذا يمتنع كثيرون عن تغيير مواقفهم خشية العزل النفسي من حزب أو جماعة، ثم الخوف من التشويه الجسدي بالضرب والبتر أو بالقتل في بعض الأحيان، ثم بفقد الاستقلال وهو كالحبس وتقييد الحرية في القرار والرأي والجسد، ثم خطر الانفصال وانقطاع التواصل مع من يحب ويرغب، ثم الخوف من الإذلال وكسر الإرادة وانهيار النفس وازدراء الذات، وهي مخاوف حقيقية يُمدَح من تخلص منها وكسر قيدها ولا يُذَمّ ويُلام من تأثر بها وخاف من آثارها.وبقيت بعض المخاوف التي انتشرت بين الناس في العالم وهي قابلة للتعامل معها والتخلص من آثارها، كالخوف من الفشل والنجاح كذلك، والخوف من الإلقاء والعرض أمام الجماهير ونيل استحسانهم، والخوف من الرفض والقرارات الخاطئة ومن آراء الآخرين وماذا يعتقدون في الإنسان ويظنون فيه، والخوف من المسئوليات وهو متعلق كثيرًا بالعلاقات الزوجية، والخوف من التعرض للسرقة والاحتيال والخوف من الفقد والالتزام والتحدي كذلك والكلام عن هذا يطول وبتفاصيل كثيرة.وبقي سؤال لا بد من طرحه هنا:
كيف أتعامل مع المخاوف التي تعرقلني وتمنعني من الوصول إلى أهدافي بقطع النظر عن نوع هذه الأهداف؟
1- استخدم قوة التخيل: فتخيل أنك غير خائف مما تخاف منه، وتخيل نفسك وقد ملكت زمام الشجاعة وأن لا شيء منه أصبح يخيفك بعد الآن، وقوة التخيل وردت في القرآن الكريم حين وصف الله تعالى شجرة الزقوم بقوله: (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ) فلا نحن رأينا المُشبَّه ولا المُشبَّه به والمقصود الاستبشاع للشجرة وطعم طلعها وثمارها فلكل شخص أن يتخيل أبشع هيئة للشيطان ليحصل المقصود بالانزجار، فقوة التخيل عظيمة حين يتدرب عليها الشخص للتخلص من العادات السلبية والسلوكيات الاضطرابية.
2- استخدم قوة التصرف: فانظر لنفسك كيف ستتصرف كما لو لم تكن خائفًا، ففي الفقرة السابقة تخيلت أنك غير خائف من هذا الشيء، فكيف ستتصرف لو لم تكن خائفًا، ستفعل وتفعل وتفعل.
3- استخدم القوة العكسية: وهو ما يسمى بانعكاس المؤثر حيث يضع الإنسان نفسه في بيئة قوة وراحة وشجاعة ومواجهة فينعكس الأثر على القلب فيشعر أنه بخير وأن الخوف بدأ يضعف حتى يزول.
4- استخدم قوة التعرض للمواجهة: حيث يعرض المريض نفسه للخوف خطوة خطوة وليس مرة واحدة مباشرة، بل خطوة خطوة حتى يتماشى معه فيفهمه ويستوعب سببه وأثره ويواجهه.
5- استخدم قوة القهر: حيث يحمل المريض كمًّا من العدائية والانزعاج والاشمئزاز من هذا الخوف الذي قهره وعطل مسيرته ومنعه من الحياة فيتحرك نحوه ليقهره ويكسره ويمنعه من ممارسة السلطة عليه.
6- استخدم قوة التعامل معه بمعرفته الجيدة ومعرفة مداخله وكيف ينفذ الخوف إلى القلب ويسيطر عليه؟ وكيف يتعامل معه المتخصصون؟ وما هي وسائل السيطرة عليه؟ كمن يخاف من الكلب مثلًا فيتعلم تقنيات التعامل مع الكلاب الضارية والتخلص منها.
7- استعن بالمتخصص عند العجز واستخدم المقربين منك في دعمك في مواجهة بعض المخاوف التي تصيبك، فالمؤمن قوي بإخوانه.
والخلاصة: أن عدم إدراك الإنسان لذاته ولخصمه مسبب قوي للخوف، فلا هو واثق بنفسه عارف بقدراتها وإمكاناتها وطريقتها في التعافي والتعامل مع الصعاب والمشكلات، ولا هو عارف بضعف خصمه ومصدر خوفه وهشاشته، فكلما زادت معرفة الشخص بنفسه كلما أحبها واحترمها وبذلها في الخير والنفع الخاص والعام وكان ضنينًا عليها من تضييع مقدراتها في خوف موهوم ورعب مذموم.اعرف نفسك، واعرف مصدر خوفك، عدِّل حياتك حيث ترى الفائدة، واستمر في التقدم والتحرك نحو أهدافك دون كلل، وثِقْ في نفسك، والأهم من ذلك كله، تعرف على الله تعالى بأسمائه وصفاته وأنه القوي العزيز، وأنه أمر الناس بخشيته والخوف منه دون ما سواه (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
إليك المزيد
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد