لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
علاقة المرأة بالماكياج أو علاقة المرأة بالمرآة لن يتسنى لنا فهمها فهمًا عميقًا إذا أهملنا النظر إليها من الزاوية السيكوسوسيولوجية التي تمثل جزءًا لا يتجزأ من الأفق الروحي والعقائدي للمسألة.
وهناك من يحب الاختصار الشديد فيعلل كل سلوك سيئ بضعف الإيمان، وهذا الاختصار رغم صحة مضمونه فإنه يخل بتوضيحات لا يصح الإخلال بها؛ لأن ضعف الإيمان وقوته كما يكون أحدهما سببًا لشيء، فإنه يكون أيضًا نتيجة لشيءٍ آخر، وقد وضّح القرآن الكريم وبيّنت لنا السنة الشريفة أسباب ضعف الإيمان وأمرتنا باجتنابها كالخلود إلى الفراغ والتواكل وترف الحياة، وبينت لنا أسباب قوة الإيمان وأمرتنا بتحصيلها كدوام الذكر والتفكر والإخلاص في العبادة والصدق في العمل مع النفس ومع الناس.
وهذا يدل على أن هناك علاقة تأثير متبادلة بين ضعف الإيمان وما ينتجه وما ينتج عنه، وبالتالي لا يكفي في معالجة مسألةٍ ما أن تعلل الأشياء بعلةٍ واحدة، حتى لو كانت هذه العلة متعلقة بالمستوى الإيماني رغم أن منه تنطلق السلوكيات ونحوه تسعى، بل لا بد من النظر في العلل الأخرى وعدم تجاهل علاقة التأثر والتأثير التي تربط بعض هذه العلل ببعضها من جهة وتربط بينها وبين نتائجها من جهةٍ أخرى.
وفيما يخص علاقة المرأة بالماكياج فإنها تعكس علاقة المجتمع بالمرأة، أو على وجه التحديد علاقة المجتمع بجسد المرأة، لأن الماكياج يخص جسد المرأة والمرآة تعكس صورة هذا الجسد، وتعطينا تلك العلاقة مفهوم “المرأة – الشيء” المرأة المعدة للاستهلاك وليست المرأة الصانعة القادرة على الإنتاج.
وفي هذه النقطة من التحليل يمكن أن نفسر تهافت المرأة على الماكياج بتهافت الرجل على المرأة المستعملة للماكياج أو المرأة التي تحسن عرض نفسها، ولكن التحليل لا يمكن أن يقف هنا لأن هذا سينتج منه أن تهافت المرأة على الماكياج ما هو إلا سعي حثيث من طرفها لتحقيق طلبات الرجل بدافع فساد طويتها وسوء نيتها.
وهذا جور وظلم؛ لأنها لا تسعى لتحقيق طلب الرجل بقدر ما تسعى إلى تحقيق طلب المجتمع المتظافر على تشييئها وإخضاعها لمقاييسٍ ماديةٍ مظهريةٍ محضة، ومعلوم أن هناك زوجات يحرصن على استعمال أحدث وأجود أنواع الماكياج تلبيةً لرغبات أزواجهن، والحرص على رضا الزوج إذا أُخذ بمعناه المجرد فإنه ليس –إسلاميًا– من فساد الطوية، كما أن الحرص على اجتناب انتقادات الزوج ومقارنته إياها مقارنة قدحية ليس حرصًا خاليًا من التعب والألم.
وبالتالي فإن المرأة التي تقف الساعات الطوال أمام المرآة تتأمل نفسها وتلطّخ وجهها وتقارن يومها بأمسها لا تسعى إلى تحصيل لذة الظهور بالمظهر الفاتن فحسب، بل أيضًا لاجتناب كثير من التعليقات المبنية على مقاييس مادية محضة تُشيّئ المرأة، وتبرهن على إيمانها الراسخ بهذا التشييء وتبنيها لمفهومه، وعملها بمقتضاه.
فالمجتمع يعطي لأي رجل مهما دنا قدره صلاحية انتقاد مظهر أي امرأة مهما علا قدرها. والعكس غير صحيح، فالرجل بحكم رجولته أو لنقل –ذكوريته– لا يليق النظر في مظهره، فهو رجلٌ وكفى.
ورد فعل المرأة على المجتمع هو التمادي في الاعتناء بهذا الجسد –المظهر– والمبالغة في استعمال الماكياج إلى درجة الإدمان عليه وصعوبة التخلي عنه لأنها عند تخليها عنه تشعر أن كل الأنظار تتوجه إليها بالانتقاد؛ لأنها عهدتها ببشرةٍ أخرى وملامح أخرى.
وفي هذه الخطوة من التحليل يمكن تفسير تمادي المرأة في التزين أو تهافتها عليه بفقدانها ثقتها في نفسها وفي قدراتها أو ضعف إيمانها بالمقاييس التي تطرحها هي كبديل، المقاييس التي تقاس بها المرأة، أي –الإنسان بدل المقاييس التي تقاس بها المرأة–.
وكثيرًا ما يقل تمسّك الإنسان بمبدأ ما ويخضع للمبدأ المضاد تحت ضغط عاطفة أو حاجة اجتماعية أو اقتصادية أو مجرد نزوةٍ يأخذه اتباعها على أنه ليس أهلاً لاعتناق مبدأ والعمل من أجله.
ولكن قليل هو عدد النساء اللواتي يَعينَ وضعية المرأة -الشيء- ويطرحهن لها بديلاً. لذا فمعظم النساء في مجتمعنا يخضعن للمقاييس المظهرية، ويقيس بعضهن بعضًا بها، ويستعنّ بالخرافة والشعوذة من أجل تسوية الأوضاع وتصفية الحساب بينهن وبين منافستهن أو المتفوقات عليهن.
وغرضنا نحن معشر المسلمين هو إنقاذ أنفسنا وأبناء وبنات أمتنا من الضلال والشقاء والولوج إلى الهدى والهناء. ومن دواعي الدهشة أن يكون الذين يزعمون تفهّم وضعية المرأة -كشيء- ورفضها هم أنفسهم الذين يدعون إلى وضعية الإنسان وتشييئه، فالذي يرفض تشييء المرأة وإخضاعها لمقاييسٍ ماديةٍ حسية مظهرية لا يمكن أن يكون ماديًا حسيًا مظهريًا، وإلا سوف يكون متناقضًا مع نفسه ومع عقيدته.
وعلى كل حال فحتى اللواتي اتخذن قضية المرأة هاجسًا لهن وهن من بنات جنسها يسعين إلى تقليد مظهر الرجل تارة بما في ذلك السيجارة أي السرطان، أو تقليد أشد النساء خضوعًا للمقاييس المحتقرة للنساء المتشيئات لهن، وهن: الكاسيات العاريات المائلات المميلات.
ولكن الدهشة في هذا ليست إلا كلمح البصر، إذ المقاييس المادية لا يمكن أن تعلو فوق ما هو مادي وحيواني، ولا يمكن أن نبعد المقاييس المادية الجائرة إلا باعتماد مقاييس ربانية عدلة.