لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
لا يكاد يخلو يومنا من الجدالات والنقاشات حول كل شيء وأي شيء، وأحيانًا ما نخوض في النقاشات بدون سابق إنذار سواء ونحن على الباص أو في العمل أو في الشارع أو حتى في المساجد، قد تكون هذه نقاشات مجدية وقد تكون مجرد لهو ولغو، وقد يكون الهدف منها الوصول إلى نتيجة أو حل لمشكلة ما، وقد تكون بهدف الانتصار على الطرف الآخر وإثبات للجدارة، وقد ذكر الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن بأن: (الأصل في الحوار هو الاختلاف) لكن دائمًا ما يظهر الخلل في كيفية التعامل مع هذا الاختلاف، وردود الأفعال التي تعقبه.
تحديد مفاهيم النقاش
إن أول ما يجب الأخذ به عند الاستطراد في أي نقاش هو وضع مفاهيم النقاش على الطاولة؛ لكي تتضح القضية أكثر ولا يخرج النقاش عن نطاقه ويتحول إلى حلقة مفرغة متداخله من القضايا، وينتهي المطاف بنقاش همجي تكون السلطة هي سيدة الموقف وهي التي تسيره.
الاستدلال
تدعيم وجهات النظر بأدلة بليغة لكي يصبح النقاش أكثر مصداقية وواقعية. يقول تعالى في سورة الإسراء:
(ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ والفُؤَادَ كُلُّ أُولِئَكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا) فإذا كان الله تعالى سيسألك عن قول شيء لم تسمع به أذنك ولم تره عينك ولم تتيقن به في قرارة نفسك فكيف بمن هم معك في النقاش. يقول الفيلسوف طه عبد الرحمن (كل قول خلا من الدليل الذي يثبته، فلا بد أن تصير القوة دليله، إذ لا يخلو إما أن يستند إلى برهان أو إلى سلطان). فمن حاكمه إذا انعدم الدليل؟ بالتأكيد ستظهر الدكتاتورية وفرض القوة والسلطة، وهذا يقودنا إلى النقطة التالية وهي المجاملة على حساب الحقيقة.
المجاملة على حساب الحقيقة
حين ترى مجموعة من الشباب يتفقون على رأي واحد بغرض التنكيل بأي طرف يحاول مناقشتهم ووضعه في مكان السخرية رغم معرفتهم بأنهم على خطأ، فإن هذه المجموعة أو كما تسمى (الشلة) لا تقبل بالخسارة أمام أحد وهم جَمْع، غير أنهم في هذه الحالة يغالطون الحقيقة ويجاملون أنفسهم وسيكون النصر حليفهم، ليس لقوة ثقافتهم بل لأنهم يمارسون القوة ويسيطر عليهم العقل الجمعي. أما الطرف الآخر صاحب الحجة والبرهان فلن يستطيع معهم صبرًا لأنه وحيدٌ أمام عصابة عقولهم فارغه.
الصواب يكتشفه الجميع
يقول الدكتور عبد الكريم بكار: (إننا حين نؤمن بنسبية رؤيتنا من الحق والحقيقة يحفزنا لرفع شعار: الصواب يكتشفه الجميع). فلو أن "الشلة" فقهوا وعملوا بهذه القاعدة لما استحوذت عليهم العصبية وحب الانتصار والغلبة في النقاش. رحم الله الأمام الشافعي حين قال: (مذهبنا صواب يحتمل الخطأ ومذهب غيرنا خطأ يحتمل الصواب) لقد كان عادلًا حين انحرف أتباعه وكان منصفًا حين تطرّف مَن أخذ بمذهبه، فهذه هي القاعدة الأخرى لنقاش سليم.
ما الذي نتجادل حوله؟
علينا ونحن نخوض في نقاش أن نفرق بين ما هو من العادات وما هو من العقائد والأحكام وأن نتفهم نظرة الآخرين وأوضاعهم وأن نفهم جذورها ومدلولاتها. فنعرف متى ينبغي علينا التوقف ومتى ينبغي علينا الجزم والاستطراد.
الغضب
ومما يهدم النقاش فوق رؤوسنا ويجعل القوة والحمية تتسرب في أقوالنا وتصرفاتنا أشياء كثيرة منها: الغضب ورفع الصوت لكن هذا يلعب دورًا حاسمًا بالنسبة للنقاش حيث ينتهي لصالح الطرف الهادئ. فكما يُقال: (مَن علا صوتُه ضعُفت حجته) والأجدر بأيّ شخص هُوجم بعلو الصوت، أن يبقى هادئًا والتركيز على ما بحوزته من أدله وحجج لكي يتمكن من كسب النقاش.
التسلط
إلا أننا غالبًا ما نشهد أن السلطة المستخدمة في بعثرة النقاش والتي تُعَدّ من الدكتاتوريات التي تُمارس كل يوم. يقول الأستاذ محمد الشافعي: (إنّ الدوغماتية التي نعيشها، والتي تكون حتمية بالضرورة عندَ الجميع يتبعها ذلك الهدف الأسمى، ألا وهو إثبات الدعوى لديهم بكفاءة، ولا نأبه بما يقوله الطرف الآخر). فإننا نواجه أناسًا لا يستمعون لما يقوله الطرف المقابل وينصب تركيزهم على ما سيقولونه تدعيمًا لرأيهم. وتتفاوت هذه السلطة من الحاكم على الدولة أو المدير على الموظفين أو المدرس على طلبته إلى الصديق على صديقه. فقد تنشب الحروب من أجل فرض السيطرة والأخذ بزمام القرار والانتصار للطائفة أو القبيلة وإن كانت على خطأ، ألم تستمر حرب البسوس (٤٠) عامًا من أجل ناقة.وخلاصة القول أننا سنجد أحيانًا أنفسنا منخرطين في نقاشات وجدالات، وبينما نحن كذلك لا بد وأن نعي الموقف الذي نحن فيه وأن نسير ضمن قواعد تساعدنا على الخروج من النقاشات بِيض الأيدي ومنتصرين وأن نؤمن بأن (الصواب يكتشفه الجميع) وأن ندرك أن السلطة والقوة لا تجعل المنتصر بها منتصرًا فعلًا في النقاش، فنتجنبها قدر ما نجد ونحاذر. أجَلْ إنها القوة والتسلط والحمية التي نهى عنها رسولنا الكريم -عليه الصلاة والسلام- حين قال:
(ليس منًّا مَن دعا إلى عصبية، ليس منًّا مَن دعا إلى جاهلية).
إليك أيضًا
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد