لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
حينما كنت تسأل شخصًا ما -في القرن الماضي- عن طموحاته في الحياة، كان سيجيبك: حياة هادئة، زوجة، أولاد، بيت، وظيفة بدخل ثابت، وإذا بلغ به الحلم مبلغًا، سيقول فيلا أو حتى قصرًا كبيرًا.ولكن الآن حينما تسأل شاب في مقتبل العمر عن الذي يريده، سيقول لك، بيتًا كبيرًا، الذهاب في جولة حول العالم، الأضواء اللامعة، مليون متابع، أن يصبح مؤثرًا في مجاله، زوجة بمواصفات جمالية مثل الفنانة كذا، أن يتحدث عشر لغات في وقت قصير، وأن يتكلم بلهجة أهلها الأصليين، أصبح ترك العمل يتطلب تهنئة، لأنه ترك العمل الذي لا يتواءم مع شغفه.تغيرت الحياة وتغير الأشخاص، وتغيرت مطالبهم وطموحاتهم والآمال، وأصبحنا مطالبين بالسعي أكثر، لم يعد للحياة العادية رونق أو بريق، ولم يعد أحد يرغب بها، صِرْنا جميعًا نحاول التحسين، مثل هامستر داخل دولابه.. فلا هو يصل إلى مكان ولا هو يكفّ عن الركض!أصبحنا نحاول التحسين دائمًا، مثلما نحسن نظم الأندرويد علي هواتفنا المحمولة، نضع في الحسبان أن لا يصبح الشخص منا نسخة قديمة قد تُترك وتُهمل، فأصبنا بالاكتئاب والألم، ركزنا على الماديات وتركنا الروحانيات بوصفها مسكنات للشعور، وضعنا اهتمامنا بها في آخر القائمة، فلم نعد نهتم بشعائرنا، فهي لا تعطينا النتيجة حالًا ولا يمكننا الاعتماد عليها بشكل كامل، إن دراسة حصة من لغة ما ستفيد المستوى أكثر من ذلك.أصبنا بلعنة أن كل شيء متاح لنا، والضريبة التي يجب أن تُدفع تجاه ذلك أن نحسن من أنفسنا دائمًا لأنه لا حجة ولا عذر لدينا لنؤجل أي شيء فصرنا مصابين بهوس السرعة: سرعة القراءة، سرعة التعلم، سرعة الأكل، ممارسة عملين في نفس الوقت بما يُسمى (تعدد المهام).فقدنا متعة التمتع بالأشياء مقابل أن نصبح أفضل، يقول الأديب وليم دين هاولز(يولد المرء ويتزوج ويعيش ويموت في لجة ضجيج محموم نظن معه أننا علي وشك الجنون).[نوافذ التواصل: كيف تؤثر شبكات التواصل الاجتماعي سلبًا على حياتك؟]عصر السرعة (الموت للواقفين بلا حراك)
في الصباح تفتح صفحات التواصل لتجد أمرًا/حدثًا ما تصدر المشهد، وهو مختلف تمام الاختلاف عن سابقه الذي حدث بالأمس. تفتح هاتفك المتصل بالإنترنت لتجد التطبيقات تطالبك بتحديثات مستجدة، تحاول تشغيلها فتخبرك أن الأندرويد لا يدعمها، ما يعني أنك ستحتاج لهاتف جديد بنظام تشغيل أحدث.تفتح صفحة لتبحث عن وجبة صحية لتجد أنظمة غذائية جديدة بالكلية، ودراسات حديثة تخبرك أن نوع الطعام الذي تحبه خطر رغم دراسة تسبقها تخبرك أن لا داعي للقلق فهو جيد!تخرج في نزهة هادئة مع أصدقائك فتجد أن أذواقهم تغيرت تبعًا للـ"تريند الجديد"، قد تُطرد من عملك لأنك لست متابعًا جيدًا لما يدور حولك، قد يرفضك الشريك الذي اخترته لأنك لست مسايرًا لما يحدث، قد تشعر بالاغتراب لأنك لا تفهم ما الذي يدور، تلك الأشياء لا تراعي قدرتك الفردية فقد تكون شخصًا محبًّا للهدوء ليس أكثر، ولكنك تضطر للضغط علي جهازك العصبي من أجل أن تظل مسايرًا لما يحدث.[سلبيات وإيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي]أهلًا بالعالم المفتوح كغرفة واحدة!
إن كانت الشبكة العنكبوتية حوّلت العالم إلى قرية صغيرة فالسوشيال ميديا جعلته غرفةً واحدة، أصبحت تعرف حيوات تشبه حياتك إلى حد كبير -بحسب ما تراه- ثم تجد إنجازاتهم، قد تفتح الفيسبوك وقد خرجت لتوك من علاقة فاشلة لتجد الكثير يعلنون عن زواجهم ارتباطهم، سعادتهم بكلمة الحب الأولى إلى غير ذلك من الأمور، أنت طوال الوقت محاط بلحظات من الإنجاز: إنجاز قراءة قائمة الكتب، مشاهدة (15) فيلمًا في الأسبوع، مذاكرة الكثير من الدورات.على وسائل التواصل الجميع يلمعون، الجميع منجزون، ولأننا ننبهر بما يبدو لنا دائمًا ولا نفكر بما وراءه، فننساق بسرعة إلى رؤية الناس ينجزون وننظر لأنفسنا فنجد أيدينا خالية، أيامنا مزدحمة بلا شيء، فنتساءل بغضب إلى متى سنظل بلا إنجاز؟ فنهرع إلى التسجيل في الدورات، قراءة الكثير من الكتب معًا، وقد تكون المحصلة النهائية صفر مما يؤدي بنا إلى الإحباط أو الاكتئاب.[حتى لا تكون الدورات التدريبية ضياع وقت ومال]أنت المحرك الرئيسي لحياتك (التنمية البشرية شريكة الجريمة)
ذات يوم حضرت ندوة من ندوات التنمية البشرية، قيل هناك إن كل شيء تخسره يمكنك تجاوزه، كل شيء تريد فعله ستفعله، ستربح المال حالما تفكر به، ستتغير عادتك وطباعك السيئة في خلال 21 يومًا، لا يوجد شيء عَصِيّ علي التغيير>
نظنّ دائمًا أن الأشياء البعيدة عن تلك الأشياء التي نراها ولا نمتلكها، نظن أنها حينما تأتي ستجلب لنا السعادة، لكن الحقيقة في أننا ما دمنا لا نملك السعادة في الوقت الحالي، فإننا لن نمتلكها وحتى عندما نحصل على ما نريده، فتلك الأشياء التي نراها بعيدة تبرق لأنها ليست ملك يدينا. فكر في هاتفك الذي في يدك الآن والذي اشتريته لأنك كنت تراه لامعًا وبراقًا وحينما امتلكته واعتدت عليه أصبح عاديًّا، كل شيء في الحياة يصبح عاديًّا حينما نمتلكه، فلا تنخدع.كما أننا لم نعد نرى سوى الحياة الحالية، لقد نسينا الحياة الأخرى، الحياة الدائمة، أصبحنا نلهث خلف ما تعطيه لنا تلك الحياة ونحبط حينما تضن علينا، يقول "ألان دوبوتون" في كتابه "قلق السعي للمكانة":
حضرت تلك الندوة من أجل أن يتم تحفيز عقلي للخروج من حالة الثبات العميقة وأن أخرج نفسي من مشاعر الحزن، فخرجت بشعور جديد وهو الشعور بالعجز، فما دمت قادرة علي تغيير قدري لما لا أغيره، لما أنا واقفة بلا حراك هكذا؟مشكلة التنمية البشرية تَكْمن في أنها عامة الأحكام لا تراعي خواص كل شخص وطبيعة شخصيته، تضعنا كلنا في سلة واحدة دون مراعاة للفروق الفردية في شخصياتنا، ولا لما نريده وما نطمح إليه.إنها دائمًا تحاول دفعنا نحو التقدم بكلمات حماسية، ولكن عند الشروع في التطبيق ستذهلك النتائج وربما تزيدك إحباطًا علي إحباط، فالتغيير ليس بتلك السهولة، فالحياة هي مجموعة من الخيارات والأقدار معًا، وعلينا أن نفعل كل ما بوسعنا، مع وضع القدر في حسباننا، ورؤية ما نمتلكه بوضوح والتصالح مع ما يمكننا فعله.[(7) أشياء تذكرهم حين يصدر الناس أحكامهم عليك]
كيف تراني (استمداد نظرتنا إلى انفسنا من الآخرين)
من الأمور المهمة التي تضعنا في دائرة الركض المفرغة، هي استمدادنا لقبول أنفسنا من قبول الآخرين لنا، والحكم على أنفسنا من خلال عدساتهم. ذلك الشعور يرجع إلى أمور كثيرة منها ضعف الثقة بالنفس، أو أساليب التربية التي تضع الآخرين في موضع مهم، ولكن النتيجة أصبحت أننا نركض من أجل أن نعجب الآخرين.يتحدث عن هذا الأمر "ألان دوبوتون" في كتابه "قلق السعي للمكانة" فيفرد المشكلة بالأسباب والحلول، وأول أسباب ذلك القلق هو الحب أو الحاجة إلى الحب والقبول، فنحن نحمل أنفسنا ما لا نطيقه من أجل الشعور بأن الآخرين يحبوننا، ويقبلوننا، ويروننا أشخاصًا جيدين، وننسى أن الناس يشعرون بذلك أصلًا إذا شعرنا نحن بذلك أولًا.خدعة: السعادة فيما نحققه لا ما نمتلكه
(كلما تآكل وتفتت الإيمان بوجود عالم آخر بعد الموت فإن مخاطر التطلعات المحبطة لا بد أن ترتفع أكثر وأكثر. القادرون على الإيمان يعرفون بأن ما يحدث على الأرض ما هو إلا مقدمة وجيزة للوجود الأبدي سوف يعادلون أيّ ميل لحسد الآخرين بفكرة أن نجاح الآخرين ما هو إلا سحابة صيف سريعة الزوال مقارنة بحياة خالدة).