لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
هل سبق وتحققت من رسائل بريدك الإلكتروني، وبعد دقيقتين، حدّثت الصفحة دون وعي؟ ربما لديك موعد تسليم عاجل للعمل، ومع ذلك ما زلت مستمرًّا في رحلة مكوكية -ذهابًا وإيابًا- بين اليوتيوب أو تويتر لتفشل في التسليم ضمن الوقت المحدد. إذا كان الأمر كذلك، فلست وحدك، بل رغبة غريزية قد أغوتك توًّا. في عالم تسوده المعلومات غير ذات الأهمية، تخضع فترات انتباهنا لدورة لا نهائية من دفقات الدوبامين، على سبيل المثال: متى آخر مرة قرأت فيها كتابًا دون تشتت انتباهك والرغبة في التقاط هاتفك؟
إن تكلفة السماح لأجهزتنا باستهلاك طاقتنا هي تدمير قدرتنا على التفكير بجلاء وإبداع، وحرماننا من النوم الجيد، فيصل الأمر لتحكمها بوقتنا وخياراتنا.
سنناقش في مقال اليوم كيفية استعادة السيطرة على أوقاتنا وفترات انتباهنا بعيدًا عن وحش التكنولوجيا.
هل تحظى باهتمام كافٍ؟
الاهتمام عاطفة عميقة ومعقدة، تتدفق من خلالنا وتشكل أساس علاقاتنا مع الآخرين. سواء كنت مؤثرًا على وسائل التواصل الاجتماعي أو شخصًا انطوائيًّا، فجميعنا نسعى خلف الحب والتقدير من أقراننا. بدءًا من طبعات اليد من العصر الحجري في كهف لاسكو التي تصرخ “كنت هنا” وانتهاءً بنشر قصص الانستغرام “InstaStories” في الإجازات خارج البلاد، نتوق إلى الاهتمام كبشر بسبب ندرته النسبية في حياتنا اليومية.
يحظى معظمنا بما يكفيه من الطعام وبالمأوى المناسب. ومع ذلك، نسعى باستمرار إلى التعرف على وجودنا، ومشاركة الصور ومقاطع الفيديو والآراء عبر الإنترنت. فنحن “نتضور جوعًا” لما يتجاوز العشاء فحسب! كم منكم نشر شيئًا ما على فيسبوك أو تويتر وحدّث صفحته على الفور، متأملًا رؤية الإعجابات والمشاهدات؟ في هذه اللحظة، يتصفح الملايين شبكة الانترنت بحثًا عن الحب، وهو أمر طبيعي ومفهوم.
لماذا نهتم.. بالاهتمام؟
مع تقارب حياتنا الواقعية من تلك الافتراضية في العصر الرقمي، غدا الانتباه عملة حيث تتطلع الشركات إلى استثمار احتياجاتنا العاطفية ضمن خططها التوسعية. وكما هو الحال دائمًا: عندما نولي انتباهنا لأمرٍ ما، فإننا نتجاهل أمرًا آخر بالضرورة.
بدأ الأمر قبل خمسين عامًا عندما أرسل الجيش الأمريكي أول بريد إلكتروني، ومنذ ذلك الحين انتقل “فخّ الدوبامين” هذا إلى شبكات التواصل الاجتماعي. إن تبادل المعلومات في تعاملاتنا اليومية هو ما يدفع الاقتصاد ويُغذيّ اعتمادنا الجماعي على شركات التكنولوجيا الكبرى.
يمكن أن يظهر الاهتمام بطرق متعددة وهو أمر حاسم لمكانتنا الاجتماعية. هذا هو السبب في أن المؤثرين يمارسون الكثير من القوة في اقتصاد الانتباه “The Attention Economy”. كل ما يتطلبه الأمر: الحصول على تأييد من أحدهم، وستتدفق الإعجابات والمتابعون إليك، ويُعلون مكانتك داخل بيئتهم -بيئة الشركات- ليعززوا الإدمان الذي بدأ منذ نصف قرن تقريبًا.
نحن مدفوعون للتشتت
كل يوم، تغمرنا المعلومات والعديد من الخيارات المسلية والتي لا تبعد عنّا سوى نقرة واحدة فحسب. أصبح من الصعب بشكل متزايد التركيز على مهمة واحدة، كلما احتجت إلى التركيز، سهل عليك -فورًا- تشتيت انتباهك بالتسلية والألعاب. يمضي الوقت أسرع على الإنترنت، ويبدو أن كل شيء حدث قبل خمس دقائق أو قبل خمس سنوات (لا فرق). أثناء الحظر نتيجة الجائحة، لم نعد نختبر مرور الوقت عبر التفاعلات اليومية الحقيقية. وإنما يُسجل دماغنا (اللحظات المهمة) عندما يتدفق الدوبامين، مما أخلّ بمقاييس الوقت بالكليّة.
يؤثر وجودنا في مرحلة الجائحة الأخيرة أيضًا على ذاكرتنا، حيث يتعذر تمييز الأيام والأسابيع والشهور. هل يمكنك تذكر أي محادثات فيديو عبر زووم أو واتس آب من الشهر الماضي؟ أي شيء على الإطلاق؟ أم أنها ذهبت إلى ثقب أسود دون أن تترك أثرًا؟
“هذه آخر حلقة أشاهدها، وعد”
مع وجود الترفيه المستمر في جيوبنا، لم تكن معدلات التخطي على سبوتيفاي أسرع من أي وقت مضى. تأتي مقالات المدونة بأوقات قراءة تقديرية (هل تشعر أنك تقرأ منذ الأزل؟ غريب، فوقت قراءة هذه المقالة لا يتعدى 5 دقائق). أكبر منافس لـنتفليكس ليس أمازون برايم فيديو أو اتش بي أو ماكس، وإنما الحاجة الغريزية للنوم لمدة ثماني ساعات في اليوم. يتطلب الأمر قوة إرادة كبيرة لمقاومة النشوة -الشبيهة بالمخدرات- التي تشعر بها أثناء المشاهدة بنهم في الساعة 2 صباحًا.
فقط من خلال الانغماس في الإنترنت، أنت تخسر ساعات من وقتك -وأحيانًا عائلتك وعلاقاتك- في سبيل أمور لا تهمك.
الحل في استرجاع إنسانيتك من براثن التكنولوجيا
لا تملك شركات التكنولوجيا حافزًا كبيرًا لتغيير نماذج أعمالها، إلا أن حياتنا تدور حول تقنيتها السريعة. وبالتالي يقع على عاتقنا كأفراد استعادة تركيزنا عبر الخطوات التالية:
حدد مخاوفك
إذا كنت تعبث بهاتفك دائمًا، فربما يكون ذلك بسبب وجود شيء غير مريح في الأفق. التسويف هو استراتيجية لتجنب المواقف العصيبة. يمكن أن يساعدك إيقاف تشغيل أجهزتك في التركيز على الأمور المهمة.
خصص وقتًا لوسائل التواصل الاجتماعي
إذا كنت تخصص وقتًا للعمل وممارسة الرياضة والأعمال المنزلية، فلماذا لا تفعل الشيء نفسه لوسائل التواصل الاجتماعي؟ انتبه: وقتًا محددًا.
أوقف الإشعارات
انتقل إلى الإعدادات والغِ تشغيل جميع إشعارات التطبيقات (عدا المتعلقة بعملك). بمجرد الانتهاء، ستدرك بسرعة أن معظمها لم يكن ضروريًّا.
خصص وقتًا (للعالم الحقيقي فحسب) كل يوم
هل تحتاج هاتفك معك طوال الوقت؟ لماذا لا تتركه في المنزل عندما تذهب للتسوق أو ممارسة الرياضة أو تقابل أصدقائك؟
تسجيل الخروج
يواجه جيلنا أزمة تشتيت، لكن لا يوجد علاج واضح للمنتجات التي لا يمكننا التخلص منها. لقد وصلنا لنقطة حيث يمنع عمالقة التكنولوجيا في وادي السيليكون أطفالهم من استخدام الأجهزة التي اخترعوها، هذه هي المعضلة الاجتماعية وراء اقتصاد الانتباه. طورت الأجيال الشابة طرق مقاومة مثل الحرف اليدوية ودروس صناعة الجبن التي لا تتطلب هاتفك، حتى نتمكن من المشاركة دون أي تفاعل مسبق، دون أن ترعى الخوارزميات.
ربما فات الأوان ولن يفهم أحد منا الثورة التقنية التي نعيشها. لكن هل يريد أي شخص أن ينظر إلى حياته إلى الوراء ويقول، أتمنى لو قضيت وقتًا أطول في مشاهدة نيتفلكس؟ لا أظن ذلك.
هل أعجبتك المقالة وترغب بالمزيد من الفائدة والمتعة؟