لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
رغم أن شهر رمضان في نفوس المسلمين شهر مبارك ومعظم له من كل معاني الخير نصيب، فمن رغب في العبادة فهو شهر الصيام والقرآن والتراويح والتهجد، ومن رغب في الطعام وجد أشهاه وألذه وأطيبه، بل ومن رغب في تمضية الوقت في السهرات مع الأصدقاء والأهل وجد الرفقة والصحبة والأنس، ومن طلب قتل الوقت في مشاهدة التلفزيون وجد ما يملأ فراغه ويشبع نهمته. إلا أن الصفة الملازمة لكثيرين ممن عرفت في حياتي في رمضان وبعد انقضائه هي مشاعر سلبية وليست المعاني الإيجابية المبهجة والمفرحة وللأسف الشديد.
ومما يصيب بالخوف الأشد في رمضان هذا العام إقباله علينا في ثنايا أزمة كورونا التي عصفت بالعالم من شرقه إلى غربه. فالقلق النفسي والتوتر والخوف والتفكير الزائد أجهض محاولات الاستعداد النفسي قبل المادي لرمضان بنشر الفرحة والبهجة بقدومه. ومحاولة الرصد للمزاج العام للمسلمين في العالم ليست عسيرة ولا صعبة في ظل توفر وسائل التواصل الاجتماعي والتي لا تعطي بيانات حقيقية عن الحال لكنها على الأقل تعطي مؤشرات يمكن قراءتها وتحليل بياناتها.
وإن أقوى ما يمكن أن يؤثر على الناس في رمضان في ظل عزلة كورونا جملة أمور مهمة يجب التفطن لها والانتباه لآثارها ومحاولة التعامل معها مع النفس والبيئة القريبة المحيطة بالشخص في رمضان:
الخوف من التغيير
وهو في رمضان كثير، ومنه الخوف من التغيير، وتقلب الحال وترك العادات، واضطراب المواعيد حتى الساعة البيولوجية، ومنه الخوف من تبعات رمضان لكثرة الخطابات الوعظية المحذرة من انقضاء رمضان والمسلم لم يحصل فيه على المغفرة والرحمة مما يزيد في بعض الناس شعور التوتر والقلق إما لعجزه أو لضعفه أو حتى لإيمانه القوي وخوفه من عدم نيل مغفرة الله تعالى.
السقوط في فخ المقارنة
وهو سلوك مضعف مثبط مخذل وليس محفزًا للأسف الشديد، ويكون الحال أسوأ حين تتم المقارنة بين حال الواحد منا الآن وحال أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- أو حال مالك والشافعي، أو سفيان الثوري ومالك بن دينار -رحمهم الله تعالى- فلا أنت أنت ولا الزمان هو الزمان كما في أدب فاروق جويدة، وهي مقارنة صعبة وقياس مع الفارق، إنما ينبغي أن تذكر أخبارهم لرفع الهمة لا للتيئيس والخذلان، فهم خير القرون، ونحن في قرون مختلفة، فالتنافسية تكون مع النفس، فتكون اليوم أحسن حالًا منك البارحة، وتنوي أن تكون في الغد أحسن حالًا منك اليوم، فذاك والله الفوز الحقيقي.
تضارب بين المسؤولية وتأنيب الضمير
بين الشعور بالمسئولية وبين اللوم حيث يقرع المسلم نفسه للتقصير في جنب الله تعالى ولا يفرق في بداية رمضان بين مسئوليته أن يخطط وينفذ ويداوم على بعض التغييرات الإيجابية في حياته لينتفع برمضان، وبين أن تلمحه أنه في آخر رمضان سيكون أسوأ حالًا بالندم واللوم والشعور بالذنب، فالآن الآن يا عمر.
التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي
بالاعتياد وليس بالانتقاء فبعضهم يصر على متابعة من تؤذيه متابعته سواء من المشاهير أو حتى من المتخصصين ونسي كثير منا أنها وسائل للتواصل الاجتماعي ولفتح آفاق للعلاقات الإيجابية والمحفزة والدافعة للتطوير على مستوى الدنيا والدين فلا بد من الانتباه والتفطن بوجود مشكلة حقيقية على مواقع التواصل، ولا بد من الانتباه لما يدخل عقل وقلب كل واحد منّا من المعاني والأفكار بل والمشاعر السلبية مثل الشعور بالدونية والقبح والهزال النفسي والخجل الاجتماعي بل وبالرفض من المجتمع في بعض الأوقات.
والحقيقة أن المخاوف وأسباب التوتر والقلق كثيرة لا تتسع لها سطور المقال لكن لا بد من خارطة طريق سريعة للانتفاع برمضان على المستوى النفسي وهو محور الكلام يضعها الشخص لنفسه وفق معرفته بها وباحتياجاتها النفسية والذهنية. ومن لطائف علوم النفس الإنسانية أنها تراعي الفروق الفردية بين البشر ومع رمضان يمكن اعتبارها مدرستين:
- الأولى تنصح بزيادة معدل الاجتهاد سواء في العبادة أو غيرها بطريقة بطيئة نوعًا ما لكنها متصاعدة في محاولة لتجنب الضغط النفسي والتشويش على مشاعر اللوم والعتاب الجاهزة في قوالبها وتحقيق الأهداف المرجوة والمخطط لها قبل رمضان.
- والثانية ترى بالثبات والاستمرار على ما يتم اعتماده قبل رمضان وعدم زيادة هذا الضغط في العبادات أو في الطعام أو في العلاقات، إنما الأمور تمضي بسلاسة ومرونة وراحة بل وأنس وسعادة.
ونصيحة أخيرة مهمة متعلقة بمنصات التواصل الاجتماعي ليكن الانتقاء هو الشعار وليس الشهرة ولا الكثرة، تابع من هؤلاء ما تنفعك متابعته، وتفيدك منشوراته، وليس من يؤذيك كلامه، ويؤلمك مقاله…. وكل رمضان ونحن بخير.