لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
في البداية سأخبركم بحقيقة وهي أنّني لست الأكثر بلاغةً ولا يوجد ما هو كذلك، يظنّ الناس أن هناك البليغ وهناك غير البليغ ولكنّ البلاغة مهارة تُكتسَب، يقول بورخيس عن الشعر:"تعلّمت منه أنّ الكلمات ليست وسيطًا للتواصل فقط، وإنّما رموز سحريّة وموسيقى"وفي هذه المقالات سأبدأ بتدوين ملاحظات بسيطة أجمعها باستمرار لتطوير أسلوب الكتابة.
الملاحظة الأولى
أنا في حيرة من اختيار اللفظة الأنسب فهل أقول: نَثَرت الوردة عطرها؟ أم أقول: نشرت الوردة عطرها؟ أم أفصحت عن عطرها؟ ولم لا أقول: باحت بعطرها أو فاح عطرها؟في كل هذه الأمثلة السابقة لا وجود للخطأ، فقد تشتهر بعض المفردات للتعبير عن عطر الوردة مثل: "فاح العطر" لأنها الأكثر واقعية، ولكن في اللغة يمكننا أن نتلاعب بالواقع ونرسم صورًا من مَجازٍ. فلو قلنا: نثرت الوردة عطرها، لأضفينا طابعًا مليئًا بالكرم على الوردة التي لا تكتفي بالفوح بل تنثر العطر، وقد نستخدم كلمة أشد قوة فقط عند الحاجة مثل: نشرت الوردة عطرها، وقد ننتقل بالتعبير لحيّز آخر خجولٍ في حال طمأنينة كأن نقول: باحت الوردة بعطرها، فليس البوح لأي أحد، ويمكننا في النهاية استخدام الإفصاح وهو فعل بشريّ تمامًا شديد التعبيرية فنقول: أفصح الرجل عمّا في خاطره، وأفصحت الوردة عن عبيرها، من الفصاحة والتعبير التلقائيّ الصادق عن الذات.لا يوجد خطأ واضح في أيٍّ من التعبيرات السابقة؛ لأن المَجاز يجبُر كَسْر الحقائق، فقط علينا إحسان استخدام السياق الأمثل فاللغة الفصحى من (ف ص ح) أيْ: استطاع التعبير بتلقائية عمّا يدور في ذهنه، فنعم قد تكون اللغة الأكثر واقعية مناسبة للكتابات التقريرية والمقالية ولكن لا ضَرَر أبدًا من استخدام المجاز طالما كان السياق واضحًا."غير مُكْتَفِيَة بالأريج، تختفي النحلة بين جناحات الورد"."لحظة تمرُّ طويلًا في قلق، نسمة ربيعيّة هادئة، تنثر الوردة للطفلة نصيبها، تقطيبة القلق تتحول لبسمة تفرد جناحيها على جبين الطفلة".- كيف تعلم طفلك تذوق الجمال؟ من وجهة نظر سليم عبد القادر
- 4 تخصصات جامعية تجمع بين العلم والفن.. تعرف عليها
- ثلاثة أُدباء تألقوا ولم يكن العمر عائقًا لهم
الملاحظة الثانية
اللسانيات علمٌ يدرس كل ما يتعلق باللغات كافّة وقدرة الإنسان على تطوير هذه المهارة الفريدة، أمّا علوم اللغة فتهتم بطرق التعبير واكتساب اللغة. التشبيه في اللسانيات يتكون من طرفين: حاملٍ ومحمول، فعلى سبيل المثال: "عندما رأى الفراشة حلّق الصغير كالطائر". في هذه الحالة نعبر عن انبهار الصغير بصفة مشتركة بينه وبين الطيور، نستعير صفةً من الطائر كي نشبّه بها الولد وهذا لا ينطبق فقط على "التشبيه" بل على كل أنواع الكلام المجازيّ. فالحامل هو الطائر لأنه يحمل الصفة في الأساس وهي التحليق أمّا المحمول فهو الصغير.أمّا في علوم اللغة يتم التقسيم بشكل أكبر، للتشبيه أركان أربع:
- المُشَبَّه، وهو ما يسمّى بالمحمول في اللسانيات.
- المُشَبَّه به، وهو الحامل بالتبعيّة.
- أداة التشبيه.
- وجه الشبه.
الملاحظة الثالثة
التفكير أوسع من اللغة، يمكننا التفكير بالأشكال والألوان والأصوات دون أن نستخدم كلمة واحدة في ذهننا لوصف ما نريده. تبدو هذه الحالة شديدة الصمت والتأمل بطبيعة الحال وهو أكثر أنواع الصمت حيويّة؛ صمت الرصد والتعلّم. الذهن يميل للتقسيم والفصل، فأنا ومع كتابتي لهذه الكلمات يحاول ذهني فصل الموسيقى عن صوت الزقزقة ولكن حواسي لا تميز هذا الفصل بل تحسبه متكاملًا متصلًا. هذه الخاطرة عن اللغة لا تتحدث عن اللغة بل عن منبعها الأوّل؛ الدهشة مما حولنا.لكل كلمة في أذهاننا حمولة شعوريّة وذكريات لا تنتهي، تربط أخيلتنا ربطًا شرطيًّا بما نحمله في قلوبنا تجاه هذه الكلمة، ولكن للطبيعة وللبشر الآخرين دائمًا رأي آخر غير ما نعتاد عليه، يفاجئوننا ويدهشوننا بما لا نتوقعه، فينفكّ الشرط الذي يربط الكلمة بشعورها في أذهاننا ويضاف شعور جديد أو لنقل تجربة جديدة.الكلمة إشراط (1) ـصوت الغناء يكسب الكلماتحلّة جديدةالكلمة إشراط ـعيناكِأوسع من اللغة(1) الإشراط (conditioning): ارتباط الكلمة بصورة ذهنيّة محددة أو شعور محدد من الماضي، كلما سمعناها أحسسنا الشعور أو رأينا الصورة.