لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
ماذا لو عاش كل الناس بنفس مستوى الرفاهية، وفي ظروف متطابقة جدًّا، لا ينقصهم شيء، ورغباتهم محققة بلا أي تأخير. وهل الاكتظاظ السكاني الحاصل في المدن له أثر على سلوكياتنا كبشر؟ هل ذلك الاكتظاظ يمكن التغاضي عنه طالما تتوفر لنا سبل الراحة؟ وكيف يكون السبب في انهيار السلوك البشري، وهل سيكون دافعًا قويًّا لتحولهم إلى العنف واللامبالاة؟ هذا ما درسه “جون كالهون” في تجربته الشهيرة “الكون ٢٥”، والتي سنتحدث عنها في هذا المقال.
فكرة تجربة الكون ٢٥
بين عامي ١٩٥٠ و١٩٧٠ قام عالم السلوكيات الحيوانية “جون كالهون” بتجربة أطلق عليها اسم “الكون ٢٥”، كانت تهدف لدراسة تأثير الاكتظاظ السكاني على سلوكيات البشر، ومعرفة ما الذي سيحدث إذا ما توفرت كل سبل الراحة، بلا قيود أخلاقية أو قانونية. فقام ببناء مكعب كبير بمساحة كافية للعيش فيها، وقام بتوفير الغذاء والماء، وبعض الألعاب، ثم وضع داخل المكعب أربعة أزواج من الفئران تتمتع بصحة جيدة، ولا تشكو من أي أمراض.وبدأت الأزواج بالتكاثر وساعدت الظروف الممتازة في تزايد العدد بسرعة، وبعد ٣١٥ يومًا توقفت زيادة العدد وبدأت في الانخفاض، رغم الإمكانيات والصحة الجيدة، وتوفر كل شيء.
بداية تغير السلوك
بعد بداية انخفاض العدد، لاحظ كالهون تغيرًا كبيرًا في سلوك الفئران وظهور ما أسماه “بالبؤساء”، وهي قوارض كبيرة تحول مزاجها إلى عدواني، حيث بدأت في مهاجمة الفئران الصغار. وتمَّلك الخوف بقية الفئران الذكور مما أبعدهم عن الإناث التي بدورها تغيّرت وأصبحت منعزلة، وعدوانية، وفقدت رغبتها في الإنجاب.بعدها ظهرت طبقة “الفئران الجميلة”، وهي التي لا تقوم بأي نشاط سوى الأكل والنوم، وابتعدت كليًّا عن التجمع وعمليات الهجوم والعنف، وامتنعت تمامًا عن التكاثر مما أدى إلى انتشار الشذوذ الجنسي بين الفئران، مع ازدياد ظاهرة أكلة اللحوم، حيث لم يعد قتل الصغار كافيًا، بل يتم أكلها، ومع انتشار الأمراض لاحظ كالهون تغيرًا واضحًا في أخلاق الفئران، وأصبحوا كسالى جدًّا.بعد كل تلك السلوكيات وصل معدل الإنجاب إلى “الصفر”، والوفيات إلى 100%. وبمرور عامين على التجربة ولد آخر فأر في المستعمرة وبحلول 1973 قتل آخر فأر فيها، كرر كالهون التجربة 25 مرة وفي كل مرة يحصل على النتيجة ذاتها، وتحوّلت جنة الفئران إلى جحيم ثم إلى الزوال النهائي.أحدثت تجربة كالهون ثورة في علم الاجتماع، وبعيدًا عن المثالية، بدأت التساؤلات والحيرة وفتحت أبواب النقاش بخصوص الانهيار الاجتماعي الذي تعيشه أغلب المجتمعات وخاصة الغربية.
هل نتائج التجربة تنطبق على التجمعات البشرية؟
برغم نتائج التجربة الصادمة إلا أننا لا يمكن أن نعتمد على سلوك الفئران في فهم سلوك البشر يقول كالهون مشيرًا إلى صعوبة التطابق بين سلوك البشر والفئران: “أعلم أنني يجب أن أتحدث عن الفئران ولكن بالي على البشر”.فنحن نتفق على أن الاكتظاظ السكاني مشكلة حقيقية وواقعة لا شك فيها، لكن البشر أثبتوا قدرتهم على التكيف معه وإيجاد حلول وقتية أو ربما جذرية، بعكس الفئران التي تغير سلوكها وتوقف تكاثرها وزالت نهائيًّا.أضف إلى ذلك صعوبة دراسة سلوك البشر على غرار تجربة الكون ٢٥ التي كانت الموارد فيها غير محدودة، والصعوبة هنا بسبب موارد البشر المحدودة، بالإضافة إلى إمكانية النجاة من الأمراض والأوبئة مستحيل ولا يمكن تحقيقه، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار القول بأن التزايد في التعداد السكاني يتناسب عكسيًّا مع تزايد الموارد الغذائية والمائية وغيرها من الموارد التي يحتاجها الإنسان لاستمراره في الحياة.قد يبدو من المستحيل تطبيق النظرية على المجتمع البشري للأسباب السابقة، إلا أنها لفتت انتباهنا إلى شيء مهم، وهو أن السعادة لا تكمن في امتلاك كل شيء، ولا في الراحة غير المحدودة، بل كلما زادت سبل الرفاهية كلما انغمس الإنسان في الكآبة، وأصبح يدور في حلقة مفرغة، وهذا ليس غريبًا، لأنه بذلك يفقد الدافع للحياة وأسباب السعي.
إليك أيضًا
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد