لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
يعتبر الخوف انفعالاً من الانفعالات الأساسية التي يعرفها الإنسان. وتشير الدراسات المختصة بالحياة الانفعالية إلى أن “الخوف مقدمة الانفعالات التي تتميز على سطح التهيّجات البدائية لدى الأطفال ولا يسبقه في الظهور والتميز إلا انفعال الفرح، والحزن يتبعه الخوف ثم الغضب وذلك في الفترة ما قبل ست سنوات تقريبًا”.
إن الخوف يظهر عند الطفل منذ الشهر السادس تقريبًا. ويعني هذا التأكيد أن المخاوف لا يمكن أن تكون كلها مَرضية حسب ما ترى مدرسة التحليل النفسي، لأن المخاوف المرضية ليست إلا تطورًا للمخاوف الطبيعية العادية التي يعرفها كل كائنٍ في حدود عقبته الافتراضية. وعدم اهتمام الكاتب بالمخاوف المرضية يعود أيضًا إلى عدم اتفاقه مع مُسلّمات مدرسة التحليل النفسي في تأكيدها على العوامل العضوية كعوامل محددة لتفسير الظاهرة النفسية.
العوامل الاجتماعية وراء مخاوف الأطفال
• العقاب
لأن للطفل حساسية قوية لما يسلّط عليه عمليًا أو تصوريًا من عقابٍ ماديٍ أو معنوي، وكلما ازدادت مخاوف الطفل منه ازداد تأثيره عليه.
• العلاقات في الوسط العائلي
لا يجب أن نكتفي بالوقوف عند ظواهر الأشياء؛ لأن الأسس العميقة التي تقوم عليها نوعية العلاقة العائلية هي التي تعبّر عن نفسها في نغمةٍ يسودها الحوار والحركات بين أفراد العائلة، وهذه النغمة هي التي ترتسم في الطفل، فإذا ما فقد الثقة في النفس أو في المحيط عن طريق ما يسود العلاقات العائلية من جوٍ مشحون فإنه يشعر بأنه أعزل وهو ما يفتح الباب لينمو لديه شعور بنقصٍ موضوعي.
• تقليد الكبار
يلعب التقليد والمحاكاة دورًا في اكتساب السلوك وعن طريقهما ينتقل للطفل شيء من خوف الكبار.
• العناية الفائقة
وهي مظهر من مظاهر الحب السيئ الذي ينمّي لدى الطفل خوفًا من الفراق وهو ما يدفعه إلى الانطواء على ذاته.
تصنيف مخاوف الأطفال
أ- مخاوف عادية طبيعية
لهذا النوع من المخاوف علاقة بالمواضيع الواقعية في البيئة أو خارجها أو في “العقل الجمعي” كالآراء المتعلقة بالإشاعات أو الأوبئة والحروب وغيرها. ويبقى هذا الخوف طبيعيًا طالما يزول بزوال موضوعه أو بالدخول في مرحلةٍ جديدةٍ من النمو أو المعرفة. لكن الإشكالية التي يواجهها علم النفس تتمثل في صعوبة التحديد الحاسم والكمّي لدرجة الخوف الطبيعي وهو ما يجعل التمييز بينه وبين المخاوف المَرضية يتم على أسسٍ نوعية.
ب- مخاوف مَرضية
ويطلق عليها عادةً مصطلح “خوّاف” Phobie ويتميز بأنه لا واقعي ولا شعوري ورمزي.
لا واقعي: لأنه يهيمن على كل الفعاليات فيصبح مصدرًا للوساوس يتجذّر في عمق الذات حتى أن الفرد أحيانًا لا يدرك لماذا يخاف ومما يخاف.
الوسط الاجتماعي ومخاوف الأطفال
حتى تظل مخاوف الطفل في عتبتها العادية والطبيعية يتعيّن على الوسط الاجتماعي أن يتدخل عبر مؤسساته وآليات تفاعله، ولا شك في أن الوسط الاجتماعي منظورًا إليه من زاويةٍ ديناميكية هو وسط متغير ومتعدد الأبعاد.
من أهم ما يساعد على تكوين شخصية الطفل وتحديد ملامحها إدراك الوسط لخصوصية مرحلة الطفولة، فرغم ما في هذه المرحلة من تحولات فإنها تبقى فترة متميزة في شخصية الطفل وتحديد خصائصها التي يتعيّن الإلمام بها.
أهم العوامل التي تكوّن شخصية الطفل
- الظرف الاجتماعي لأسرة الطفل بما يشمله من مهنة الأب ودخله والسكن والتغذية كمّا وكيفًا. وهي كلها عناصر وعوامل مساعدة على تحديد ملامح شخصية الطفل.
- المستوى الثقافي للطفل وعائلته، وهو ما يشمل منظومة القيم السائدة في العائلة وكذلك أساليب الثواب والعقاب، ونوعية العلاقات السائدة داخل العائلة.
- عوامل ترتبط بالوسط المدرسي. ذلك أن للمدرسة وظيفة طبيعية لأنها مؤسسة اجتماعية متخصصة وُجدت من أجل غرضٍ اجتماعيٍ هو التنشئة، وهو ما يجعلها تعمل على تهذيب أو إيقاف ما لا ينسجم مع هذا الهدف وهي إن كانت تساعد على تجاوز سلبيات التمركز حول الذات والنرجسية فإنها قد تغرس –إذا كانت سلطوية– بعض المخاوف الاجتماعية في الطفل التي قد تؤدي إلى بَلادةٍ انفعاليةٍ تتجلى في أبرز مظاهرها في النوم والكسل وتُعمّق خوفًا من الحرية تقع إزالته بتعميق الشعور بالاختيار وبالمسؤولية والمشاركة في نشاط الكبار.
- تلبية الحاجات النفسية الاجتماعية للطفل. ذلك أن الوسط الاجتماعي مُطالب بأن يحقق حاجة الطفل إلى التجاوب الوجداني، لأن شعور الخذلان هو من جنس قلق الفراق، ولا بد أن يحقق أيضًا حاجته إلى الشعور بالأمن وبالانتماء.
ويلعب الوسط الاجتماعي دورًا هامًا في الحد من مخاوف الأطفال أو تضخيمها لأن إخلال المؤسسات المذكورة في أداء دورها وعجزها عن تمكين الطفل من الإحساس بأن حاجاته النفسية الاجتماعية قد وقعت تلبيتها لا يمكن إلا أن يؤدي إلى ظهور أعراض رفض النمو رغم أن للطفل رغبة مبدئية في ذلك تتجلى في العديد من المسارات النفسية كالتقمص والتعلم والتوحد والسلوك الاحتذائي.
ويؤدي رفض النمو إلى تنامي الشعور بالذنب فيعيش الطفل “حالة تصويرية تتمركز حول الخطأ والخطيئة باعتبار أن الذات وقعت فيهما أو معرضة لذلك الوقوع. ويرتبط هذا الشعور عادةً بالتشدد الأخلاقي ويخلق شعورًا بانعدام قيمة الذات” أو يتطور الميل للانطواء الذي هو دليلاً على شعوره بالقلق بعدم اكتمال الذات، كما يمكن أن يعم الطفل شعور بالقلق أو الخجل وهو شعور يختلف عن الخوف في أنه مجمّد للفاعلية.