لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
إن أزمة الكتاب العربي اليوم تبدو في عدة مستويات، فهي إن بدأت بالطباعة وانتهت عند القارئ فإنها تمر بالضرورة في أزمة التسويق وارتفاع تكاليف الكتاب، تنتهي بنا بعدة أسباب تكمن وراء عدم انتشار الكتاب العربي.
ولعل الجهود التي تبذلها الدول المتقدمة للعناية بالكتاب في سبيل تعميمه ونشره بين الناس من شأنها أن تخفف بشكلٍ كبير من نسبة الأمية والمكتبات التي تمكن من استعارة الكتاب في كل أنحاء الدولة تساعد على نشر الكتاب بين الناس مجانًا، وترسّخ التعلق الواسع بالقراءة وبالتالي الارتقاء الفكري بالأفراد في سبيل التحضّر.
إن هذا الجيل الجديد من المتعلمين لم توقظ فيهم ملكة القراءة لا في طفولتهم التي لم يجدوا فيها القصص الشيقة التي تنمّي عادة القراءة لديهم، ولا في شبابهم، الذي لم يجدوا فيه الكتب المثقفة الموجهة، بالمقدار الكافي لترسيخ هواية المطالعة وجعلها من الأمور الحياتية اليومية كما أنهم لم يجدوا هذه الشبكة الواسعة من المكتبات التي كان عليها أن تكون زاخرة بالكتب الجيدة والملائمة لفئاتهم العمرية، ثم جاء انتشار الوسائل السمعية والبصرية التي كانت الطريق الأسهل لتثقيف الفرد عن طريق الاستماع أو المشاهدة وذلك عوضًا عن القراءة التي تتطلب بذل الجهد لإدراك مفاهيم ومعاني الكتاب وهذا يعود إلى ضغط الحياة اليومية والركض وراء متطلبات المعيشة وعدم وجود الوقت الكافي للمطالعة.
قد يكون ضيق ذات اليد الذي يشكو منه معظم الناس أحد الأسباب التي تقف وراء انحسار مد الكتاب ومن ثم انحسار المد الثقافي فلم تعد الحياة بهذه السهولة التي كانت عليها من قبل كما أن متطلبات الحياة أصبحت أكثر تنوعًا وإلحاحًا ولكن لو أقمنا معرضًا للأدوات الكهربائية والأجهزة الحديثة والملابس والعطورات، فهل سيُلاقي الرواج نفسه والإقبال ذاته على معرض الكتاب؟ وهل سيكون لدينا المال الكافي لشراء الأجهزة والكماليات ولا نجد المال الكافي لشراء كتاب أو اثنين؟
- إن من الأسر الحديثة التكوين التي لا تزال في السنوات العشر الأولى من الزواج لا تشتري عشرة كتب سنويًا أو ربما كتابًا واحدًا، مع أن الزوجين قد يكونان من حملة الشهادات الجامعية ومن أصحاب المراكز المرموقة في العمل، فلماذا؟
- إن من أحد أسباب عزوفنا عن شراء الكتاب هو نظرتنا الدولية له والتي قد يعكسها شعورنا بغلائه، مع أن الكتاب العربي قد يكون من أرخص الكتب في العالم، ولكن لو قدم إلينا الكتاب بثمن رمزي أو بالمجان فهل سنقوم بقراءته؟
- إن نظرتنا إلى الكتاب نظرة الحاجة إليه كما ننظر إلى أية سلعةٍ استهلاكية، فهذا يعني أننا قطعنا الشوط الأول في مرحلة القراءة وعلينا ألا ننسى أن انخفاض سعر الكتاب مرتبط بالكميات التي تطبع منه فكلما ازدادت الكمية انخفض السعر وهذا يعني قراءة أكثر.
وأهم طريقة للتعريف بالكتب الحديثة والإصدارات الجديدة تكمن في الناشر فهل يقوم الناشرون العرب بالتعريف بالكتب التي يقومون بنشرها بالطريقة الصحيحة؟ وهل نتلقّى نحن جمهور القرّاء أي منشورات أو دعايات للكتب المصدرة حديثًا؟
إن عدم الإعلام عن الكتب يؤثر تأثيرًا مباشرًا في تسويق الكتاب، ونقصد بالإعلام هنا أن يكون تحت إشراف وتخطيط مدروس بدءًا باعتماد نفقاتٍ إعلانيةٍ لكل كتاب مرورًا بإعداد الببليوغرافيات للإصدارات الحديثة وأن تكون موزّعة في جميع المكتبات العامة منها والتجارية وانتهاء بتخصيص أعمدة في الصحف اليومية للمنشورات الحديثة، كما أن إرسال عدد من النسخ المجانية إلى المكتبات والنقاد هذا سيكون نوعًا من الدعاية للكاتب والناشر معًا على حد سواء.
وتلعب الرقابة دورًا مهما في عملية نشر الكتاب والتأسيس للثقافة وهذا النظام لا يزال يمارس حتى الآن في عالمنا العربي وإن كان قد أصبح عديم الجدوى فمع انتشار وسائل الاتصال المسموع والمرئي ومع التطور المذهل لإمكانية الاتصال عبر القنوات الفضائية وعبر أجهزة الحاسب الآلي التي دخلت إلى كل منزل لا نجد مفرًا من أن نحترم حرية الفرد المقابل.
ومن أهم أسباب ركود الكتاب العربي عدم حماية حقوق الملكية الفردية سواءً للمؤلف أو الناشر أو للاثنين معًا، فعندما يقوم المحترفون في اصطياد الكتب الرائجة بتزويرها وتصويرها وبيعها في السوق بسعرٍ أقل فإنهم بهذا يضيقون من مساحة انتشار الكتاب ويقومون بقتل بقية ما بقي من قدرة الناشر والمؤلف على تحمل نفقات طباعته ويحوّلون عملهم وجهدهم الذي دام شهورًا أو ربما سنوات إلى خسارةٍ فادحة لا يلقون بالاً ولا يقيمون لها احترامًا.
إن ارتفاع أسعار نقل الكتب من دولةٍ إلى أخرى داخل البلدان العربية والتعرفة الجمركية العالية أحيانًا يزيد من ارتفاع تكلفة الكتاب فما تزال جميع جهات النقل والشحن سواءً الجوي منها أو البرّي أو البحري، يعتبر الكتاب سلعة تجارية، وبالتالي فإن ما يطبّق عليه من قوانين تطبّق على باقي المنتجات الاستهلاكية اليومية، وهذا بالطبع يساعد على ارتفاع تكلفة الكتاب وزيادة ثمنه.
على ضوء ما أسلفنا نرى أنه لا مفر من أن نقوم على إنشاء هيئة مسئولة عن الكتاب حيث أنه من الضروري لمصلحة مستقبل الكتاب العربي أن تقوم هيئة تعني بشئونه وتتابع حركته ابتداءً من المؤلف وحتى القارئ، وذلك لأن كثرة المؤسسات والتنظيمات قد لا يكون في مصلحة أي من الكتاب أو القارئ، فلا بد أن تكون هناك هيئة مسئولة عن الكتاب في كل دولةٍ تُعنى أولاً بحماية حقوق المؤلف ومحاولة توفير الجو الملائم له ووضع الضمانات المساعدة على استمرارية تواصله وعطائه.
ومن ثم تتعامل مع جميع دور النشر الخاصة منها والعامة لحماية حقوق الناشر ومساعدته على الوصول إلى الإعلام الجيد عن الكتاب عن طريق تأمين زوايا ثابتة في الصحف اليومية والدوريات العامة منها والمتخصصة وذلك للإعلام عن الكتب الحديثة للنشر وأن يكون ذلك بالطبع بسعر مخفض عن الإعلانات التجارية للمواد الإستهلاكية.
كما أن مسئولية وضع تنظيم مشترك ودائم بين الصحافة والإعلام من جهة وبين اتحاد الناشرين من جهةٍ ثانية من شأنه أن يقدم خدمات جليلة للكتاب وللقارئ في آن واحد.
وعلينا أن نضع نصب أعيننا أن الحصول على جيل من المثقفين القرّاء في المستقبل القريب يحمل الهيئة المشرفة على الكتاب مسئولية وضع تنظيم وتخطيط مدروسين لتنمية عادة القراءة والمطالعة عند الأطفال وأن يكون هناك تشجيع دائم لأولياء الأمور على شراء الكتب غير المقررة في المناهج ويجب أن تكون كتب الأطفال على درجة عالية من الإخراج الجيد والمشوّق حتى بالنسبة إلى الكتب المقررة في المدارس.
إن توحيد التشريعات والقوانين العربية المتصلة بشئون النشر والطباعة والتداول والتسويق من شأنه أن يزيل العقبات التي تعترض طريق الكتاب، فعندما تقوم الدولة بالتدخل بشكلٍ مباشر في عملية الرقابة على الكتب ومحاولة التخفيف منها قدر الإمكان من خلال شبكة عربية موحدة للرقابة فقد يمكنننا ذلك من مواجهة التحدي الإعلامي الغربي، ولقد قامت المجموعة الأوروبية حديثًا بإصدار قوانين عدة ووضع قواعد مشتركة حول صناعة ونشر الكتاب كما قامت بإحدى شبكة اتصالات حديثة لربط أكبر المكتبات الأوروبية، فمتى يقوم العالم العربي بمحاولة لتوحيد الجهود وإزالة العقبات؟ والأمل لا يزال موجودًا، وقديمًا قيل: رب همة أحيت أمة.