لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
اسم الكتاب : خرائط التيه .
الكاتبة : بثينة العيسى .
عدد الصفحات: 410 .
” أما أنا يا صاحبي فما زلت تائهاً ..
و إذا فكرت في الأمر أكثر ،
فكلنا في التيه “..
هكذا أنهت الكاتبة بثينة العيسى روايتها ، كلنا في التيه طبعاً ..
تحكي الرواية قصة “مشاري” و والديه ، و كيف اُختطف مشاري في البيت المقدس أثناء وقت مقدس ، أثناء مراسم الحج .. تاه “مشاري” عن عائلته ، ثم اُختطف .. تاه بين براثين عالم قاسٍ لا يعلم عنه شيئاً .. من حلقة الطواف إلى “روينا” خاطفة الأطفال التي تعمل لصالح “عصابة سرقة الاعضاء” ، “صحراء عسير” ، “البحر الاحمر” ، لينتهي به المطاف بعد هربه من العصابة الى ” جازان” ، مزرعة الشيخ ابراهيم حجاب .
بغض النظر عن الضغط النفسي و التعذيب الذي تعرض له مع العصابة الا أن الذي ينتظره في هذه المزرعة أدهى و أمّر . من جوع و اغتصاب نفسي و بدني ، و تعذيب .
ماذا لو ألقى عليك القدر تعويذته ليرميك في غياهب التيه . تماما كذلك حالة “فيصل” أب مشاري ، لم يعد فيصل يؤمن بالالوهية ، “لماذا يؤمن برب تسبب بمأساته ، هو لم يسرق ، لم يقتل ، لم يزنِ ، فلماذا اختطف طفله؟” ، على حسب قوله ، نسى فيصل أنه كان مؤمناً و المؤمن مُبتلى ..
“سمية” أم مشاري ، كانت تملك يقينا تاماً أن الله وحده من سيعيد لها ابنها ، و كانت على حق اكيد، لكن يجب ألا أن نبقى مكتوفي الأيدي ننتظر حدوث معجزة لتحقق دعائنا ، كان يجب على سمية أن تتخذ بالأسباب و تساعد ز جها في البحث عن ابنها ، فتحول ايمانها من توكل إلى تواكل ..
جاب فيصل شوارع الخيبة يهلوس باسم ابنه ، يحتضن شظايا قلبه و بقايا روحه ، يلملم ما تبقى له من ابنه .. بعد فقدان فيصل لأمله لم يكن يريد بالدرجة الأولى أن يعود ابنه إليه، كان يريد فقط أن تعود روحه و إيمانه إليه .. من الكويت إلى مكة، من مكة إلى عسير ، من عسير إلى سيناء، من سيناء إلى ابنه، و من الإسلام إلى الإلحاد .. من النور إلى الظلام..
انتقلت بنا الكاتبة بين الكلمات و الأماكن و الشخصيات ببراعة ، نقلت لنا ظلم و قسوة العالم الذي على ما يبدو أننا نعيش على هامشه غير مدركين لما يحدث فيه حقا!
حكت لنا الكاتبة عن مآس و مصائب تفتك بالإنسان و الإنسانية و لعل مطابقة الرواية مع الواقع أكثر ألماً! و هكذا خلال 24 يوما روائيا موزع على 410 صفحة، نتيه في دروب مختلفة ، بين العديد من الأسئلة التي لا نجد لها أجوبة ، حين ضاع “مشاري” من حلقة الطواف، هل كان يجب تقديم الدين على النفس و عدم إيقاف حلقة الطواف، أم تقديم النفس عن الدين و توقيف حلقة الطواف لإيجاد الطفل؟! العديد من الأسئلة و تبقى الأجوبة معلقة على مشجب القدر علنا نجدها يوما!
و في النهاية، بعد كل تلك المآسي المروعة، عاد الطفل إلى أهله و كلهم يعلمون في قرارة أنفسهم أن مشاري الحقيقي مات، من عاد لم يكن ابنهم!
أحببت الرواية كثيرا في تناقضها ، بين أب مشاري الذي ألحد لأن ابنه اختطف و نظرته المختلفة كليا عن زوجته التي تواكلت على الله و لم تتكل عليه تعالى ، لربما تغلبت عليها عاطفة الأمومة لكن الدعاء بدون عمل طبل أجوف، و شجرة لا ظل لها و لا ثمرات .. تحكي الرواية أن قصة واحدة أو موقفا واحدا قد يكون له من طرف الناس أكثر من وجهة نظر واحدة ، و أكثر من طريقة للتعامل مع الموقف حسب طبيعة كل إنسان .. كيف لقدر أن يتغير بمجرد إفلات يد! كيف تغير قدر مشاري و عائلته بمجرد أن أفلتت أمه يده، فتشتتتْ كل العائلة ..