Loading Offers..
100 100 100

نحن والأشياء، مقال عن علاقة البشر بالأشياء

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

في الحقيقة نحن أكثر تعلقًا بالأشياء من البشر، في البداية لا يبدو هذا الأمر حقيقة، لكن مع مرور الأيام تتعلق مشاعرنا بأشياء معينة دون سواها، كثوب معين مثلًا نحب ارتداءه عن سواه أو أكلة معينة، أو موسيقى معينة أو نوع معين من الأفلام، بعض الفتيات يتعلقن بعلبة مكياجهن أكثر من تعلقهن بصديقاتهن ويشعرن بانزعاج حقيقي حين يفقدن شيًئا منها، وأعتقد أن الرجال كذلك لديهم أشياؤهن المفضلة ولكن تبقى كلها أشياء لا رابط بيننا وبينها سوى المشاعر التي تثيرها، وقد يبدو الأمر أحيانًا غريبًا ومَرَضيًا: فعندما ذهبت إلى الجامعة شعرت أنني أفتقد وسادتي،  وكنت أحنّ إلي بيتي رغم أنني لم أكن أحبه قبلًا، وليس أعني بالبيت الأشخاص الذين فيه ولكن أعنى به كمكان وكمجموعة من الأشياء التي ألفت رؤيتها.

لماذا نتعلق بالأشياء؟

علاقتنا بالأشياء أطول من علاقتنا مع البشر وأقل إرهاقًا وألمًا وأكثر نقاءًا، والأهم أنها غير متطلبة، فأي نوع من العلاقات البشرية تحتاج إلى بذل نوع من المجهود للحفاظ عليها!لكن الأمر ليس كذلك حينما يتعلق بالجمادات الصامتة أو حتى الأشياء غير الملموسة كالموسيقى مثلًا، وأحيانًا تكون هذه الأشياء بمثابة علاج للألم وأحيانا تشعل حنينًا غامضًا أو تكون وسيطًا لعالم آخر، في رواية "كائن لا تحتمل خفته" لميلان كونديرا تحدث عن علاقة تريزا بكلبتها كارينين (حتى الحيوانات تبقى في نفس دائرة الأشياء لأنها تنطبق عليها نفس المشاعر التي تثيرها)، في نهاية الرواية اكتشفت تريزا أن الحب الذي يربطها بكارينين أفضل بكثير من الحب الموجود بينها وبين توماس -أفضل وليس أكبر- ولأسباب ثلاثة:
  1. إن هذا الحب مترفع، تريزا لا تريد شيئا من كارينين ولا تريد أن تبادلها الحب ولا تسأل نفسها هذه الأسئلة المرهقة التي تشغل العشاق: هل يحبني، هل يحب أحدًا أكثر مني هل حبّه لي أكبر من حبي له.
  2. تريزا قبلت كارينين كما هي ولم تسع في تغييرها لتصير نسخة منها بل أذعنت مسبقًا لعالمها ككلبة ولم تشأ مصادرته.
  3. حبها لكلبتها إرادي ولم يجبرها أحد عليه، ليس مثلا كحب الوالدين المقرر دينيا أو حب الجميع كما في العقيدة المسيحية أو حتى حب الإله (لأنه متطلب الفعل).
فالبشر نوعان منهم من زرع الله بقلبه عشقًا آلهيًا خالصًا، ومنهم من يطمح إلى بلوغ الدرجات العلى، ولهذا خلق الله الجنة، ولهذا يستجدي الناس من الله أشياء معينة كالمال والصحة مثلًا، أو أنهم يمنون أنفسهم بأشياء غير أرضية كجنّة عدن وفي المقابل يقومون بطقوس العبادة، هناك من خيار الناس من يعبد الله لذاته، ويحب الله لذاته لكني أعتقد أن العلاقة الأكبر بين الإنسان والإله هي علاقة الثقة والأمان "أنا أعرف أنك ستفعل" ولهذا من الصعب أن يتخيل الإنسان المؤمن ولو لحظة أن الجنة مجرد مزحة.

الأشياء والانتقاء، نحن فعلًا نتنقي الأشياء أم هى تنتقينا؟

الأشياء هي أكبر مثال على قدرة الإنسان على الاختيار أو الانتقاء، الانتقاء كلمة أفضل بكثير من الاختيار فهي توحي بوجود مجموعة من الأشياء وأنت تستبعد البعض حين تستبقي البعض الآخر، إنها قدرة بشرية مذهلة والأغلب من الناس يستعملها بلا وعي لكن يظل دومًا هناك إطار، هذا الإطار يحدد الأشياء التي يتعين الانتقاء منها،  بدون هذا الإطار يصعب تخيل لون لم تره مطلقًا، لكن تكون مشكلة كبيرة حين يكون الإطار ضيقًا وخانقًا ففي هذا الحالة يكون الانتقاء محدودًا.علي سبيل المثال لماذا يحدث نوع من الهرج الجماعي مع صخب موسيقى المهرجانات في الأفراح المصرية حين يقوم الشعب الفلسطيني برقصة الدبكا، أو يقوم الأرجنتيون برقصة السامبا وبدون مبرر.ينطلي الأمر علي أشياء أخري عادة تندرج تحت بند الموضة، في السبعينات كانت النساء ترتدي التنانير أو الفساتين القصيرة أما اليوم فأغلب الفتيات يرتدين البنطلون بكل صيحاته (المقطع وغير المقطع)، في زمن معين كانت الموسيقى الشرقية بأعلامها بكل ما فيها من وقار يتمزج بها عامة الشعب، وهو نفس الشعب الذي يرقص على موسيقى المهرجانات بكل ما تحمله من إثارة، لماذا يحدث هذا الأمر فرغم كل الاختلافات الاقتصادية والاجتماعية يشترك نفس الشعب في توحدهم مع نفس الموسيقى، هل هذا يعني أن البشر لا يفعلون خاصية الانتقاء؟ أم أنه ثمة شعور أكبر يسيطر على هذه الجموع؟من السخافة أن أقارن فكرة بسيطة كرداء التنورة بفكرة دينية بحتة وهي فكرة وجود الله، لكن ما أنا متأكدة منه أن نفس المشاعر التي توحّد الناس تحت رداء معين هي نفس الفكرة التي تجعلهم يرفضون أو يقبلون بفكرة معينة لأنها تنطوي على نفس فكرة خوف الاختلاف، قديما كان الأغلبية كافرة، حديثًا أغلب الشعوب مؤمنة إيمانًا لا يتزعزع وحين يبدأ الإيمان في الانحسار -وهو ما بدأ يحدث في الغرب- فإن موجة الكفر ستشهد ارتفاعًا عاليًا، وليس لهذا الأمر علاقة بالفكر أو العقل ولكنه نوع من الغريزة، هذه الغريزة التي دومًا ما تستبدل هذه القدرة على الانتقاء الحرّ بفعل بدائي بحت من أجل الحماية داخل الإطار.* ملاحظة أخيرة: هذا المقال أعرف أنه ليس موحِّدًا، وقد يبدو مشتتًا على غير عادتي في كتابة المقالات، مع ذلك أردت نشره لأني أُعِدّه من المقالات القليلة التي كتبتها بقدر من الحرية.
إليك أيضًا

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..