لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
إن الموروثات الاجتماعية هي نتاج ثقافة مجتمع لديه صفات متشابهة ولّدت سلوكيات مشتركة. تلك السلوكيات تحوّلت مع الزمن إلى عاداتٍ شكّلت أنماطًا وقِيَمًا مجتمعية مختلفة، الموروثات الاجتماعية هي مرآة لطبيعة البشر ومعتقداتهم وعصارة التجارب الحياتية اليومية.
ترجمت بعض السلوكيات التي تعكس الموروثات الاجتماعية لعباراتٍ تناقلتها الأجيال، جيلاً بعد جيل، بعضها موافقة للشرع والبعض الآخر مخالفة له، أطلقوا عليها اسم (الأمثال).
كثيرًا ما نسمع من المتقدمين في السن أمثالاً يعتبرونها تربوية بل هي عندهم مصادر موثوقة للتربية. مثل: (العصا لمن عصى)، (إذا ضربت فأوجع)، يُقال للمعلم (لك اللحم ولنا العظم)، (هَمّ البنات للممات)، (لما يجي الصبي بنصلي على النبي) وغيرها الكثير مما ورثه الآباء عن الأجداد ويترنمون به في مجالسهم.
تلك الموروثات تربى عليها الآباء ويجتهدون في نقلها معهم عبر الزمن لتثبيتها في عقول الأجيال واستخدامِها ظنًا منهم أنها الحبلُ المتين لوصلِ ماضيهم بحاضرهم وإبقاء الإرث الاجتماعي والمحافظة عليه.
كيف يتأثرُ الطفل بالمقولات الشائعة؟
ما شعور الطفل عندما يسلّمُه أبوه لمعلمه وهو يقول في نهاية اللقاء (لك اللحم ولنا العظم)؟
إنني شخصيًا أتوقع أن يشعرَ الطفل أنْ قدْ سلمَه أبوه لجزّارٍ لا لتربوي! كيف لذلك الطفل أن يحبَّ المدرسة والتربويون فيها يجزون اللحم عن العظم. وإن كان هدفُ العبارةِ صحيحًا إلا أنَّها قاسيةٌ وسيشعر الطفلُ بعدم رغبته في الذهاب إلى المدرسةِ فقد اتفق الأب الفاضل والمعلم التربوي عليه! والطفل ذكيٌّ بطبعه سيفهم مقصد أبيه وما يريده من العبارة. ولا أستبعد أن يتمرَّد في المدرسةِ ليثبتَ نفسَه للجميع.
ماذا عن المَثَلَين (إذا ضربت فأَوْجع) و (العصا لمن عصا)؟
من أين أتت ثقافةُ ضرب الأطفال؟ إن كانت هذه الثقاقة الخاطئة عامة وورثها الآباء عن الأجداد فلا بد أن تطبَْقَ على الكبير قبل الصغير وعلى كل من يخطئ. فليس عدلاً أن يُخطئ الصغيرُ فيُضرب ويُخطئ الكبيرُ فيعاتب كلاميًا فقط احترامًا له. ضرب الطفل يعكس مجتمعًا لا يحترم الآخرين، واحترامه للكبار فقط ما هو إلا شكليات وتصنٌع اجتماعي بغيض لا حاجة للمجتمع له. على أفراد المجتمع التدرب على تقدير الطفل واحترامه وعدم إشعاره أنه عَبْد للكبار كما عليهم انتهاج سلوكيات تُشعر الطفلَ (لبنةَ المجتمع) أنه إنسان له حقوق وواجبات كما الكبير تمامًا.
إنَّ تلك العباراتين تؤلمان الطفل فبل وقوعِ العصا عليه. وتجعلانه لا يحترم أحدًا مهما رباه والداه على الاحترام فالنظرياتُ الخالية من التطبيقِ العملي لم يعدْ لها قبولاً في النفس ولا مكاناً بل إنها أضحت خاويةً بلا معنى.
كثير من الأمهات اللواتي يضربن أطفالهن يرددن عبارة (لن تكونوا أحن على أولادي مني) وأنا أقول لأولئك الأمهات أنت حنونة يا سيدتي لكنك غير واعية ولا مثقفة تربويًا لأنك ارتضيت الضرب وسيلة للتربية.
هل فعلا (همُّ البناتُ للممات)؟
سعيدةٌ تلك الفتاة التي تولد وسط عائلةٍ مثقفةٍ تربويًا؛ نظريًا وعمليًا. ففي تلك الأُسرة تجد كلَّ مقومات الاحترام وتقدير الذات والاهتمام. فلا تشعر تلك الصغيرة أنها عبء على عائلتها أو أنَّ بمجيئها زادَ الهمُّ.
الأم هي من يجلب الهَمَّ بطريقةِ تفكيرها وبما نقلته من ماضيها من موروثات اجتماعية. لا شك أن والدتَها كانت تعتبرُها همًّا لذلك عاملت طفلتها بنفس الطريقة.
إن هذا المَثَل ما هو إلا وأد للبنات وهن أحياء. كيف سيتشكّل المجتمع المحيط في نظر تلك الطفلة وما الانطباعات التي ستتبلور في نفسها عن بيئتها الصغيرة وكيف ستواجه الحياة وهي تشعر أنها الهَم لوالديها.
أما المَثَل الأخير فهو الجهل بأمِّ عينه
(لما يجي الصبي بنصلِّي على النبي) هو الإحباط والتمرد لشخصية البنت والنرجسية والتسلط لشخصية الولد. هي التربية الخاطئة المدمرة للإثنين معًا. ذلك الدمار الشامل للأجيال هو مسؤولية الأب والأم. عليهما تدارك ما يمكن تداركه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وإعادة هيكلة شخصيات الأطفال التي تم تدميرها بالموروثات الاجتماعية سواء الموروثات السلوكية أو اللفظية.
تلك الموروثات التي عبرت السنين حتى وصلتنا ماهي إلا نتاج أفكارٍ مهترئةٍ بعيدةٍ عن الشرع وعن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. أفكار تعتبر أوبئة مجتمعية بحتة ليس لها علاج سوى البتر.
إن أطفالَنا أمانةٌ في أعناقِنا وهم انعكاسٌ لنا لا بد أن نُحسنَ تربيتَهم والنهوضَ بهم ونراعي كلامَنا أمامَهم وننتقي أحسنَ العباراتِ التي تدفعُهم نحو العلياء وتبقيهم في الصفوف الأولى دائما. ليس صعبًا أن تجعلَهم يعيشون في سعادة وهناء ما عليك سوى أن تحفظَ عليك لسانَك وتدعو الله أن يرزقك حُسْنَ الكلام وجميلَ الحديث.