لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
يُعد مسلسل "تخت شرقي" الذي عُرض في رمضان 2010، من أقوى المسلسلات تناولت مشاكلَ المجتمع السوري، والتي لا تختلف كثيرًا عن نظيرتها في المجتمع العربي عمومًا. لقد نجحت الكاتبة والسيناريست "يم مشهدي" في صناعةِ حوارٍ بسيط وقوي، يتطرق لمشاكلِ شرائح كثيرة من المجتمع، يناقش قضايا هامة في حياةِ الفرد العربي، قضايا مسكوتٍ عنها وأخرى تم طحنها كما طحن هو الآخر في احتياجاته اليومية.تأخذها "مشهدي" لتكون وصفة سحرية في مسلسلٍ لا يُنسى، ولا يشيخ مع الوقت، ولا تمل مشاهدته العديد من المراتِ، وكأنما تم عرضه البارحة فقط، استطاعَ العمل أن يتوغلَ عميقًا في الشخصياتِ ويقربها من المشاهدِ، قضايا ما زالت تشغلُ الإنسان العربي حتى اللحظة بعد مرورِ 11 عامًا منذ أولِ عرضٍ له. تم إخراج العمل من طرفِ المخرجة السورية رشا شربتجي، وأذيع على محطاتٍ عربية كثيرة وما زال يُذاع إلى هذه اللحظة، محققا مشاهداتٍ عالية.
في هذا المقال نذكر لكَ أربعة أسبابٍ تجعلك لا تملّ من مشاهدته.
1. قضايا اللاجئين والنازحين
ما زال حتى اليوم يعاني المجتمع العربي من النظرة للاجئ والنازح، وما زالت مشاكل تثار وتستحدث من ذلك. في العمل، تُمثل شخصية يُعرب (قصي خولي) نازحًا من الجولان المحتل إلى دمشق حيث يبحث عن فرصةً للعمل، وتظهر المشاكل التي يواجهها والنظرة التي تصله من الآخرين، كما يحكي عن شكلِ حياته وبيتهم المبني من الطين والذي ينهار مع كلِ شتاء وموجةِ أمطار. شخصية يعرب الغارقة في الكوميديا السوداء، والذي لا يمرّ مشهدٌ له دون سردياتٍ ومواقف كوميدية مستمدة أساسًا من معاناته، حيث تجيد هذه الشخصية تحويل معاناتها إلى نكتٍ.يبحث يعرب عن فرصةِ حياةٍ أفضل في دمشق وهناك تغرق حياته في مواقف وأحداثٍ طاحنة، يلجأ فيها دومًا إلى أصدقائه (سعد، أدهم، طارق). تمثل شخصية طارق "مكسيم خليل" اللاجئ الفلسطيني في سوريا، مواليد الجيل الثاني للاجئين والذي حظي بحياةٍ كريمة في سوريا، ودخلَ كلية الطب محققا استقرارًا علميًّا وعمليًّا مع ذلكَ فما زال يطمح بحقِ العودة. لقد ناقش المسلسل الموضوعانِ من خلال مشاهد غاية في الدقة قدمت صورة مقربة عن الموضوع، بشكلٍ مواربٍ لكنها أصابت الفكرة.
2. الحياةُ فرصةٌ متجددة
لقد ذهبت الكاتبة "يم مشهدي" إلى شريحةٍ عمرية عادةً ما يتم تحجيم ظهورِ طموحها، وأحلامها وتصبّ كل توجهاتها وقدرتها في أبنائها. حيث عالجت مشاكل المرحلة العمرية الخمسينية والستينية بعد الإنجاب وتوجهِ الأولاد كل إلى حياته من خلال شخصية سميرة (مها المصري) مضيفة الطيران والأم التي كبر ولداها واتجه كلٌّ منهما إلى حياته ومشاكلهِ الخاصة، فقررت الاهتمام بنفسها من خلال المظهر، عمليات التجميل واقتناصِ فرصٍ جديدة للارتباط. كذلك بالنسبةِ لأبي يوسف (عبد الهادي صباغ) الذي يحقق حلمه في أن يكون عازفًا ومايسترو في فرقةٍ تخت شرقي رغم رفضِ أولادهِ لذلك.أماني (أمل عرفة) التي تتعرض إلى حادثٍ يتسبب لها في تشوهٍ على مستوى الوجه، لتتعرض لعمليات تجميل ولكنها لم تيأس بل تقرر بدأ حياةٍ جديدة، وإنهاء علاقتها بزوجها بسبب علاقتهما الفاشلة، لتبدأ مشروعًا جديدًا رغم رفضِ والدها لقرارها وتدخل في علاقة جديدة. الأمر نفسه بالنسبة للدكتورة نادية (سمر سامي) التي تقرر الاهتمام بشكلها وإعادةِ ضبطٍ لحياتها والانفصال عن زوجها بعد ثلاثين عامًا من الزواج.
3. العلاقات الإنسانية والعاطفية
في هذا العمل تضع "يم مشهدي" العلاقات الإنسانية (صداقة، زواج، حب، أخوة، الأمومة والأبوة) تحت المجهر وتشرحها. إن العمل كالحياةِ بالضبط بكمٍّ هائلٍ من المشاعر الناتجة عن العلاقات. كيف تبدأ وتنتهي، كيف تؤثر على حياةِ كل فردٍ، وكيف تتغير حياة الفردِ مع دخوله في علاقةٍ أو الخروج منها؟ الكثير من العلاقات الزوجية التي تنتهي كعلاقة سعد ولينا (محمد حداقي، سوسن أرشيد)، سامر ونادية (سلوم حداد وسمر سامي)، وتباين عدد سنوات الارتباط بينهما. وكذا تتطرق إلى علاقة طارق وغريتا (مكسيم خليل وسلافة معمار) كنمط من العلاقات المختلفة في طريقة التفكير كون غريتا ولدت وعاشت في ألمانيا، وما ينجر عن اختلاف العقليات.
4. الزواج والأمومة
ماذا يعني الارتباط بالنسبة للمجتمع العربي، وماذا يعني للفرد، هل يضطر الفرد أو المرأة تحديدا بالتنازل لتحقيقه، ولماذا يفعل ذلك؟ يعرض العمل حكاية ريما (تولين البكري) التي تضطر لبيعِ بويضاتها من أجلِ الحصول على المال، ولميا (جيني إسبر) التي تضطر الزواج برجلٍ دون موافقة أمها ودون إعلانه عامةً، لأجل الأمومة، وأيضا قصة هنادي وسارة (يارا صبري ورنا شميس) وكل التنازلات التي تقدمانها لأجل التخلص من ضغط المجتمع للزواج.يُقدم العمل حالةً تناغم شديدةٍ بين القصص المعروضة، تشابك الخط الدرامي مع بعض، وتواجد الشخصيات في حياةِ بعضٍ، من خلال الطرح والفكرة، حيث يعيش الشباب الأربعة في شقةٍ واحدة، يتقاسمون أحداث يومهم وأيامهم، يتشاورون في الحلول الممكنة، وفي المشاريع المؤجلة وشكلِ الحياةِ الذين كانوا يطمحون في قالبٍ مضحك وأليم في نفس الوقت، كما يتشاركون في نفسِ العمارة مع أبطالٍ آخرين. ولا يشعرُ المشاهد بغربةٍ عن المواضيع والحكايا بل يستطيع أن يرى نفسه بطلًا فيها.
إليك أيضًا
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد