لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
في نهاية القرن التاسع عشر، بدا عدد من الفنانون تأسيس جمعية تسمى (المنسحبون) أو الانفصاليون في فيينا هدفها، تشجيع الفنانون علي استعراض أعمالهم غير الكلاسيكية و لتشجيع كل أنواع الفنون المختلفة، وإعلان الحرب على كل ما هو كلاسيكي، ومحاربة التميز في أن يكون هناك فن للنخبة وآخر للعامة. لتكون الجمعية بمثابة انتفاضة تضج بالخطوط والألوان منافية لتقاليد الأكاديميين في فيينا الذهبية آنذاك.
غوستاف كليمت وثورته نحو التجديد
كان الفنان النمساوي الأصل غوستاف كليمت من مؤسسي الجمعية، فبرغم أنه في بداية مشواره الفني كان يطمح ليصل إلى أعلى درجة من الواقعية كما ظهر في لوحة رجل أعمى.
The Blind Man 1896
برغم أن كليمت لم يرسم الكثير من الرجال في حياته، إلا أن تلك اللوحة تمثل قيمة خاصة لديه، دفعته لعرضها في المرة الأولى في معرض المنسحبين، أظهر كليمت باستخدامه للألوان الغامقة ملامح العجوز الغائرة، وكأن الحياة هي من حفرتها، ورغم ذلك، يحافظ الرجل على ثباته وتماسكه بإنسانيته وهندامه. ثم بدأ كليمت في رسم لوحات أكثر ثورية تضج بالألوان الحية والمشاعر الصريحة، وكأنه يمثل الحياة في لحظاتها الجميلة.
في تفصيلة هادئة من لوحة الأم وطفليها التوأم -1905
نري الأم تميل برأسها في حنان على طفليها الساكنين بين ذراعيها وينسدل شعرها المزين بالورود في مشهد مليء بألوان والحياة. وبالمقارنة بين اللوحتين السابقتين، نرى مقدار التطور الثوري في أسلوب كليمت.
لوحات أخرى توضح المرحلة الذهبية لكليمت
كان كليمت مولعًا برسم المرأة، من تعبيرات ومراحل عمرية مختلفة، إلا أنه في كل مرة يبدع في تجسيدها بشكل رقيق مبهج مليء بالألوان.
تفصيلة من لوحة الطب 1900
للوحة حادثة طريفة، وكل كليمت برسم ثلاث لوحات لسقف جامعة فيينا، وفي النهاية أنتج سلسلة من اللوحات، الفلسفة والفقه والطب، لترفض الجامعة في النهاية أعماله، وتسترد أموالها، لتهرع بعد عدة سنوات لاسترداد تلك اللوحات.
إيجون شيلي صاحب الاختصارات اللونية
كان النمساوي إيجون شيلي، الركن الثاني في ثالوث التغير في فينا بمساعد كليمت بالطبع، إلا أن أعمال شيلي كانت أكثر درامية وحزنًا من أعمال فان جوخ ذاته. كان شيلي من رواد التعبيرية الذين غيروا شكل الفن التشكيلي في العالم، حيث تميزت أعماله بقدراتها على تجسيد الدلالات الحسية، لكونه يبغض الكلاسيكيات ويفضل البحث عن جماليات خاصة، تعكس روح ومشاعر الإنسان.في عام (1910م) ترك شيلي مدرسة الفنون بعد أن حقق فيها نجاحًا باهرًا، ليؤسس مجموعة خاصة به وبعدد من أصدقائه أصحاب نفس التوجه.
بعض لوحات لإيجون شيلي
self- portrait
في بورتريه شخصي لإشيلي يرسم بخطوط متعرجة ملامح وجهه الشاب الثائر، فيظهر في اللوحة بمظهر الرجل الناضج، بعيون واسعة محدقة، وكأنها تتأملك بنظرات متحدية.رسم شيلي لنفسه الكثير من البورتريهات واللوحات في أعوام متعددة، يظهر من خلالها حالاته النفسية وانعكاس رؤيته للحياة والأشياء من حوله.لم يحظ شيلي بشهرة واسعة بعد موته، لكونه مات في الثامنة والعشرين من عمره بالإنفلونزا الإسبانية بعد زوجته بعدة أيام. لم يتقبل الكثيرون فن شيلي، مما دفع الحكومة آنذاك بالقبض عليه وزجّه في السجن عدة أيام، لينخر المرض عظامه ويتوفى بعد خروجه بثلاث أيام، ولكن رغم ذلك، إلا أنه أثر بشكل كبير في مسيرة الفن التشكيلي في العالم.
أوسكار كوكوشكا، عندما يقف الفن في وجه الحرب
واقف الرسام والشاعر والكاتب المسرحي كوكوشكا، أما قبح الحرب برسوماته، فوجد أن إعلاء روح الفن وتأريخ الظلم والألم، قد يكون السبب في نشر السلام، فرفض كوكوشكا النازية، ومن بعدها رفض الصهيونية، وآمن بأن الفن من المفترض أن يكون حالة اجتماعية ناهضة. كان كوكوشكا الركن الثالث من ثالوث الإنفصاليين، فحتي في رسم البورتريهات رفض أن يسلك طريق الكلاسيكيين.
One Hand Touching the Face“, 1918
يرسم كوكوشكا نفسه بشكل يعكس حزنه وقلقه، فباستخدامه للألوان الثقيلة الحادة والغامقة يبرز عيونه الغائرة المحمرة وهي مليئة بالفاجعة والصدمة من قبح الأشياء من حوله، وأصابعه قريبة من فمه وكأنه سيعض عليها أو يكتم صرخة. عانى كوكوشكا من الفقر والترحال وفوق ذلك لحقته القوات النازية وصنفت أعماله بأنها فن مشوه، ولكن رغم ذلك أقام عدة معارض ناجحة في بازل وزيورخ، واستعاد الجنسية النمساوية بعدما سحبت منه.ساهم كوكوشكا في إحداث تغيير ثوري في الفن، فلم يعد الفن مرتبطًا بقواعد صعبة وصارمة، وإنما أصبح مساحة يستطيع فيها الجميع إيجاد متنفس يعبر عن مشاعرهم ونظراتهم تجاه الحياة.
المزيد في الفن:
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد