لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
في هذه السنة المليئة بالتعب النفسي كانت هناك أشياء تساعدني على تحمّل تلك الضغوط، وهناك أشياء أخرى على النقيض كانت تزيد من حدة الحياة وصراعها لدي، ولم أشعر بالظلم والعجز وقلة الحيلة كما شعرت في تلك السنة، وكنت أشعر بأني وحيدة وأن لدي الكثير من القرارات ولكن لم أجد الدعم والحافز لي تحت تلك القرارات الصعبة، ونعم بقيت تحت تلك القرارات ولم أتخذها، واكتشفتُ في نهاية السنة بعد مشاهدتي لفيديو في اليوتيوب عن "الاحتراق الداخلي" أنني كنت أحترق داخليًا دون أن أدري.
بعض الأمور التي أثرت عليّ في تلك السنة:
1- المقارنة:
لقد استنزفتُ عمرًا كاملًا مني ومن طاقتي ومشاعري وتفكيري في التفكير في أقدار غيري، دومًا كنت أعرف أنه لا يمكن المقارنة بأقدار من حولنا، ولكن المعرفة شيء والإيمان بما تعرفه شيء آخر، الإيمان ينتج عن تجربة أو تفكير عميق بعد محاولات خاطئة. قارنت نفسي بالقريب والبعيد في كل شيء، ونسيت أن لكل شخص قدر مرتب له، هل أستطيع تخيل ذلك؟ قدر مرسوم له، له ذكاؤه وغباؤه، له ذنوبه وحسناته، له جهده و كسله، له خوفه وحبه، له أمله وتشاؤمه، وهذه كلها تؤثر في قدره وكلها لا أستطيع أن أقارنها بالتي هي عندي. كنت أنتظر انهزام غيري لأنتصر، وقلقه لأرتاح، وكنت أراقب مشاعرهم عن كل حدثٍ مقلق وأقيسها بالتي هي عندي، وكل تلك المقارنة قيّدتني فعلاً وأرهقتني.
2- الجدية الزائدة في حياتي:
أنا أعترف بأني أخذت الحياة بجدية مبالغ بها، في تلك السنة خصوصًا، يمكننا جميعًا أن نكون جديين لدرجة مختلفة ولكن إذا كانت إمكانياتك صفر ووعيك قليل وتفكيرك بسيط كيف تصبح جديًا في فهم شيء كالحياة، كالحب، كالزواج، كالألم، كالانكسار، كالمشكلات.. سوف تختلط الأمور وتعتقد أنها مترابطة وأنها جميعًا تُفهم بنفس الطريقة، عندما أرى الذين في عمري أكتشف شيء وهو أنهم لا يحمّلون أنفسهم فوق طاقتهم، ولا يقومون بأشياء فوق عمرهم ومرحلتهم، يطلبون المساعدة عند الكسل وعند الجهل، ولا يركضون وراء المجهول والمستقبل، إنهم مشغولون بأشياء يحبونها، ولكنهم لا يفكرون كثيرًا في الماضي ويندمون، ولا يفكرون في المستقبل ويقلقون. كم كرهت إجبار نفسي على أن أكون قوية، واثقة، ومعتمدة على نفسي، وكم جررت أقدامي لأجبر نفسي على فعل شيء وحدي فقط لأثبت لنفسي وغيري بقوتي.
3- اللوم:
لطالما لمتُ نفسي عندما أكون قوية أقول لا داعي لكل هذه القوة، وعندما أتظاهر بالكسل واللامبالاة أوبّخني على النتائج العادية، دائمًا أراني السبب في كل ما يحدث من نتائج، ألوم نفسي على التعب وعلى الراحة، وألومها على الحقد وعلى الطيبة، ألومها على التجاهل وألومها على الاهتمام وعلى قدري وشعوري وعلى كل شيء.
4- الأصدقاء:
لا تزال علاقتي مع الصداقة سيئة، وها أنا في آخر سنةٍ جامعية وحيدة دون أصدقاء كُثر كما كنت أتخيّلني، لدي شعور بالألم والكره تجاه الأصدقاء، لدي أشخاص كنت أعتقد أنهم أصدقائي وكلما كبرت تذكرت كم كانوا أغبياء وأنانيين، كنت في آخر سنة في الثانوية مكتئبة على غير عادتي، ولم أرَ أيًا من صديقاتي اللاتي كنّ طوال الوقت معي بأنهن فعلن شيئًا تجاهي، المشاركة أكثر شيء أقدّره وأجيده، أحب أن أشارك الأشخاص من حولي كل شيء، فعليًا كل فكرة كل موقف جديد كل فائدة كل ماسك جميل للوجه كل فيديو مؤثر. كنت في تلك السنوات الدراسية فتاة لا ترفع عينها عن الكتاب ولا تحمل جوالا بيدها وأجهل الكثير من كل شيء، وبعد أن دخلت الجامعة اكتشفت الكثير من الأفلام والمسلسلات والأغاني التي تحبها صديقاتي دون أن أعلم، وكم شعرت بالألم حينها. سعيدة الآن أنني أتجاهل هؤلاء الأصدقاء وأنني لا أشتاق لهم و لا أتحدث إليهم مطلقًا، وأنني حقًا أعتبر نفسي الآن أفضل منهم حالًا.
5- البكاء:
لا توجد علاقة بيني وبين البكاء إلى الآن، لا أستطيع البكاء بمفردي وتفريغ الألم، مع أن هذه السنة كانت مليئة بالوحدة والانكسار والجرح، ولكنني لم أبكِ بمفردي وأحيانًا أجبر نفسي على البكاء ولا أعلم ما الذي كتم صوت البكاء فيني.
كيف تجاوزتها؟
1- التنفس:
التنفس يفرّغ كل ما في داخلي من آلام وانكسارات ومخاوف وقلق وتوتر يصل لعقلي ويخرج الأفكار السامة، ويصل لأطرافي ويخرج التوتر، ويصل لقلبي فتخرج المشاعر الحزينة، يصل لكل ما في داخلي ويخرج كل ما لا أفهمه فيني، يجعلني أكثر رضًى وأمان وقوة وتفاؤل ويجعل الأمور بخير.
2- الكتابة:
هي كل شيء في حياتي، في فترة الشهور السابقة لم أعرف كيف أكتب، كنت أشعر بتعب وثقل وتشتت عند الكتابة، ولم أكتب الكثير من حزني وأفكاري، ولكن عندما أصبحت الآن أكتب أشعر بأنني أكثر هدوءًا، عندما أرتب الحروف لتصبح كلمة أشعر أن الأفكار تتراص في عقلي وتصبح مرتبة وكل فكرة تأخذ حجمها الطبيعي، الكتابة هي الصديقة الوحيدة لدي، لدي أكثر من دفتر مليء بيومياتي وأفكاري ومشاعري ومخاوفي، آلام، عوات، حب، كره، خوف، نجاح، أشعر بأني مدينة للكتابة وبأنها عالمي. مرة قرأت بأن من يكتب يومياته ومشاعره وأفكاره سيكون لديه قدرٌ عظيم، أستطيع تخيل ذلك، فهو يرى ما عاشه ويجعله يستمر، يرى بأنه تجاوز الصعوبات وأن لديه أحلام وأنه يريد رسم حياته كما يكتبها، يرى في سطور دفتره تغير خططه من فترةٍ لفترة وعند كل شعور، لذا يؤمن بأن قدره وأيامه سيتغير سيرها ولا وجود للثبات أبدًا، وكأنه بالكتابة يحثّ قدره على التغير وعدم الثبات.
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد