لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
حين نتحدث عن العنف ضد المرأة يعتقد البعض أننا نقصد العنف في مجتمعاتنا الشرقية فقط، على الرغم من أن هذه الظاهرة البشعة موجودة وبقوة في الكثير من المجتمعات الغربية، ولكن الفرق الوحيد بين مجتمعاتنا الشرقية والمجتمعات الغربية أن هذه المجتمعات الغربية يوجد بها قوانين تنظم العلاقات والحدود، فتجد في أغلب الأوقات أن الزوج الذي يعنف زوجته يلقى عقابًا قانونيًّا، على عكس القوانين التي تنظم المجتمعات الشرقية والتي لا يوجد فيها قوانين واضحة وحاسمة تتعلق بهذه القضية، وهو ما يمثل نوعًا من أنواع التشجيع الضمني لبعض الرجال على الاستمرار في مسلسل العنف المنزلي وتحديدًا العنف ضد الزوجات.
أما عن أبرز الأسباب التي تجعل النساء تتقبلن العنف فهي كالتالي:
1. المجتمع الذكوري
المجتمعات الشرقية والعربية بالتحديد تقدس كل ما هو ذكر، تعتبر أن الصبي أنفع من الفتاة، وحتى مع التطور الشديد الذي نعيشه ما زال البعض يحتفل بمعرفة أن الجنين ذكر ويسود وجهه من الحزن لمجرد أن نوع الجنين طفلة، على الرغم من أن كلاهما رزق من الله، لا دخل لنا كبشر أيّ يدٍ فيه، إلا أن هذه ثقافة المجتمع، وهذه الثقافة تجعل أي فعل أو أي تصرف مقبول ومحبب إن قام به رجل، أما إن قامت به سيدة فسيتم تصنيفها أخلاقيًّا ويحكم عليها بالفجر والعهر.
دعني أضرب لك مثالًا: حين تموت الزوجة تبدأ المطالبات على الأرمل أن يتزوج بعدها فقط بعد مرور 40 يومًا، أما حين يتوفى الرجل فينتظر من المرأة أن تُفني عمرها حزنًا عليه، وإن تزوجت سواء بعد مرور عام واحد أو عشرة أعوام تتهم بالخيانة وينظر لها نظرة دونية، شخصيًّا أعرف سيدة توفي عنها زوجها وبعد عشرة أعوام أرادت أن تتزوج فرفض أبناؤها بحجة أنهم كبار ولا يمكنها أن تفعل بهم ذلك، تخيل عزيزي القارئ أن هذه السيدة توفيت بعد وفاة زوجها بـ31 عامًا، واحد وثلاثون عامًا كاملة عاشتهم وحيدة دون ونس أو رفقة، لمجرد أنها خافت من تهديدات أبنائها ومن نظرة المجتمع.
لذا حين نقول إن المجتمع ذكوري نحن لا نكذب، فحتى حين تتعرض المرأة للعنف وللضرب ستجد من يتهمها أنها السبب “أنت عصبتيه” “أنت مستفزه”، وغيرها من العبارات التي تحفظها المرأة جيدًا وتجعلها تصمت وتفضل الاستمرار مع زوج عنيف، لأنها تعلم أنها دائمًا المدانة والمخطئة، ولن يوجه له أحدٌ أيّ لوم.
2. التربية
تتربى النساء في هذا المجتمع على أنها أقل شأنًا من الرجل، ومع ذلك في نفس الوقت لا بد أن تتحمله وتحتويه وتغفر له أخطاءه وتتجاوز عن عيوبه، فنجد أن المرأة مطالبة أن تصمت حين يكون زوجها ثائرًا، ألا تردّ عليه حين يخاطبها بعنف، ألا تدافع عن نفسها حين يهاجمها، وإلا أصبحت سيدة “مسترجلة” ولا تصلح لتكون زوجة من وجهة نظر المجتمع.
كما أن العنف من الأشياء الأصيلة في بعض المجتمعات وبالتالي تتربى الفتاة وهي ترى والدتها تضرب وتهان، ويتربى الولد وهو يرى والده يضرب والدته ويهينها، فيتحول هذا النموذج بالوقت إلى النموذج الصحيح الذي ترسخ في أفكارهم وبالتالي لا بد أن يتم تطبيقه في حيواتهم في المستقبل.
3. الأوضاع الاقتصادية
على الرغم من ارتفاع معدلات التعليم العالي في مجتمعاتنا الشرقية والعربية، فإن هناك نسبة كبيرة من النساء يفضلن البقاء في المنزل من أجل العناية بالأسرة والأطفال على الخروج للعمل، بالطبع اختيارهن لا بد أن يحترم ولكن للأسف هذا القرار يكلفهن الكثير. فالمرأة التي تفضل البقاء في المنزل تتخلى عن وجود مصدر دخل ثابت لها، وبالتالي تفتقد إلى القوة المادية، ولا أخفي عليك خبرًا القوة المادية تعطي الرجل الأفضلية، بل وتعطيه الحق أن يبيع ويشتري في زوجته، وإلا حرمها من الإنفاق.
حتى حين تستحيل العشرة بين الزوجين وتفكر الزوجة في اللجوء لطلب الطلاق تفكر ألف مرة، وذلك لأنها تعرف أنه لا يوجد لها أو لأطفالها عائل سوى هذا الزوج، فتقرر تقبل الإهانة والحياة السيئة المزرية على أن تلجأ للقضاء وتحصل على الطلاق.
حتى القوانين الخاصة بالطلاق والنفقة والحقوق المادية في مجتمعاتنا معيبة، فنجد أنه حين تلجأ المرأة للمحكمة لكي تحصل على أموال نفقة لها أو لأطفالها تستغرق هذه العملية شهورًا طويلة، وحتى وإن حكم لها في النهاية بالنفقة لا يوجد ما يجبر الزوج على دفع هذه النفقة، فنجد ملايين المتهربين من دفع نفقات أطفالهم وتركهم للجوع والذل أو للضياع.
تعاني المرأة في هذا المجتمع الكثير، وتتحمل الكثير، ولن يتغير حالها أو معاناتها إلا إذا قررت أن تكون أقوى وتدافع عن نفسها وحقوقها، وأن تتكاتف مع باقي النساء لتربية جيل صالح يعي أن المرأة مهمة في المجتمع ويجب تقديرها واحترامها.