Loading Offers..
100 100 100

نحن في عالم الفراشات وكيف تؤثر على قراراتنا

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

قد تكون عرفت مصطلح “تأثير الفراشة” من أحد مواقع التواصل الاجتماعي وأنت تحتسي كوب شاي بعد وجبة الغداء، أو سمعته عن الشاعر محمود درويش وهو يحدثنا أن “أثر الفراشة لا يرى، أثر الفراشة لا يزول”. وهو باختصار ينبهنا أن أقلّ الأفعال حجمًا، أو حتى أكثرها تفاهة قد تُفجر نتائج لم تكن تتوقعها لا أنت ولا الفراشة، فالأمّ التي صفعت صغيرها أمام أهل الحارة جميعًا بعدما أيقنت أنه ذهب ليلعب مع أصدقائه ولم تقم عصابة تجارة الأعضاء باختطافه والتمثيل بجثته من أجل المرح والدعابة، قامت هي بالتمثيل بقطعة من معالمه النفسية لإنها أمّ شعرت بالخوف والتهديد والقلق، تلك الأسطورة العظيمة المستمرة حتى الآن التي تبيح للأم أو الأب أو ولي الأمر بوجه عامّ أن يدفع أيّ أذى قد يصيب الصغير لكن لا مانع من أن يؤذيه هو.

نظن جميعًا أن أمر هذه الصفعة –وأخواتها بالطبع- انتهى وولَّى، لكن بقية الحكاية تستمر بالظهور في الطفل والمراهق والشاب وأيضًا العجوز الذي يمكن أن نراه ساديًّا أو عديم الشخصية حتى، نجد أحدهم خشن الطبع يسب ويلعن أهل الأرض أجمعين ويشبع بضرب زوجته وطفله أكثر من حلة الملوخية بالأرانب، أو نجد الصغيرة التي تعدى عمرها الثلاثين ولا تستطيع اختيار الزوج، فتقبل بأي محفظة نقود ممتلئة حسنة المظهر ومصنوعة من جلد التمساح.

ثم تظهر بعد سنتين بطفل صغير وورقة طلاق -قد تكون مصنوعة من جلد التمساح أو الكلب- لإن الحماة لم تعجبها العروس المدللة التي لا تستطيع طهي الكرشة، فالنفس البشرية تتقن ردود الفعل المتناقضة بالدرجة القصوى، وهي بذاتها النفس التي تعرف جيدًا (من أين تؤكل الكتف) بشكل عفوي تمامًا، فتجدها تنخر أساس بنائك بجملة تنمّر عابرة مثلًا، وهي أيضًا النفس الصغيرة التي تقف أمام الأم والأب والجارة التي شهدت الحادثة من بدايتها، ولا تعرف كيف تتصرف أمام هذا السيل مجهول السبب الذي يجعل الأمر أكثر تعقيدًا في نظر تلك الذات التي ستنمو بكتف مشوهة أو مبتورة في أكثر الأحيان.

وإن كانت الأم أثرت في الابن، والابن سيؤثر في الحفيد، والجدة والجد قد أثَّرَا في الأم، وهكذا لكلٍّ منهم دائرة أوسع يستطيع التأثير بها يوميًّا، فيا تُرى مَنْ بدأ هذه الدائرة الملعونة من إلحاق الندوب بذوات الآخرين؟ تلك الندوب التي لا نراها ولكن إن خضعنا لفحص دقيق للسلوك بالطبع سنرى آثارها التي تصنع جحيم نفوس أخرى، تلك التي تجعلنا نتساءل هل البشر أوغاد بطبيعتهم أم هم ضحايا؟

تلك التي تجعل طفلًا يتخبط بين مشاعر البغض والحبّ لشخص يُفترض أنه دفع جزءًا كبيرًا من عمره وجهده وللأسف مشاعره، ولكن الصغير لا يزال يستخدم اللون الأسود في تلوين صورة الكيان الذي أطعمه وقهره في الوقت نفسه. الصغير الذي سيركب قطار الصراع مع ذاته التي لم تستطع حبّ المُحسِن الذي يسيء إساءة لا تُنسَى بعِناقٍ أو دُمْية، ولن نستطيع تركه يرتّب حطامه في الهواء الطلق؛ لأن تلك الحطام عار على كل المجهود المبذول في هذا الطفل الجاحد الذي يتذكر إساءات عابرة لم يفلح في نسيانها بعد مائة محاولة وواحدة تزيد.

هذا ما يمكن أن يكون عليه تأثير الفراشة، ولكن كما سبق فلا أنت ولا الفراشة ستتوقعان نتيجته، بل قد تسافر الفراشة لبلد أخرى تاركة الأولى تحترق ولا تصلها رائحة الاحتراق، فالفراشة حلقت بعيدًا تاركة لنا تفاحة مسمومة جعلتنا جميعًا إمّا كارهين للتفاح نأكله على مَضَضٍ أو موقنين بأن كل التفاح مسموم بطبيعته، وإن كان مسمومًا بطبيعته، وهو الحل الأمثل والأسهل حتى تتم عملية الأكل بأقصى قدر مطلوب من خداع النفس لتتجرع السم راضية، فهل سنذهب لانتزاع السم منه؟

هل سيُدرك ذلك الطفل آكل الصفعات والسُّباب والإهانات وشتى أنواع المحقِّرات أنه في ورطة تُحتّم عليه البحث عن المخرج والعلاج؟ هل يعي أنه بصدد التحول من ضحية لجانٍ مثل القديم الذي كان أصله ضحية أيضًا؟ هل ينتبه أنه يلقي بحطامه في وجه معظم المحيطين مقتنعًا أن السُّم هو طبيعة التفاح؟ أو هل يختنق بهذا السُّم وحيدًا في مكان ما ولا أحد يلحظ أن وجهه شاحب؟!

يبدو أن الفراشة أقوى مما هي عليه، وأن الأفعال في عواقبها أكبر من حجمها، الحب الذي يتغذى عليه أبناء آدم لم يكن بكل هذه السهولة يومًا، الزواج والإنجاب لم يتساوَيا في القدر مع سلاسة وحتمية شراء هاتف محمول الآن، التربية المقبولة لا تعرف “هذا ما وجدنا عليه آباءنا”، والأبناء لم يختارونا ونحن اخترنا إنجابهم بلا أي ضغط منهم أو بكاء في منتصف الليل، ونتيجة ذلك القرار هي أن نحبهم ونربيهم ونطعمهم ونسقيهم كواجب طبيعي كامل -قدر الإمكان- يتبعه مصير العرفان والامنتان منهم، لا أن نتغذى عليهم لإنهم جاءوا لعالم الفراشة بلا حول ولا قوة.

موضوعات قد تعجبك:

عقاب أم إيذاء؟ (حوار مع د. نهال زين حول العقاب للأطفال)

كيف تتعافى من الإساءة الأبوية

إعادة صياغة مفهوم العقاب

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..