لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
قبل عدة شهور، كنت مدمنًا على استخدام تطبيق الواتس أب في كثير من جوانب حياتي، وفي لحظةٍ نادرة قررت التوقف عن استخدام التطبيق، لم يكن القرار مفاجئًا بل كان مدفوعًا بجملةٍ من الأسباب. أولها، الإرهاق الذهني من كثرة التقاط الجوال وفتح التطبيق للتأكد من وجود رسائل تعنيني أم لا، كان قد سبق هذا القرار إيقاف كامل لكل الإشعارات الصادرة من التطبيق، ولكن ذلك لم يحل المشكلة بل زادها سوءًا، فأصبح العقل يقوم بمهمّتين: وهي تذكيري بفتح التطبيق، والمهمة الأخرى هي التفاعل مع الرسائل داخل التطبيق.
بعد ذلك قمت بالخطوة الكبرى وهي إغلاق تطبيق الواتس أب تمامًا وتخصيص وقت خلال اليوم. لم أتقبل الأمر في البداية ولكن الإصرار جعل هذه العملية ناجحة. كانت تلك تجربة مذهلة ساهمت بتقليل الإجهاد الذهني، يومًا بعد يوم بدأت أزيد في المدة حتى وصلت لأسبوعٍ كامل لا أقوم فيه باستعراض التطبيق، استمريت كذلك لعدة أسابيع حتى تخلصت من إدمان الواتس أب، ثم بدأت مرحلة جديدة باعتبار التطبيق مخصص لوقت الفراغ فقط ولا تتجاوز مرات فتح التطبيق مرة أو مرتين على الأكثر لكل يوم أو يومين.
ماذا حدث حتى وصلت لتلك المرحلة؟
طبيعة تطبيق الواتس أب المبنية على التواصل السريع وتبادل الصور ومقاطع الفيديو، جعلت منه مرغوبًا سواءً على مستوى العلاقات الشخصية أو في مجال العمل، الكثير من العلاقات الشخصية تجددت وتطورت، وازداد التواصل بين الأشخاص بشكلٍ كبير حتى تجاوز الحد المعقول في بعض الحالات، وفي مجال العمل، رأى كثير من المديرين والقادة في الواتس أب فرصة للوصول المباشر للموظفين والمعلومات، وأصبح الموظفين يديرون أعمالهم ويتشاركون آخر التحديثات من خلال المجموعات المخصصة لهذه الأغراض.
في خضم كل هذه القفزات في التواصل، اختفى لدي ولدى الكثيرين من أمثالي الخط الفاصل بين الحياة الشخصية والعمل، وبسبب سهولة كتابة جملة وإرسالها، وأيضًا الخوف من فقدان هذه المعلومة أو الاستفسار الذي خطر لتوّه في البال، أصبح الواحد منا لا يتوانى في إرسال ما يريد للشخص المعني في أي وقت خلال اليوم. وبما أن الكثير ليس لديه جوال مخصص للعمل، اختلطت الأمور الخاصة بالعمل بالحياة الشخصية.
الإشعارات ورؤية رسائل غير مقروءة بحد ذاته مشتت للتركيز وستظل تلك الأشياء تدور في عقلك حتى تقوم بمعالجة هذه الإشعارات أو قراءة الرسائل الغير مقروءة أو حتى الرد عليها. مجموعة من الباحثين من جامعة ولاية فلوريدا قاموا بدراسة هذا الموضوع وكانت النتيجة هي أن الإشعارات بحد ذاتها تشتت الشخص بنفس القدر تقريبًا فيما لو قام بالرد على رسالة نصية أو مكالمة، حيث قام الباحثين بقياس أداء 150 طالب في اختبار يستوجب قدرًا عاليًا من التركيز في مرتين، الأولى لم يتم تشتيتهم بأجهزتهم، ولثانية تم تشتيتهم وإرسال رسائل لهم والاتصال عليهم أثناء الاختبار. كانت النتيجة أن التأثير السلبي على الأداء كان بقدرٍ متقارب لكل الحالات، سواءً قام المشارك بالرد على مكاملة أو قام بنظرة خاطفة على إشعار لرسالة، وأيضًا في حال كانت النغمة قصيرة جدًا أو نغمة طويلة، بمعنى أنه إذا علِم الشخص بأن هناك رسالة أو مكالمة بانتظاره فإن أداءه سيتأثر سلبًا.
ماذا كسبت و ماذا خسرت؟
خلال خوض هذه التجربة، زادت نسبة تركيزي زيادة ملحوظة، وتحسّن الأداء وأصبح العقل أكثر صفاءً وارتياحًا، إضافةً لذلك، كان لهذا الأمر مساهمة كبيرة في زيادة حجم الإنجاز وكفاءته، وانحصر التواصل في أوقات محدودة. كانت تلك مكاسب عظيمة تستحق المغامرة. على الجانب الآخر، فقدت جزءًا كبيرًا من الأحداث اللحظية، واستاء البعض منّي لعدم التفاعل السريع مع رسائلهم، وأصبحت أتداخل في بعض المواضيع بعض فوات الأوان، ولكن من لديه موضوع مهم لن يتردد في الاتصال، أما الأمور الغير هامة فلا مانع من أن تتأخر لبعض الوقت.
إذن ما الحل؟
في زمن التشتت والتركيز المتقطع، قد يكون من الأنسب أن تدير أنت التدخلات المفاجئة في وقتك، ولا تترك المجال لأن يقتحم عليك شخص ما وقتك الثمين، وفي نفس الوقت لا تريد أن تتجاهل الآخرين تمامًا.
الطريقة المثلى لمن يعاني هذه المشكلة، هي في تخصيص وقت معين خلال اليوم تتصفح فيه ما يرد في الواتس أب، فالشخص الذي يريد منك شيئًا مهمًا لن يتردد في الاتصال بك مباشرة، ومن يريد منك جوابًا على سؤالٍ خطر في باله سينتظر حتى تقوم بالرد عليه. أما في حال كنت ممن يستخدم التطبيق كثيرًا في أمور العمل فقد يكون من الأجدى أن تستخدم رقمًا مخصصًا للعمل وتقوم بالفصل بين العمل والحياة الشخصية.