Loading Offers..
100 100 100

أنا مريضة البرود وتبلد المشاعر .. ومتأكدة أنك أيضا كذلك

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

أعترف أمامكم جميعًا أنني مريضة بتبلد المشاعر والبرود في مواجهة المصائب، أعلم أن بعضكم قد يتخيل أن الأمر ليس سلبيًا كليًا، قد تتخيل أن هذا التبلد والبرود يساعد في التعامل بشكلٍ أفضل مع الأزمات والمشكلات، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها، لكن في نفس الوقت هذا الأمر مرهق جدًا على النفس، فأنا أحبس مشاعري وانفعالاتي وللأسف ليس بإرادتي بل رغمًا عني.

حين كنت أصغر، تحديدًا حين كنت في الثامنة عشر من عمري توفي والدي، يومها لم أستطع البكاء إلا بعد انتهاء اليوم، كان عقلي غير واعٍ لما يحدث، لم أدرك حقيقة ما حدث، في الواقع استغرقت أعواما حتى أتمكن من استيعاب ما حدث، لكني لاحظت أن منذ ذلك الوقت ورغم مرور ثلاثة عشر عام أنني فقدت الشعور بالتعاطف أو بالحزن لفقد أي أحد.

قد أحزن لمدة خمس دقائق ومن ثم ينتهي الأمر وكأن لم يكن، أعتقد أن من حولي يشعرون بالضيق بسبب هذا، وأنا أيضًا أشعر بالضيق في كثير من الأحيان، أشعر أنني لا أمتلك أي مشاعر. فكّرت كثيرًا في هذه المشكلة وحاولت أن أتداركها بشكلٍ أو بآخر لكن بدون أمل، حتى التعاطف مع نفسي أو البكاء بسبب شيءٍ ما يبدو أحيانًا حلما بعيد المنال عني، أشك أحيانًا أن القناة الدمعية لدي لا تعمل لسببٍ ما حين أريدها أن تعمل.

هذا الأمر دفعني إلى البحث في التاريخ -تاريخي الشخصي على وجه التحديد- منذ ذاك العام المشؤوم 2006 الذي توفي فيه والدي بدأ الإدراك لدي بالعالم يتخذ شكل أكثر تركيزًا، في ذلك العام وقع حادث العبّارة "عبارة السلام" الكارثي الذي راح ضحيته مئات الأشخاص، بعدها توالت الأحداث السيئة على مصر والعالم العربي والعالم كله، وبالطبع مثل أي منزل نشاهد الأخبار كجزءٍ لا يتجزأ من اليوم وهو ما جعلني أتابع الكثير من الأحداث المرعبة والقاسية والدموية.

مع بداية الربيع العربي عام 2011 لم أكن أتحرك من أمام التلفاز، شاهدت عمليات القتل على الهواء مباشرة، شاهدت الدماء تتناثر بين شباب العالم العربي، شاهدت القتلى وذويهم يبكون، وشاهدت الجرحى يتألمون، شاهدت أطفال شردوا عن والديهم وتتساقط دموعهم أمام الكاميرات.

على الرغم من رقة وشاعرية فكرة الثورة والتصدي للظلم إلا أن الناتج كان دمويا أكثر مما قد يحتمل أيًا منا، هذه الدموية التي أصبحت عادية بالنسبة لنا جميعًا حولتنا من الداخل إلى كائناتٍ تشبه الموتى الأحياء -الزومبي- لم يعد يؤثر فينا الموت أو الدماء، وحتى الحروب والدمار والقتل العشوائي الذي يحدث ونراه مباشرة صرنا نتأثر به لمدةٍ قصيرة وبعدها نذهب لنتأثر بحادثٍ مروّعٍ آخر.

حادث تلو حادث، ودماء فوق دماء، وملايين القتلى والجرحى، كل هذا أصبح جزء من يوم كل شخص فينا، كل هذا أصبح مكون أساسي من كيان كل شخصٍ فينا، لم يعد مشهد الدماء منفرا لنا، صارت وكالات الأنباء تتصارع وتتسابق لنشر صور القتلى وفيديوهات الذبح والإعدامات العشوائية، صار القتل ضمن الأفكار التي غرسها الإعلام بداخلنا.

حتى الألعاب التي تحتل جزء كبير من وقت الفراغ لدينا وأشهرها PUBG  تعتمد اعتماد كليا على القتل وسفك الدماء، وكلما قتلت عددا أكبر وأسرع كنت الأفضل وفي مراتب أعلى، حتى عالم الألعاب والتسلية تحول إلى حيز مرعب ومليء بالقتل والدماء.

صدقني أن حالة التبلد والبرود التي أصبت بها ليست حالة فردية أبدًا، انظر إلى نفسك وكن صريحًا معها، وأخبرني عن اسم آخر شخص تعاطفت معه حقًا وتضامنت معه في حزنه أو في ألمه، أخبرني عن أطول مدة قضيتها تشعر بالحزن تجاه شخصٍ ما أو حدثٍ ما، صارحني هل تحزن فعلًا وتترك العنان لدموعك وللطفل بداخلك يعبر عن نفسه بحرية وطلاقة أم لم تعد تهتم، لم يعد لديك أي شيء تعطيه لأحد!

أعلم أنني لست على صواب، وأعلم أنني لست وحدي في هذا، بل نحن ملايين، لكني في نفس الوقت لا أعلم الحل، لا أعلم كيف أهرب من هذه المشاعر وهذه الدائرة الفارغة؟!

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..