لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
كان الناس في فترة من الزمن عندما يعودون إلى منازلهم ويغلقون أبواب المنزل، يصبحون في معزل عن العالم الخارجي إلا إذا قاموا بفتح نوافذ المنزل، وبذلك يستطيعون الاطلاع على الأحداث التي تدور في محيط منازلهم، أما في بقية الأوقات فإنهم يكونون منشغلين في أحداث حياتهم اليومية داخل المنزل.تخيل ذلك معي انقطاعًا تامًّا عن العالم الخارجي، لا تلفاز ولا وسائل اتصال، أجواء تلزمك بالتفرغ لشئون حياتك الخاصة وشئون عائلتك، يا لها من أجواء جميلة! الناس يعرفون الأخبار عن طريق الجيران في فترات النهار أو في الأسواق أو في مقرات العمل على بساطتها في ذلك الوقت.[
ستة أشياء تسرقها منك شبكات التواصل الاجتماعي]ومع مرور الزمن وتطور
وسائل الاتصال والتواصل، لن أذكر ترتيب ظهورها هنا، ولكني أذكر تطور حالة التواصل عبر الزمن تقريبًا، عندما ظهرت
الصحف اليومية كان الناس ينتظرون شمس النهار حتى تكشف لهم مع إشراقها بعض الأحداث مع وصول الصحف اليومية إلى المنازل أو المتاجر، وقت محدد ومكان معلوم لاستقاء الأخبار، ربما ظهر
المذياع بعدها وسهل وصول الأخبار إلى حد كبير، ولكنه قطعًا في بداياته لم تكن المحطات تعمل على مدار الساعة. إذًا لا يزال الصفاء الذهني يعم المجتمعات إلى حد كبير، بعد ذلك ظهر
التلفاز ببساطته في البداية مع عمل محدود للمحطات ولأوقات محدودة ومن ثم
بدأت هذه النوافذ تتسع فظهرت
الهواتف وغيرها من وسائل التواصل.[
العرب ووسائل النشر: بين تطور الأدوات وتطور الغايات]
إنها القرية الصغيرة
إذًا. شيئًا فشيئًا بدأت نوافذ الاتصال والتواصل تزداد، من الصعوبة والقلة والندرة، إلى الكثرة والسهولة والوفرة، واستمرت عجلة تطور نوافذ التواصل بالدوران والنمو، تكبر وتكبر حتى ملأت الأرض بضجيجها، فالخبر الذي كان يأخذ شهرًا لكي ينتقل من شرق الأرض إلى غربها أصبح يصل خلال أسبوعين فأسبوع فخمسة أيام، فيوم واحد فدقائق معدودة بل ربما ثوانٍ.حرب وسلام فقر وغنى انتعاش اقتصادي وانهيار ولادة وقتل احتفال وزلازل، كل هذه الأحداث تنهمر على عقل رجل واحد في وقت واحد. بالله عليك كيف يكون حاله؟تخيل نفسك وأنت عائد من عملك إلى منزلك، تدخل إليه لتستريح وتلتقي بأهلك وأطفالك أو والديك وإخوتك، ما إن تجلس في زاوية من زوايا المنزل أو ربما تكون على فراشك حتى تمسك بهاتفك المحمول وتقوم بفتح (٤) أو (٥) نوافذ كبيرة فتدخل منها الريح التي مكنتها بأن تحدث تيارًا في منزلك لفتحك أكثر من نافذة، فهي تدخل من جهة وتخرج من الأخرى، محدثةً ضجيجًا لا تسمع على أثره حديث من بجانبك في المنزل، الأوراق تتطاير في الهواء وأثاث المنزل يتبعثر، والأتربة تملأ المكان، وكل شيء ينقلب رأسًا على عقب، ما الذي يجري؟
هادم اللذات في هذا الوقت بالذات!
يا عزيزي..
نوافذ التواصل أشبه ما تكون بنوافذ المنزل التي نفتحها عندما يكون الجو صحوًا ولطيفًا لنجدد الهواء في المنزل ونملأه بالأوكسجين، إذا فنحن نفتح هذه النوافذ في وقت معين ولغرض محدد ووقت محدد كذلك، لأننا إن لم نفعل هذا فإننا سنجلب الأذى بدلًا من الفائدة.نوافذ التواصل نعمة عظيمة، ولكن يجب علينا استخدامها بالقدر الذي نحتاج إليه، لأنك إن أكثرت من استخدامها أدمنت عليها وتعلقت بها، تخيل معي هذا المشهد، أنت جالس مع أهلك وأبنائك، تحاول أن تعيش جوًّا عائليًّا جميلًا يستفيد منه الجميع. وأنت على هذه الحال إذ بخبر يأتيك على هاتفك فتقوم بفتح هذه الرسالة، وبعد قراءتك لهذا الخبر تود أن تتأكد من صحته، فتقوم بفتح نافذة أخرى من نوافذ التواصل لتقف على صحة الخبر.وهكذا يصير حالك من نافذة إلى أخرى حتى تصل إلى مبتغاك، وإذا بعقلك قد امتلأ بهذا الحدث وصرت تفكر فيه وفي أسباب وقوعه وعواقبه، وفي أثناء هذه الأحداث كلها، كان ابنك يكلمك فكنت تجيبه بنصف عقل أو أو أقل، لأن جسدك كان عندهم وعقلك خارج المنزل، تجوب العالم بحثًا عن أمر لم يكن وقوعه بسببك ولن ينصلح حاله بعلمك "في الغالب يكون الأمر كذلك" وفي المقابل أهملت من كان باهتمامك له أثر عليه ونفع له. اسمك أنك كنت في جلسة عائلية ولكنك في الحقيقة لم تكن مع عائلتك، لم تشاركهم في حديث ولا في طعام ولا في غيره، سراب يراه الناس ولكن لا حقيقة له ولا نفع به.[
تجربتي في إجابة أسئلة الناس من حول العالم على موقع كورا Quora]
نوافذ للتواصل.. أم للفوضى؟!
هذه حقيقة
نوافذ التواصل في أغلب الأحيان، نجري خلف معرفة أحداث علمها لا ينفع وجهلها لا يضر، والتعلق بتتبعها يفسد ويضر. كم من عمل تأخر إنجازه، ومشاريع حبست في الأدراج بسبب وقوفنا أمام نوافذ التواصل، يجرنا الفضول إلى التجول في أنحاء العالم بحثًا عن جديد الأحداث وغريب الأخبار وانشغلنا بذلك عن عيش حياتنا الحقيقية بأحداثها ومهامها التي تقع مسئولية إنجازها على عاتقنا.مشهد آخر يجب أن ترى أحداثه بالأبعاد الثلاثية، تجلس مع أصحابك في مجلس ما وتسمر معهم، وبعد أن ترجع إلى بيتك يفترض أن تتفرغ لنفسك ومشاغلها ومشاغل أهلك كذلك، وإذا بك تحدث نفس الأشخاص الذين كنت معهم قبل قليل في مجموعة خاصة لكم في نافذة من نوافذ التواصل، وبعدها تفتح نافذة أخرى وإذا بنفس الأشخاص يتحركون أمامك ويتحدثون، ويحدث هذا أيضًا عندما تنتقل إلى نافذة غيرها كذلك، حتى في منزلك لا يغيبون عنك من هم في خارجه، بالله عليك أي حياة هذه وأي عقل يتحمل كل هذا الضجيج وكل هذا التشتت، وبعدها تقول إنجازي لأمور حياتي قليل جدًّا، في كل عمل أو حدث تعطي (٢٠٪) من الجهد والحضور العقلي وتريد أن يكون إنجازك كبيرًا؟
تريد أن تغير حياتك؟
أغلق نوافذ التواصل ولا تفتحها إلا عند الحاجة، نعم عند الحاجة فقط، كأسلافنا في الماضي النوافذ لا تفتح إلا لحاجة، وبعدها انصراف تام لما أمامهم وما بين أيديهم، افعل ذلك، جرب ولو لمرة واحدة، اجلس مع نفسك وراجع الأوقات التي تقضيها في متابعة الأحداث أو التواصل عبر نوافذ التواصل، وقيم هذه الأوقات، هل كانت وفق الحاجة أم فوق الحاجة؟ ما الذي ترتب على انشغالك هذا؟ أهملت أسرتك؟ والديك؟ أعمالك؟ انشغلت عن تطوير مواهبك وهواياتك؟ ذهنك مشتت ومشغول بأحداث لست معنيًّا بوقوعها ولا إصلاحها.أخيرًا.. جرب أن تقنن دخولك لمواقع التواصل، وبعدها أخبرني عن صفاء ذهنك، واستمتع بذلك الوقت.
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد