لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
هل يمكن أن يتحدث العالم بلغة واحدة؟ للإجابة على هذا السؤال، نحتاج إلى التفكير في سبب وجود لغاتٍ متعددةٍ في المقام الأول. يفترض العلماء أن الإنسان بدأ يستخدم اللغة قبل 100000-200000 سنة بالكيفية التي نعرف بها اللغة الآن، وكان الإنسان وقتئذ يستوطن مساحةً من الأرض محدودة نسبيًا، ومن المستحيل علميًا أن تنشأ اللغة بطريقةٍ تلقائيةٍ في أكثر من مكان. لذلك؛ في مرحلةٍ ما كان هناك عدد محدود من اللغات بين مجموعات من الناس الذين لديهم قدر من القرب الجغرافي، كان من السهل نسبيًا ظهور لغة واحدة في ذلك الوقت، حيث كان بإمكان الجميع التحدث بلغتهم الأم، وقد كان من الممكن أن تكون الأمور على هذا النحو حتى الآن.
لكن هذا لم يحدث، في الواقع حدث العكس، احتاجت هذه المجموعات الصغيرة إلى أن تطوّر طريقةً ما لفهم بعضهم بعضًا، لذلك توصلوا إلى مفرداتٍ وصيغة بناء جملة تعني شيئًا لهم، وبالمثل فقد احتاجت مجموعة من الأشخاص في مكانٍ آخر من العالم إلى مفرداتٍ مختلفةٍ تمامًا من الكلمات. وانتشر البشر في جميع أنحاء العالم والنمو السكاني ازداد أضعافًا مضاعفة، ومن هنا تطورت اللغات، وكذلك ازداد عددها، حيث تشير التقديرات إلى أنه كان هناك ما يقرب من 10000 لغة يتم التحدث بها منذ بضع مئات من السنين فقط.
هناك سببان لهذا، الأول هو أن اللغات تتغير. والثاني هو أن اللغة تعتبر دليل الهوية ، ومن السهل أن نرى أمثلة على تغير اللغات، انظر كيف تختلف اللغة الإنجليزية في مؤلفات شكسبير عن اللغة الإنجليزية المعاصرة، وهذا يوضّح التغيير الذي حدث في اللغة الإنجليزية على مدى مئات السنين الماضية. عندما يستمر حدوث ذلك وتتغير نفس اللغة بطرقٍ مختلفةٍ في مناطق جغرافيةٍ مختلفة، ستحصل في النهاية على لغاتٍ جديدة. المثال الأكثر وضوحًا هو تحول اللهجات اللاتينية إلى لغات رومانسية.
ملحوظة؛ اللغات الرومانسية حول العالم: الإسبانية، الفرنسية، البرتغالية، الإيطالية، الرومانية، وهي اللغات التي أصلها اللغة اللاتينية وتنتشر في جنوب أوروبا.
لذلك، الجزء الأول من الإجابة هو أن الاتجاه العام أن اللغات تنتشر في بقاعٍ مختلفة، كما أنها تتباين وتختلف من منطقةٍ إلى أخرى، قد يكون ردكم هو أننا الآن في نظامٍ عالميٍ جديد حيث تسيطر العولمة على العالم بأسره في ثقافةٍ واحدةٍ مشتركة، تيسرها تكنولوجيا الإنترنت.
كان السفر بين المجموعات التي تتحدث لغات مختلفة صعبًا عبر التاريخ، أمّا الآن، نحن نعيش في عالمٍ مختلفٍ حيث يمكننا ركوب طائرة في مدينة نيويورك والهبوط في الصين بعد ساعات. في عالمٍ عالميٍ كهذا، يجب أن نسأل أنفسنا هل ستكون هناك فائدة من التحدث بنفس اللغة؟ لقد دعت بعض المجموعات إلى تبنّي لغةٍ عالمية، ولكن سيكون من الصعب العثور على مجموعة مستعدة للتخلي عن لغتها الخاصة أو ثقافتها وتاريخها، فالثقافة والتاريخ جزءًا لا يتجزأ منها.
هذه هي النقطة التي يأتي فيها الجزء الثاني من الإجابة، إن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل تعبيرًا عن الهوية أيضًا. نحن نعلم أن الناس يتواصلون بلغتهم عن أفكارهم ومعتقداتهم وهوياتهم، لذا فإن العقبات التي تعترضنا لو أردنا توحيد لغة العالم تشبه العائق الذي يواجهنا لو أردنا أن يرتدي العالم نفس الملابس.
لقد أدى الاستعمار ومركزية الدولة إلى انخفاض عدد اللغات من 10000 إلى حوالي 6000 اليوم، بمعنى آخر، العالم لا يريد لغة عالمية، يطمح البشر إلى أن يكون لديهم هوياتهم الخاصة المتميزة وهي نفس الطموحات التي تدفعنا إلى التلويح بالأعلام المختلفة، والاستماع إلى موسيقى مختلفة، وبما أننا لدينا ثقافات مختلفة، يعني أننا سنظل نتواصل باستخدام لغاتٍ مختلفة.
والآن هل ترى أنه من المفيد للعالم أن يتحدث لغةً واحدة وأن تكون له ثقافة مشتركة؟
بعض الناس يتمنى ذلك والبعض الآخر يراه مستحيلاً، في رأيي إن التنوع اللغوي والثقافي والتنوع بشكلٍ عام في العالم هو أمرٌ حيوي، وهو ما يثري الحياة، فقد خلقنا الله مختلفين في لغاتنا وثقافتنا وفي تلك الإرداة الإلهية حِكمًا عظيمة ودلالاتٍ تستحق التأمل والتفكر.
قال الله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِين}