لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
اعتدتُ أن أخصص بعض الموسيقى المختلفة لكل ما أقوم به خلال اليوم، عندما أقرأ، عندما أتأمل، عندما أشعر بالضياع، حتى عندما أحضر قهوتي المفضلة. تساءلت حينها كثيرًا عن الأسباب التي تدفع بعض الذين أعرفهم إلى إغلاق أي صوت للموسيقى في أي مكان يكونون فيه، أو عندما تتغير ملامحهم عند رؤيتهم لأحد ما وهو يستمتع بأنغام الموسيقى.
أؤمن تمامًا أن الموسيقى ساعدتني كثيرًا على التأقلم مع بعض المشاعر التي تراودني خلال يومي، من فرح واطمئنان ومن حزن وغضب.. على اعادة التوازن لمشاعري …هل للموسيقى تلك القدرة الهائلة على تحسين حياتنا؟ هل المعزوفات تخلق تغييرًا جذريًّا؟
التوتر
وأنا أكتب هذا المقال، فاجأتني نوبة توتر كالعادة، وتوقفت فورًا كي أستعيد توازني قبل أن أتوقف عدة أيام، وربما أسابيع حتى يزورني الشغف مرة أخرى، أمسكت هاتفي ووضعت سماعات الأذن وبدأت بسماع معزوفة قصيدة الفرح “ode to joy” للشاعر والمسرحي الألماني فريدريش فون شيلر والتي قام بتلحينها بيتهوفين، حينها تغير مزاجي تمامًا وقلّت نسبة تأثير التوتر علي وأكملت الكتابة.
السعادة
عندما نستمع لأغانينا المفضلة، فإن أدمغتنا تفرز هرمون السعادة “الدوبامين” الذي ينظم مشاعرنا السلبية ويشعرنا بالارتياح، ونلاحظ كيف أن الموسيقى تخفف من حدة الاكتئاب وتحسن المزاج.
الثقة بالنفس
الموسيقى تخلق شعورًا بالقوة وتعزز الثقة بالنفس أيضًا. يمكن لنفس المعزوفة أن تخلق إحساسًا مختلفًا لعدة أشخاص لأنها غالبًا ترتبط بالذكريات، يمكن لمعزوفة واحدة أن تسبب الحزن لأحدهم وتذكره بوفاة عزيز عليه أو انفصال عن محبوبه، في الجانب الآخر يمكنها أيضًا أن تسبب الفرح عندما تكون متعلقة بموعد غرامي أو حفلة عيد ميلاد أو ذكرى زواج على سبيل المثال.
السلوك
الموسيقى لديها تأثير هائل على سلوكنا، يمكنها أن تتحد وتنصهر وتتعاطف معنا. يقول إيمانويل بيغان، أستاذ علم النفس المعرفي، الباحث وعازف القيثارة ومؤلف كتاب (فوائد الموسيقى على الدماغ) “يمكن للموسيقى أن توحد حشدًا بأكمله وتجعله منسجمًا عاطفيًّا. قوة الموسيقى هذه تمنح قوة تماسك اجتماعي أساسية في معظم ثقافات العالم”.
العلاج
يتم استخدام الموسيقى أيضا كمسكن للألم في بعض الوصفات الطبية، وبالتالي فإنها تقلل من حالة القلق وتصلب الجسم وهي مثالية للعلاجات المزعجة، مثل تنظير القولون أو نزع أسنان العقل. وقد أظهر أخصائي علم النفس العصبي وعازف التشيللو، دانييلي شون، وهو وباحث في معهد علوم الأعصاب في مرسيليا، كيف يمكن علاج عسر القراءة من خلال الموسيقى. أثناء عمله مع الأطفال ضعاف السمع أظهر أنه من خلال الممارسة الموسيقية، يمكن للخصائص الإيقاعية تحسين تصورهم للكلام. بالنسبة لمرض الزهايمر فالموسيقى لها تأثير إيجابي على هذا الممرض التنكسي، فهي تحفز المرضى وتشجعهم على التواصل وتقلل أيضًا من اضطراباتهم السلوكية.
المهارات
لاحظتُ وأنا أقارن بين وقتي في الاستذكار على أنغام موسيقى هادئة الاستذكار بلا أي صوت، أدركتُ أن معدل تركيزي يزداد أكثر مع الموسيقى الهادئة. في تجربة أجريت في ولاية كاليفورنيا، تلقى بعض الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و4 سنوات دروسًا في العزف على البيانو والغناء، بينما تلقى آخرون دروسًا في الحاسب الآلي، ولم يكن لدى الاطفال الآخرين أي دروسٍ خاصة. كانت النتيجة أن مجموعة الموسيقيين كانوا أكثر انفتاحًا لحل الألغاز وتعلم اللغة.
الرياضيات
يمكن لتأثيرات الموسيقى أن تحسن من قدرات التلاميذ استنادًا على تجربة أجريت في لندن على الأطفال في سن العاشرة والحادية عشرة لحل مسائل الرياضيات على أصوات الموسيقى. فكانت النتيجة: تم حل 36 تمرينًا مع الموسيقى، و27 تمرينًا بلا أي صوت للموسيقى. ما ألاحظه شخصيًّا أن الموسيقى تعطي لحياتي معنى، تحيي تفاصيل يومي، وتجعلني أتمايل انشراحًا.
البهجة
عندما كنت أستمع لمعزوفة بيتهوفين، كان هنالك مقطع فيديو آخر لموسيقيين يعزفونها في ساحة عامة وقد تجمع حشد غفير لمشاهدة هذا الفن العظيم، ملامحهم كانت تحكي شدة انبهارهم، إنصاتهم وتركيزهم العميق، والأطفال كانوا في غاية الحماس والبهجة. في وقت سابق كنت أشعر بالذنب يتسلل إلى كلما قررت أن أصغي لصوت الأنغام، وحاولت جاهدة أن أتخلص منه وقد فعلت، وها أنا أصبح أكثر حيوية ومعنى وجمالًا.
أعلم أن لكل شخص ذوقه الخاص في اختيار الموسيقى التي تناسبه، لكني لا أعلم كيف يشعر من لم يجرب إحساس الاطمئنان والدخول إلى عالم آخر من خلال الموسيقى. أعتبر الموسيقى نعمة من نعم الله علينا. ماذا عنك؟ هل تعتبرها نعمة أيضًا؟